إسرائيل والأردن.. توتر متصاعد آخره توقيف 'العدوان'
حادثة توقيف عضو مجلس النواب الأردني عماد العدوان من قبل السلطات الإسرائيلية بتهمة "تهريب أسلحة وذهب"، أثارت جملة من التساؤلات حول علاقة الخطوة بتصفية حساب مع النائب على خلفية دعمه للمقاومة الفلسطينية أو معاقبة المملكة على مواقفها تجاه اقتحامات المسجد الأقصى.
فالأحد الماضي، زعمت وسائل إعلام عبرية أنه جرى توقيف "العدوان" أثناء محاولته تهريب أسلحة وكميات من الذهب عبر جسر الملك حسين (اللنبي بالتسمية الإسرائيلية) الحدودي بين الجانبين، بينما لم تعلن عمان عن ملابسات وجود النائب بالمنطقة بعد.
هيئة البث الإسرائيلية (رسمية)، قالت إنّ وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي رفض تلقي مكالمة هاتفية من نظيره الإسرائيلي إيلي كوهين عقب عملية التوقيف.
ويرى مراقبون أن الأحداث الأمنية والسياسية بين الأردن وإسرائيل في الآونة الأخيرة تشير إلى توتر متصاعد بينهما، إذ يحاول كل طرف الضغط على الآخر بالخيارات المتاحة.
وتوترت العلاقات بصورة ملحوظة منذ أواخر 2022 مع تولي حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية، الأكثر تطرفا بتاريخ إسرائيل وفق إعلام عبري، علما أن الطرفين يرتبطان باتفاقية سلام موقعة بينهما عام 1994.
وبصورة مكثفة عما هو معتاد، انخرط الأردن في حراك دبلوماسي واسع خلال شهر رمضان؛ لإدانة ووضع حدّ لاقتحامات الشرطة الإسرائيلية للمسجد الأقصى واعتدائها على المعتكفين فيه.
هذه التحركات الأردنية بالتنسيق مع الأطراف الرئيسية بالمنطقة، فضلا عن الضغوط الأمريكية، أدت إلى اتساع رقعة الإدانات لحكومة نتنياهو، وأجبرها على اتخاذ قرار منع الاقتحامات في العشرة أيام الأخيرة من شهر رمضان.
كما أن دائرة أوقاف القدس التابعة لوزارة الأوقاف والمقدسات والشؤون الإسلامية في الأردن، هي المشرف الرسمي على المسجد الأقصى وأوقاف القدس (الشرقية)، بموجب القانون الدولي، الذي يعتبر الأردن آخر سلطة محلية مشرفة على تلك المقدسات قبل احتلالها من جانب إسرائيل.
حوادث مشابهة
وفور تداول خبر توقيف العدوان، أكدت وزارة الخارجية الأردنية في بيان، أنها تتابع الحادثة "المزعومة"، وهذا يعني ضمنا أن عمان لا تثق براوية تل أبيب، وبالتالي فهي لا تستبعد بذلك بأن يكون الموضوع "كيديا".
من جانبه، أكد وزير الخارجية الإسرائيلي صباح الإثنين، "تمسك" تل أبيب بتقديم النائب الأردني "إلى العدالة"، وفق حديثه لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية.
وهذا الأمر يُصعّب من مهمة عمّان، ويدفعها إلى استخدام كافة الأوراق المتاحة والتي قد يكون أحدها "الوساطة" مع طرف ثالث.
وتعيد حادثة "العدوان" إلى الأذهان ما تعرض له المواطنان هبة اللبدي ومحمد مرعي عام 2019، عندما أوقفتهما إسرائيل إداريا، قبل أن تقرر الإفراج عنهما بعد أن استدعت عمان، حينها، سفيرها لدى تل أبيب "للتشاور"، وهو ما يعني بأن ذات السيناريو خيار وارد التطبيق في قضية النائب الموقوف.
كما أنه في يناير/ كانون الثاني 2020، أصدرت محكمة أمن الدولة الأردنية حكما بحبس الإسرائيلي كونستاتين كوتوف أربعة أشهر، بتهمتي حيازة مادة مخدرة بقصد التعاطي والتسلل إلى المملكة بطريقة غير مشروعة، وذلك بعد توقيفه في أكتوبر/ تشرين الأول 2019.
وتلك الحادثة كانت سابقة في تاريخ الأردن، حتى لو كان الحكم بحدوده الدنيا، لكن "عدالة" كوهين التي تحدّث عنها، لا تنفِ أن بلاده تريد الردّ والضغط على عمان بنفس الأسلوب، حتى لو لم تثبت التهمة على "العدوان".
انزعاج متبادل
أما عن الجانب السياسي، فالظاهر أن تل أبيب منزعجة من مواقف عمّان الرسمية تجاه الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة للمسجد الأقصى وتعديها على أدوار المملكة، لا سيما في عهد الحكومة اليمينية الراهنة.
وكان مجلس النواب الأردني طرفا في الرد على إسرائيل، وتحديدا في مارس/ آذار الماضي، عندما صوت بالإجماع على توصية بطرد سفير تل أبيب من المملكة، إيتان سوركيس، احتجاجا على سلوك وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، الذي ألقى خطابا في فرنسا من منصة عليها خريطة لإسرائيل تضم أراضي فلسطين والمملكة.
و"العدوان" من صغار أعضاء مجلس النواب الأردني عمرا فهو من مواليد عام 1988، ويحمل درجة الماجستير في القانون، وطالما دعا عبر خطاباته تحت قبة البرلمان إلى دعم المقاومة الفلسطينية.
ولكنه من خلفية عشائرية ذات جذور ممتدة، لذا فإنه من الواضح أن المملكة ستأخذ ذلك بعين الاعتبار، وستعمل بكل الوسائل لسرعة الإفراج عنه وإعادته إلى البلاد.
وهو ما أوضحه عضو مجلس النواب الأردني، صالح العرموطي، بالقول للأناضول، إنه "لا يجوز الاقتناع برواية الكيان الصهيوني؛ لأننا اعتدنا على الفبركة".
وتابع العرموطي وهو نقيب محامين أسبق: "لم نسمع الرواية من المحامي الأستاذ عماد العدوان، فيما كثير من الناس تردد الرواية التي أوردها الكيان الصهيوني".
وأشار: "عماد يحمل جواز سفر دبلوماسي لدولة ذات سيادة، ويقول كلمته تحت قبة البرلمان ويعبر دائماً عن دعمه للمقاومة الفلسطينية، وهو اليوم يدفع ثمن مواقفه".
وبين قائلا: "يجب أن أذكر بالقانون الدولي، فصفة الكيان المحتل (إسرائيل)، لذا فلا يجوز تطبيق قانونهم على الزميل العدوان، وتوقيفه يعتبر قرصنة".
ودعا العرموطي بلاده إلى التحرك لدى الدول "الوسطاء" لسرعة الإفراج عن العدوان، دون أن يحدد أطرافاً بعينها لذلك.
كما طالب في ختام حديثه بعدم ترديد رواية إسرائيل عن النائب الموقوف، معتبراً ذلك "يخدم الصهيونية"، وقال: "فلتصمت الأصوات التي تشرعن بذلك الاحتلال".
معاقبة المملكة
من جانبه، أكد أستاذ العلوم السياسية الأردني أحمد سعيد نوفل، للأناضول، أن "الممارسات الإسرائيلية على الرغم من اتفاقية السلام مع المملكة، لم تغير نظرة الشعب الأردني من عدائية تل أبيب".
وأضاف أن "إسرائيل لديها أطماع مباشرة بالأردن، الذي يقف حاجزاً أمام إقامة دولتها المستقلة على حساب الشعب الفلسطيني، وهي تسعى بشتى الطرق للتأثير على موقف المملكة".
وأردف: "إسرائيل تنظر إلى الأردن كدولة عدوّ، وبلا شك أن قضية النائب العدوان قد تكون إجراءً من تل أبيب لمعاقبة المملكة على مواقفها".
ولفت نوفل إلى أن "مشاعر الشعوب العربية ومن بينها الأردني، تختلف عن المواقف الرسمية للدول، تجاه الممارسات الإسرائيلية، والنائب العدوان وتصريحاته السابقة بدعم المقاومة تمثل موقف الشعوب الحقيقية؛ لأنه نائب شعب ولا يمثل شخصه".