إعادة النظر بسياسة أمانة عمان الثقافية

الرابط المختصر

تتراوح إصدارات أمانة عمان الكبرى من الكتب بين أدبية وبحوث علمية اجتماعية وتاريخية وفكرية، وهي على غالبيتها لا تشكل إلا جزءا يسيرا من نتاج الأدباء الأردنيين.

على أن من مهام أمانة عمان بوصفها بلدية، هو إحداث تنمية المجتمع ثقافيا، وتعميم كل ما يساهم في تنميته ورفده بنتاج الكتُاب، إلا أن الخطة المنوي إعلانها خلال الأسابيع القادمة ستعتمد تقييما جديدا في سياسة نشر الكتب، ينطوي عليها "التوقف عن إصدار ما ليس مناسبا لتنمية المجتمع".

وستتخذ الأمانة العديد من الخطوات الهادفة إلى التغيير، تراعى فيها نوعية كتب يطغى عليها طابع التنمية، وفق المدير التنفيذي للثقافة في أمانة عمان، سامر خير أحمد.
 
ويرى خير أحمد أن نسبة 75% من إصدارات الأمانة تتناول موضوعات متعلقة بالشعر والرواية والقصص القصيرة، ونصف تلك النسبة تطغى عليها إصدارات الشعر.
 
"الملف الثقافي في أمانة عمان كان مستنسخا عن وزارة الثقافة" وفق خير أحمد، أما حاليا "فهناك سياسة جديدة تنفذها الأمانة تعتمد على التقاسم الوظيفي بين الأمانة ووزارة الثقافة بحيث لا تقليد أو تنافس معها، إنما دور تكميلي".
 
الروائي هاشم الغرايبة ولدى اطلاعه على ما تيسر من السياسة الجديدة للأمانة، يقول: "هذا تحجيم لمهام الأمانة وتراجع عن دور أساس قادته لسنوات بشكل محترم".
 
ويتساءل الغرايبة: ما هو الخط الفاصل بين التنمية الاجتماعية والتنمية الثقافية؟ وهل يوجد منطقة رمادية بين دور الثقافة في التنمية الاجتماعية ودور المؤسسات الراعية للثقافة؟
 
ويتابع أن التنمية الثقافية جزء لا يتجزأ من دور التنمية الاجتماعية والاقتصادية لكن لا يمكن جعلها مرهونة بشروط تنمية أخرى.
 
لكن الناشر والروائي إلياس فركوح، يرى من جانبه أن خطوة الأمانة "طموحة" ويقول: لا إنكار لما ساهمت به الأمانة في دعم الكاتب والكتاب الأردني.
 
ويشير فركوح إلى أن المخطوطات التي تقدم للأمانة تتم دراستها من قبل لجان خارج الأمانة وتتكون من كتاب ونقاد بحيث تقدم قراراتهم بمنأى عن الأمانة، بالتالي فالأخيرة منفذة لا مقررة.
 
ويلفت فركوح إلى أن تشكيل اللجان يتم سنويا بناء على آلية يمكن التحفظ عليها، ويقول: "لننظر إلى الهيكلية الجديدة وكيف يمكن لها أن تتعامل مع الشأن الثقافي وما هي النتائج بعد سنة أو سنتين".
 
وينتقد مدير الدراسات والنشر في وزارة الثقافة، هزاع البراري، السياسة الثقافية للأمانة، ويعتبر أن نظرتها "ضيقة جدا" على جودة الكتاب وعلاقته بتنمية المجتمع، وهذه بداية للحد من الدعم.
 
ويدعو البراري الأمانة إلى دعم المنتج الثقافي بعد تقييمه فنيا وليس تنمويا على اعتبار أن المنتج الثقافي لا يكون بالعادة علاجا لقضية معينة إنما كشف لمشكلة أو قضية وعلى المجتمع أن يضع حلا مناسبا، ومن هذه الزاوية تكون هناك رؤية فنية لا اجتماعية.
 
البلديات: تطوع أم إلزام؟
مهمة وزارة الثقافة الأساسية دعم المثقفين، أما الأمانة فعليها دعم تنمية المجتمع ثقافياً ورعايته، ومن هذا المنظور تنطلق الإدارة التنفيذية للثقافة داخل الأمانة في تطبيق إستراتجيتها الجديدة، ويقول سامر خير أحمد: "الأمانة مسؤولة عن مجتمع المدنية لا مجتمع المثقفين، الذين هم شركاء مع الأمانة في تنمية المجتمع، ومن هذا المنظور نتطلع إلى نوعية الكتب التي سنصدرها".
 
وهذه فلسفة جديدة على الأمانة، على ما يقوله فركوح، ويضيف: "نعم الوزارة لها دورها لكن الأمانة هي من تقدم الخدمات للمجتمع العماني ومن هذا المنطلق فهي تدعم تنمية المجتمع، بمعنى، الأولوية للمجتمع وليس للفرد".
 
البراري يطالب الأمانة بأن تكون شريكا حقيقيا مع وزارة الثقافة في دعم المنتج الثقافي، معتقدا أن هذه السياسة قد تضر بالكاتب من حيث أنه سيكتب في موضوعات تتماشى وسياسة الأمانة، ما قد يؤثر سلبا على النواحي الفنية في العمل الإبداعي، ويقول: "الصيغة الإبداعية هي أساس أي عمل كان، لا الخدمة التي سيقدمها للمجتمع".
 
لكن الأمانة وبسياستها تلك ستدعم الكتاب بشكل غير مباشر، وفق ما يراه المدير التنفيذي للثقافة، من خلال ما يقدمه من نتاج ذو جودة، ويساهم في تنمية المجتمع ثقافيا، ويقول في هذا السياق "إذا قدم لنا كاتب عملا يدعم المجتمع ويرتقي به ثقافيا، يكون عندها شريكا مع الأمانة أما إذ لم يقدم عملا على سوية عالية فلا دعم له".
 
ويتوقع خير أحمد أن السياسة الجديدة الرامية إلى تعميم المواد النوعية ربما تقلل ما يتم نشره، وإذا تلقت الإدارة عددا كبيرا من المنشورات ذات قيمة أدبية تنموية فسيكون هناك نشر لها جميعا.
 
ولا يقبل الغرايبة أن ينحصر دور البلديات وأمانة عمان بعنوان ضيق، يقول: "البلديات في كل دول العالم هي شبه حكومية لكن طابعها العام شعبية بينما وزارة الثقافة هي المرجعية في التنمية الثقافية، بينما التنفيذ هو من مهام المؤسسات المختلفة من بلديات ومؤسسات ثقافية".  
 
ويضيف أن الوزارات لرسم السياسات والمرجعية، ولا تنتج الثقافة إنما تتيح المناخ العام والمؤسسات المختلفة تسهم في هذا المناخ.
 
الأمانة تقوم بسياسة ضبط النفقات، وهذا معروف لنا جميعا، يقول البراري، لكن المأمول أن لا يكون على حساب الثقافة. داعيا أن لا يكون هناك ردة في الدعم الثقافي.
 
تصدر الأمانة سنويا من 100-150 كتابا في مختلف الحقول، ضمن خطة لدعم المؤلف الأردني، وبطباعة العديد من الكتب على نفقتها الخاصة، فضلا عن اقتناء الكتب لمؤلفين أردنيين في مكتباتها المنتشرة في مختلف مناطق عمان، ورغم هذا لا تزال الأوساط الثقافية تأخذ على الأمانة دورا كان لا بد أن يكون أفضل مما هو حالياً.