إلغاء اعتماد قطر والكويت للجامعات الاردنية بين السياسي والأكاديمي
مايشبه الصدمة المترافقة بالمهانة هذا ما تركة قرار دولتي الكويت وقطر بحصر اعتماد الجامعات الاردنية على عدد محدود لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة ، مرد ذلك الى ان تلك الخطوة مست صميم الدولة الاردنية التي اعتادت التفاخر بأن الانسان هو جُلّ ثروتها والرصيد الفعلي الذي سيمكنها من اجتياز المستقبل ، وبالطبع ستحمل الجامعات علامة رئيسية ومتميزة في تكون تلك الثروة ، والمسَّ بها سيزعزع الأسس المكونة لذلك الانسان مما سيخلق حالة من الشك وعدم الثقة .
لكن الملفت ليس فقط في القرار بل بالطريقة التي تعاملت بها النخب السياسية والاجتماعية معه ، فقد حملت في طياتها الكثير من السيولة وما يشبه اللا موقف ، فالبعض بادر بالهجوم على الجامعات وطرق التدريس ونوعية المدرسين والمنتج الذي تخرجه تلك الجامعات ، لدرجة ان البعض اثنى على القرار واعتبره نتيجة فعلية وحصيلة لسنوات سبقته من الانحدار في مستوى التعليم بشكل عام والجامعي بشكل خاص ، حتى انه يُخَيل لي ان البعض مارس نوعاً من التشفي المبطن بالنصح .
اما حكومياً بالارتباك وغياب الوضوح كان الصفة المميزة لردود فعل بعض وزرائها ، بدو وكأنهم يحاولون التخفيف من وطأة تلك القرارات والتقليل من أهميتها إيجاد المبررات لمتخذيها مُدّعين أنها إجرائية تتعلق بتنظيم التعليم في تلك الدول ومحاولة ضبط الأسس التي تتبعها ابتعاث طلبتها للدرجة التي جعلتني اعتقد في لحظة ان تلك التصريحات التي أطلقها مسؤولينا هي تصريحات وزراء في دولتي الكويت وقطر وليس الاْردن ، بحيث لو تصدى وزراء هاتين الدولتين لشرح أسباب تلك الخطوة لما نجحوا كنجاح وزرائنا فلدينا خبرة متجذرة في التبرير عمرها عقود .
لكن ما الذي جعل الكويت تذهب بهذا الاتجاه ؟ وهل يتخذ القرار الصبغة الأكاديمية البحتة ؟ وإن كان كذلك فما الأسس التي من خلالها صنفت ان هذه الجامعة تصلح وتلك لا ؟ وهل للقرار خلفيات في الداخل الكويتي ذات طبيعة ضاغطة تحبذ التعامل مع جامعات دون غيرها لمصالح معينة ؟ وهل طبقت المعايير ان وجدت على جميع الدول ؟ وهل يدرك الكويتيون والقطريون حجم الضرر الذي سيتركه هذا القرار على سمعة ومستقبل تلك الجامعات ؟
فالسؤال الأول ينفيه واقع حال الجامعات المستثناة فمنها ما هو مصنف عالمياً في مستويات اعلى بكثير من جامعات لدول اخرى معتمدة هذا من جهة ، ومن جهة ثانية فاتخاذ القرار الصفة الكلية بحيث استثنى جامعات تميزت على الصعيد العربي والعالمي ببعض التخصصات ، كالهندسة والصيدلة والطب ، طبعاً هذا ما اثبته تفوق خريجي تلك الجامعات في الامتحانات الدولية والعالمية ، طبعاً سيحتج البعض بأن الجامعات الاردنية قليل منها مصنف عالمياً ، وهذا يمكن الرد عليه بأن تلك الجامعات تفتقر الى المقومات المالية التي تتيح لها الدخول بجدية للحصول على الاعتمادات الدولية عدا عن كون قوانين العمل لا تسمح بتوظيف كفاءات من خارج البلد ، وهذا الأمر حدً كثيراً من منافساتها للحصول على تلك الاعتمادات مع العلم ان مهمة تصنيف الجامعات تخضع لاعتبارات دولية أكاديمية بحتة لها علاقة بأمور عديدة لا تشمل ابداً حاجة الدول لهذا التخصص او ذاك ولا بالاعتبارات السياسية .
اما هل يتعلق الأمر باعتبارات داخلية حقيقةً لا امتلك من الدلائل ما يمكنني من الحديث عن هكذا امر ، لكن في المجمل دوماً تتواجد فئات من الناس لها مصالح مع هذه الجهة او تلك وبقدر قوة تلك الفئة تستطيع ان تمارس الضغط لمصالحها ، طبعاً أترك هذه النقطة للقادرين على الإجابة عليها ولكنها تبقى من الأهمية بحيث لا يجب استبعادها ، ايضاً لا أستطيع ان أنفي فيما اذا كانت هذه المعايير ان وجدت طبقت على مختلف الجامعات في الدول الاخرى فهذا يحتاج لدراسة معمقة أكثر .
اعود للأثر الذي يمكن ان يتركه القرار على الجامعات الاردنية ، فبدون شك اثاره لن تقتصر على الخسارة المادية ، بل ستتعداها الى السمعة والمكانة التي سعت تلك الجامعات لسنوات عديدة لإكتسابها في محاولة لتجذير وجودها في الحياة الأكاديمية الاردنية والعربية ، وهذه الصفعة ستحدّ ولفترة ليست بالقصيرة من طموحها في التسابق لمكانة مميزة ، هذا من الناحية المعنوية ، اما تجارياً فبدون شك فواحدة من اهم أهداف تلك الجامعات ان تكون مقصداً للطلاب من الدول العربية والخليج احد اهم الروافد ، فإصابة هذا المنبع بالعطب والتوقف سيضع مستقبل تلك الجامعات على الصعيد الاستثماري في مهب الريح وربما تتبعثر هي ومنجزاتها كأوراق الخريف ، الامر الذي سليقي الى أرائِك العاطلين عن العمل عشرات الآلاف ذكوراً وإناث ، طبعاً يتبادر الى الذهن سؤال مهم وهو هل تمتلك تلك الجامعات الحق في مقاضات اي دولة تحط من قدرها الأكاديمي وسمعتها العلمية وما هي الجهة المخولة للبت في مثل هكذا قضايا ، ام ان القرار هو أمراً سيادياً لكل دولة حتى وإن مسَّ بأثره الآخرين وأدى الى تكبدهم خسائر ليست في الحسبان ؟ اترك هذا السؤال للمختصين من القانونيين .
لكن ماذا لو طُبق استثناء تلك الجامعات على خريجيها واعتبروا غير مستوفين لشروط ممارسة أعمالهم كون جامعتهم غير معترف بها ؟ فلنتخيل ايضاً ان الامر أُخذ وطبق بأثر رجعي ، فكم من عشرات الآلاف من خريجي تلك الجامعات سيحرمون من فرص عملهم ؟ ويعودوا الى دكة العاطلين عن العمل ، ألا يهئ كل ذلك لغضب اجتماعي مركب ؟ ألن يولد هذا الحال أثراً سياسياً ، حينها من سيتولى مهمة اعادة الامور الى نصابها ، ربما يرى البعض ان الصورة التي رُسمت في السابق من الكلمات مبالغ فيها ومأساوية لكن التمعن فيها جيداً يحتم على جامعاتنا كي تتجنب الهزات الإقليمية غير المتوقعة ان تتوجه فوراً لحجز مقاعدها في قائمة الاعتمادات الأكاديمية الدولية مهما كانت التكلفة المالية فهذا هو الحل الوحيد لمستقبل غير خاضع إلا لما هو علمي وأكاديمي ، فهذا هو التحدي ومسيرة الاْردن وشعبه يثبت انه قادر وسينجح ، ويبقى ان نقول ان الحكومة سجلت فشلاً جديداً والنخب الاردنية حابت مصالحها وتناست مصلحة الأردن والواقع المعاش أثبت ذلك في هذه الأزمة.