استقالة الحكومة وحل مجلس النواب هل هي واجبة ولماذا؟

استقالة الحكومة وحل مجلس النواب هل هي واجبة ولماذا؟ 

 

أ.د خالد العدوان 

 

 يطالعنا فيلسوف العلم في القرن العشرين " كارل بور " بأهمية التقاليد السياسية في تعزيز البناء المؤسساتي لأي مؤسسة، ولأهمية التقاليد السياسية، والتي أسماها بـ " النصل الليبرالي" (Liberal Rasor) في مجموعة مبادئ تتوزع على مصفوفة طروحات عند مناقشته للديمقراطية ومن هذه الطروحات، تناوله أهمية المؤسسات كمتغير هام على صعيد الديمقراطية، إلا أنه يؤكد أن ذلك لا يكفي وحده دون وجود تقاليد راسخة، ومن ثم، ضرورة وجود تقاليد للمؤسسات السياسية، وبما يساهم في تعزيز العمل المؤسسي عموماً. إذ يرى بوبر أن المؤسسات وحدها لا تكفي كقيمة ديمقراطية، إن لم تُعدّل وتتمازج بتقاليد، فالمؤسسات غالبا ما تكون متأرجحة، بالمعنى الذي تكون فيه في إطار غياب تقاليد صلبة قابلة أن تتحول لخدمة أهداف ومقاصد متعارضة مع الديمقراطية. 

إن البرلمان يحتاج كغيره من المؤسسات السياسية إلى تقاليد صارمة وراسخة تعزز من عمله ووظائفه وترتقي بمستواه المؤسسي بقطع النظر عن تقييمنا للأداء وهو موضوع لسنا بصدد تناوله او تحليله في هذه الورقة، لذلك من غير المقبول أن مؤسسة بلغت من عمرها الزمني قرن لا تزال تشهد تبعثر في التقاليد في ظل الاجتهادات الكثيرة سياسيا ودستوريا.

 

إن حالة مجلس النواب الثامن عشر الحالي والذي تنتهي مدته في نهاية هذا الشهر، تعيدنا الى مراجعة الحالات السابقة بعيدا عن تناولها من الاطار الدستوري الذي تم اشباعه تحليلا وعرضا، والتي تشير في أحد جوانبها إلى إمكانية اجراء الانتخابات في ظل وجود المجلس النيابي – أربعة اشهر قبل نهاية المجلس القائم -. ولكن التطور التاريخي للبرلمان يُعلمنا حالتين:

الأولى/ حل المجلس قبل نهاية مدته الدستورية بهدف إجراء انتخابات نيابية. وهو تقليد قائم على حل البرلمان لإجراء انتخابات نيابية وكان يتم ذلك على الاغلب قبل أربعة اشهر من تاريخ نهاية العمر الدستوري للمجلس. الثاني / حل المجلس الذي يُنهي مدته الدستورية ويستمر الى ما قبل الانتخابات النيابية الجديدة، وهذه الحالة نجدها مع مجلس النواب الرابع عشر، فقد بدأ عمره الدستوري بتاريخ 18/6/2003 وقد انهى مدته الدستورية، واستمر تقريبا شهرين بعد انتهاء مدته الدستورية، حتى أن تم حله بتاريخ 20/8/2007؛ أي أن المجلس استمر بعد انتهاء مدته الدستورية قرابة شهرين، ومن المنطوق الدستوري إذا كان مجلس النواب يتم حله اثناء مدته الدستورية فمن باب أولى أن يتم حلّه بعد نهاية مدته. وكأن الفكرة هي ان يتم الحل قبل انتخاب المجلس الجديد، وبالفعل جرى الحل وتم انتخاب المجلس الخامس عشر بتاريخ 21/11/2007، وهذا من الممكن أن يستمر في إرساء تقليد في التعامل مع حالات انتهاء عمر مجلس النواب واستمراره. وبالتالي ليس من المقبول أن يستمر المجلس الثامن عشر والحكومة، وأن مجلس يسلم مجلس، لأنها حالة لم تتحقق في تاريخ البرلمان الأردني منذ العام 1929 وحتى اليوم، ولكن المتعارف عليه هو الحل سواء لإجراء انتخابات جديدة، او بعد ان تنتهي مدته الدستورية ويستمر لفترة زمنية حتى قبل إجراء الانتخابات الجديدة بفترة وجيزة. أما في حال الاستقرار على فكرة أن مجلس النواب يسلم المجلس الجديد إعمالا لمنطوق الفقرة الثانية من المادة 68 من الدستور، فإنها وان كانت مسوغة دستوريا، إلا أنها لم تتحقق تطبيقيا حتى اللحظة، وهنا استذكر نقلا عن أ.د. محمد الحموري في دراسته في مجلة نقابة المحامين في العدد 12 لسنة 45/1997 خطاب جلالة الملك حسين رحمه الله في مدينة الطفيلة بتاريخ 18/8/1997 والذي قال " وبناء عليه فإن الانتخابات ستجري في موعدها المقرر، وسيسبق إجراء الانتخابات حل مجلس النواب، لأنه من يقول بأن مجلس يسلم مجلس آخر، هذا الكلام غير صحيح". 

إن إعمال ما تقدم، يشير إلى إمكانية استمرار الحكومة ومجلس النواب حتى بعد 27/9/2020 ، ولكن مع وجوب حل مجلس النواب واستقالة الحكومة قبل إجراء الانتخابات النيابية للمجلس التاسع عشر المزمع إجراؤها بتاريخ 10/11/2020. وذلك تكريسا للتقاليد التي بدأت تستقر في حالة الإبقاء على المجلس التي تنتهي مدته الدستورية، وهذه قضية مهمة ومحورية لتكريس واستقرار التقاليد، وحتى لا يكون التعامل مع المجلس الرابع عشر اختلف عن المجلس الثامن عشر، ويوجد حالة من الاضطراب في التعامل مع حالات المجلس الذي يستمر بعد انتهاء مدته الدستورية.

أما الجدل في أن " مجلس يسلم مجلس " فهي حالة لم تتحقق حتى اليوم، وفي حال تحققها سنكون امام عدة إجراءات في التعامل مع مجلس النواب، وبما يعرّض التقاليد الى التصدّع، رغم وجود ما يسوّغ دستوريا لهذه الحالة ويتيح المجال أن نستخدم النص الدستوري وفق الاهواء السياسية، حيث نطالب بتفعيل الفقرة 2 من المادة 68 من الدستور إذا أردنا ان تستمر الحكومة، أو نطالب بتفعيل الأعراف والتقاليد إذا رغبنا برحيل الحكومة ومجلس النواب. الموضوع بالمحصلة هو إرادة حقيقية في احترام التقاليد التي تُكسب الحياة السياسية درجة من الثقة الغائبة. وحتى لا نصل إلى مرحلة نتعامل فيها الموضوع في كل مرة بطريقة مختلفة وننتظر الفتاوى الدستورية والقانونية وحتى السياسية. المسألة بسيط وسهلة وتقوم على مبدأ إعمال التقاليد وترسيخها من أجل إنشاء بيئة ملاءمة ومستقرة للعمل البرلماني والسياسي.

 

*مدير مركز عمان والخليج للدراسات الاستراتيجية 

 

أضف تعليقك