نظر إلى ذلك الصحفي الإسرائيلي الذي كان أول كتب كتابا عن المستوطنين وعن الحركة الأم "غوش امونيم" التي حولت الحلم الصهيوني المتدين إلى واقع، والبست الأرض في الضفة الغربية وقطاع غزة لابسا توراتيا تلموديا اصوليا انغرس في عقول الأجيال القادمة من المستوطنين ، نظرة لم أفهمها اعتقدت أنها إستخفاف او إستهبال، او مكر ، والسبب قولي له: إن هناك دولتين واحدة إسرائيل واخرى للمستوطنين في الضفة الغربية ، فرد قائلا: أنت لا تعرف المجتمع الإسرائيلي ، فهؤلاء المستوطنين في الضفة الغربية والقدس هم في النهاية إسرائيلين ! لا تنسى ذلك على الاطلاق ....
واضاف قائلا : إذا كنت يعتقد أن المستوطنين هم عبارة عن مجموعة متطرفة أيدولوجية خارجه عن المجتمع الإسرائيلي ؟ فأنت مخطئ!!
وإذا كنت تعتقد أن نتياهيو البرغماتي اليميني والذي ضخ وسيضخ الملايين من الدولارات في المستوطنات لإهداف سياسية ( واصولية) انه بعيد عن أفكار المستوطنين ؟ فأنت خاطئ !
ومن يعتقد من الفلسطينين والعرب أن الغالبية في الشارع الإسرائيلي اليميني ضد المستوطنين المتطرفين العنفين ؟ فهو خاطئ ايضا!
واستطرد ذلك الصحفي العجوز : إن المستوطنين لم يكونوا يوما من الأيام خارج الصف الوطني ولم يكونوا ذات يوم نبتة غريبة في البستان الإسرائيلي ، بل هم النبته الطبيعية الحقيقية ( قد تكون الوحيدة) في هذا البستان الملون ، فهم جزء لا يتجزأ من المؤسسة الرسمية والخاصة ، فهم في كل الوظائف الرسمية العليا، وهم مدراء المؤسسات التي تضع السياسيات الداخلية والخارجية للدولة ، فغالبية إن لم يكن جميع موظفين مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتياهيو هم من المستوطينين ، وكذلك في الجيش الذي أصبح أكثر من 40 % من ضباطه وكبار قادته من اصحاب القبعات الملونة اي المستوطينين ..!
فالمستوطنون هم إسرائيل ، وهم يمثلون الغالبية العظمى من الإسرائيلين سواء كانوا ببدلاتهم الرسمية غالية الثمن أو بملابسهم الفوضوية....
ما علينا !
المهم ، أن كلام هذا الصحفي الخبير الذي تقاعد من العمل في إحدى الصحف الكبرى إلا أنه لأ زال يتجول في أزقة القدس وبيت لحم ونابلس والخليل ، باحثا عن فكرة هنا او معلومة هناك لمقالة له تبقيه على تواصل مع الواقع مطبقا المثل القائل : إن الصحفي لا يتقاعد !! حاولت تطبيق هذا الكلام على نتائج الإنتخابات الإسرائيلية الأخيرة لتتضح عندنا جميعا الصورة، والتي ظهرت قاتمة بلون السود مبشرة بغد ليس افضل من اليوم إن لم يكن اسوء، فهذه الانتخابات أظهرت عمق الفكر اليميني المتطرف في الشارع الإسرائيلي ولدى النخب الإسرائيلية، فهذا الصحفي الهاوي الذي يقطن اكثر الأماكن علمانية وتحررا إختار مستوطنة ليطلق منها حملته الإنتخابية في اشارة واضحة الى مكانة المشروع الاستيطاني عنده ، ورفضه بعد يوم وأحد من يكون جزء من معسكر يساري مع العرب، خير دليل على ذلك ، كما أن هذه الإنتخابات أدخلت 14 عضو كينست من المستوطنات ، أي أن 300 الف مستوطن لديهم 14 ممثل لهم في البرلمان الإسرائيلي ( طبعا إضافة الى ستين عضو كينست يعتبرون قلبا وقالبا مع المستوطنين) بينما الوسط العربي برمته الذي يمثل 20 % من سكان إسرائيل ويصل تعداده الى قرابة المليون والنصف مليون نسمة لا يمثلهم سوى 10 نواب فقط ، وهناك 3 أعضاء كينست من مستوطني الخليل لوحدها ، وهذا يعنى ان 30 الف مستوطن لهم 3 اعضاء كينست أكثر من نصف المدن الاسرائيلية الرئيسية .
بينما إختفت عن المشهد السياسي البرلماني الاسرائيلي حركة الكيبوتسات ( القرى التعاونية) والتي كان حزب العمل معقلها الاساسي فهي التي أسسته مع تأسيس دولة اسرائيل ،ولكن الزعيمه الجديدة التي تحاول أن لا تغضب اليمين بصورة عامة، بعد ان اطلقت على حزب العمل مصطلح حزب الوسط ( وهو لم يكن كذلك ) استبعدت ممثلي الحركة الكيبوتسية ، مما يعنى أن إسرائيل تتحول من حركة القرى التعاون الصهيونية العلمانية إلى حركة المستوطنات الصهيونية المتدينة الاصولية، وبإلتالى فإن من قال في الماضي وفي الحاضر أنه رويدا رويدا يتحول الصراع العربي ( هناك من يحب من العرب والفلسطينين إختزال الصراع ليكون فلسطينيا اسرائيليا اي خلاف بين الجيران ،طمعا في مكاسب شخصية ، ولإراحة ضمير العرب من المسوؤلية الدينية والاخلاقية لهذا الوضع ) الإسرائيلي من صراع على الأرض إلى صراع فكري ، والآن وصل إلى صراع ديني فقد يكون قد استشف المستقبل!!
فلقد تمكن الفكر الصهيوني الاصولي الجديد الى الانتشار في الجسد الايدولوجي الاسرائيلي ، كما تمكن المستوطنون من خلال العمل الجاد والمجهود الشاق الذي بذلوه من الوصول الى كل المناصب الهامة ، وادخلوا ممثليهم الى جميع المؤسسات الرسمية والأن الى البرلمان بأجندهم الضيقة جدا ، وهم لا يشعرون بأي خجل بأن يقولوا اهدافهم وبدون أية دبلوماسية أو قناع زائف ... كل هذا يقود إلى إستنتاج واحد .. نتركه لمن يملك القرار بيده ليعرفه.. أما نحن فنقول :
ستبدى لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك بالأخبار ما لم تزودي !!
وللحديث بقية