إعلانات في كل مكان.. أنت محاصر لا مفر!

الرابط المختصر

أينما وليت وجهك في الشارع تجد إعلانا لمنتج ما.. تقلب محطات المذياع في السيارة فتصدح بالإعلانات.. تلاحقك في عملك في كل جريدة تتصفحها وكل موقع على الانترنت.. تداهمك عبر جهازك الخلوي. وأخيرا ترافقك مع أسرتك في البيت عبر قنوات التلفاز الزاخرة بالإعلانات.. فأنت محاصر لا مفر. "نحن مرغمين على مشاهدة الإعلانات وتسبب لنا إزعاجا، لأنني لو لم أتأثر بها شخصيا ستؤثر على من حولي وبالتالي يصبح مطلوبا مني شراءها"، تقول سعاد التي تؤكد أن النمط الاستهلاكي يحتاج إلى نمط دعائي يدفع الناس لمزيد من الشراء.



ويعبر حسن عن استيائه من الإعلانات، ويقول: "تؤثر علي سلبا فابني مثلا يقول لي أريد هذا وذاك. لذلك تسبب لي الإزعاج".



وبالنسبة لهبة فالإعلانات لا تؤثر عليها كثيرا لأنها مقتنعة بأن "ليس كل ما يعلن عنه صحيح أو جيد".



أما محمد فلا تسبب له الإعلانات أي إزعاج. "يجب أن نرى أشياء جديدة، التجربة مهمة. هذا النمط الفكري لدى الجميع وليس لدينا فقط. فأنت تستخدم أسلوب عرض معين لترويج فكرة، ليس بالضرورة أن استخدام المرأة فيه إساءة لها. لكن الإعلان أعمى فالمهم أن يروج البضاعة بأي طريقة".



ويرى عماد أن الإعلانات ضرورية اقتصاديا وتجاريا، وأنها فن أيضا. "يقدم المنتج ويعلن عنه بشكل مناسب وتكون السلعة مفيدة ويحتاجها المواطن. عندما يترافق الإعلان مع حاجتي لهذه السلعة فهو يؤثر، وعندما لا يترافق مع حاجتي فبالتأكيد فإن تأثيره أضعف".



ويضيف: "من حق المنتج أن يعلن ومن حقي كمواطن أن أستقبل الإعلان، فيجب أن أحترم حقه وفي نفس الوقت يبقى على المؤسسات الإعلانية أن تراعي أن لا يخدش الإعلان الذوق العام وأن لا يكون مزعجا".



د. عبد المجيد خمش، المتخصص في علم الاجتماع، يقول أن الإعلان أصبح جزء أساسيا من الحياة اليومية للمواطنين وخصوصا في مجتمع المدينة. "فالإعلان يهدف إلى توجيه سلوك الناس باتجاه معين أي في اتجاه استهلاكي وغالبا ينجح في تحقيق هدفه".

ويوضح أن الإعلانات تفرض نفسها على الشخص من اجل تقديم المعلومات والإيحاءات، وتربط هذه المعلومات بصور محبذة لدى المشاهد أو المستهلك.



"لو قمنا بتجربة لسلعة معينة من اجل تسويقها، وقارنا قبل الحملة الإعلانية وبعد الحملة الإعلانية، نجد أن تسويق السعلة غالبا يزداد، وهذا يعتمد على مدى نجاح الحملة الإعلانية في التسويق للسلعة".



ويرى خمش أن الإعلانات كمهنة لها ايجابيات اقتصادية. "فهي توجد فرص عمل لعدد كبير من الشباب الخريجين والمتخصيين في مجال الإعلام والإعلان، بالإضافة إلى كونها استثمارا وهناك شركات استثمارية في مجال الإعلان تحقق دخلا وتزيد في رأسمال المستثمر".



أما من ناحية تأثيرها على الجمهور فيقول أنها تقدم معلومات للناس عن سلع متعددة لم يكن لهم علم بها من قبل. "وفي نفس الوقت فإنها تقدم إيحاءات للناس وتوجه سلوكهم الاستهلاكي في اتجاه معين وتزيد من القدرة الشرائية في المجتمع، وبالتالي رغبنا أو لم نرغب سنتأثر بالإعلان من خلال الفضائيات والجرائد واللوحات الإعلانية".



وبين خمش ان الاستهلاك يتفاوت بين طبقة وأخرى اعتمادا على قدراتها الشرائية، مشيرا إلى أنه المواطن العربي يميل إلى الاستهلاك أكثر من قدراته مما يستدعى في بعض الأحيان إلى ان يستدين، وبخاصة فيما يتعلق بالسلع المعمرة كالسيارة والتلفزيون وغيرها.



ولا يعفي خمش المستهلك من دوره في القرار فقرار الشراء ليس من صنع الإعلان فقط. "الإعلان ممكن ان يوحي بالقرار ولكن القرار الأخير يكون بيد المستهلك، فالمستهلك واع وعقلاني ويوازن بين قدراته ورغباته المالية، والإغراء الموجود في الإعلان تدفعه إلى قرار ان يشتري الآن أو ان يؤجل الشراء أو لا يشتري من الأصل".



ويلفت أيضا إلى أن المواطن العربي لا يزال إلى حد كبير يلجأ في قراراته إلى الشبكات التقليدية وبالتالي تأثره بالإعلان يكون جزئيا، "أي أنه يستشير الأقارب والأصدقاء ويتأثر برأيهم بنفس الدرجة التي يتأثر بها من الإعلان".



في النهاية يرى خمش أن الاقتصاد الأردني ينمو ويزدهر باستمرار والقدرات الاستهلاكية تزيد، مبينا انه كلما زاد دخل الفرد في المجتمع يزيد استهلاكه. "هذا الأمر يعتبر شيئا ايجابيا لأنه يكمل الدورة الاقتصادية، فالاستهلاك ينشط الإنتاج. في حين تبقى الطبقات الشعبية بحاجة لدعم الحكومي أي يعني ان اغلب السلع التي تستهلكها الطبقات الشعبية وخصوصا السلع الغذائية نجدها إنها مدعومة من الحكومة وليست بحاجة إلى إعلان لأنها سلع أساسية".



لكن السياسات الاقتصادية للحكومات في الأردن تتجه مؤخرا إلى رفع الدعم حتى عن السلع الأساسية لسد عجز موازناتها. في حين تتسارع مؤشرات غلاء المعيشة بما لا يتناسب مع مستوى الدخل في الأردن، فارتفاع الأجور لم يشمل الفئات الفقيرة، أو كما يحلو للحكومات تسميتها "ذوي الدخل المحدود".

فكيف سيكون تأثير ثقافة الاستهلاك التي تغذيها الإعلانات على من لا يستطيع الشراء؟



د. حسين الخزاعي، أخصائي في علم الاجتماع، يرى أن الإعلانات تخدم المنتجين في الدرجة الأولى وليس كل طبقات المجتمع. "لدينا طبقات في المجتمع تشاهد ولكن لا تشارك، وهم الطبقة المهمشة واعني بها الطبقات الوسطى التي لم تعد موجودة بل التحمت مع الطبقة الفقيرة وأصبحت تشاهد ولكن مشاركتها بسيطة".



ويبين أن خدمة الإعلان يدفع ثمنها دائما المستهلك وليس المنتج لان تكاليف إنتاج المواد الإعلانية مكلفة وباهظة الثمن، وبخاصة الإعلانات المرئية والمسموعة لما بها من عناصر جذب وتشويق وحركة، وتضاف كلفتها إلى أسعار البضائع ويدفع ثمنها المستهلك، لذلك نجد ان بعض السلع أسعار مرتفع بعض الشيء.



"الإعلان هو زائر يأتي في غير موعده وغير مبرمج ومفروض علينا فهو يؤثر على نمط الاستهلاك ويؤثر على عملية الإقبال على البضائع".



ويضيف: "من الصحيح أن الإعلان يعمل على جذب المستهلك لبضاعة معينة، لكنه أيضا يعمل على تعويد المستهلك عليها، والمستهلك هو الذي يدفع الثمن".



ويلفت الخزاعي إلى أن الشركات الكبيرة والغنية هي التي تستطيع تحمل العب الكبير لهذه الإعلانات، فهذه الشركات تضع موازنة خاصة للإعلانات ولترويج منتجاتها. فالشركات صاحبة العلامات التجارية المشهورة أو "الماركات" بذلت جهدا كبيرا وعودت الناس على استخدام بضائعها.



وأصبح جليا في مجتمعاتنا مدى تأثير "الماركات" على ثقافة الشباب، والتي أصبحت وسيلة تعبير وهوية يميز بها الشابة أو الشاب نفسه عن أقرانه، وتعتبر مؤشرا لنمط الحياة (life style) الذي يختاره لنفسه ويتباهى به.

ويرى الخزاعي أنه شئنا أم أبينا تدخل تكنولوجيا وسائل الإعلام إلى بيوتنا، وان التعرض الانتقائي الذي كان في السابق لم يعد موجودا اليوم. "في السابق كنت أسيطر على القناة التي أريدها أما اليوم لا نستطيع السيطرة على التعرض الانتقائي نهائيا لانتشار المحطات الفضائية التي فاقت 700 قناة وفرضت وجودها في جميع البيوت والان لا يوجد بيت يخلو من أجهزة الستالايت أو أي وسيلة إعلام".



ويتابع: "نحن الآن نعيش في عصر لا نستطيع التحكم في التكنولوجيا العالمية وخاصا ان الإعلان أصبح نوع من أنواع التكنولوجيا. الأردن يشهد هذه الثورة ومقبل عليها ولا يوجد أي انغلاق أو حواجز اتجاه هذه الوسائل الإعلانية التي تتبع من قبل المعلنين".



ويؤكد الخزاعي انه لا بد من ترشيد الإعلان واحترام أذواق المشاهدين، مشيرا إلى ان فرض الإعلان في كل وقت وإشراك كل العائلة في مشاهدة الدعاية يعتبر أسلوب خاطئ لأنه يدفع الأهل إلى شراء بضائع قد لا يكونوا في حاجة لها.

ويقول: "لم يعد لدينا كماليات كل شيء أصبح من الأساسيات".



تزداد الإعلانات كل يوم، ويتطور "فن" الإعلان والتكنولوجيا المساعدة له، وتنمو حاجة الناس للشراء والاستهلاك، وتتحول الكماليات إلى أساسيات، لكن "ذوي الدخل المحدود" يبقون على حالهم.


أضف تعليقك