إدمان الكحول مرض يمكن علاجه بالإرادة
بين جدران المركز الوطني لتأهيل المدمنين، يعيش مجموعة من الأشخاص الذين قرروا أن يتحدوا بإرادتهم ما أفسد حياتهم من مواد مخدرة، ومن بين مرضى إدمان الكحول التقينا عيسى ومحمد ورامي الذين ربما يكون القاسم الذي يجمع بينهم علاوة على فناعتهم بضرورة التغلب على إدمانهم للكحول، أن كلا منهم مر بتجربة مريرة جعلت الباب موارباً للكحول لتدخل حياتهم وتصبح جزءاً كبيراً منها.
يروي لنا عيسى حكايته مع الكحول التي بدأت بحسب قوله بعد عام 90، بشكل كبير، ويقول عيسى " قبل ذلك كنت أتناول المشروب كأي انسان عادي" لكن عام 90 حمل لعيسى بعضاً من مفاجآت القدر المؤلمة والتي تمثلت بوفاة أخويه وتعرضه لأزمة مادية وعن هذه الفترة يقول عيسى " في فترة من الفترات انزويت وبدأت اتبع طريق الخمر، ثم ازدادت كمية المشروب التي أتناولها، وبدأت ألجأ للمشروب بشكل كبير وأبحث عنه في حال عدم توافره."
ويكمل عيسى قائلاً" بعد قترة من التعود على الكحول، تزوجت وعدت " للطريقة السليمة" بحيث أصبحت أتناول المشروب ليلاً مع زوجتي داخل المنزل"
وكان لعيسى موعد آخر مع الإدمان إذ مر بأزمة مالية صعبة في عام 2005 حيث انتهى به الأمر لبيع سيارة الأجرة التي كانت مصدر رزقه الأساسي، وعاد عيسى إلى شرب الكحول بكثرة.
ويؤكد عيسى أنه طوال فترة تناوله للكحول لم يفقد السيطرة على نفسه أو يخرج عن نطلق الأدب مع الأشخاص الذين يتعامل معهم في عمله كسائق تاكسي أو مع أهل بيته، لكن قرار التوقف عن تناول الكحول ووضع حد لسيطرتها على حياته وسلبها لإرادته جاء نتيجة لبلوغ أولاده سن الرشد وخوفه من كسر صورته في أعينهم " أخذت القرار بنفسي ما وصلت لقمة الإدمان ولم أخرج عن الأدب لكي لا أصل المرحلة هاي لازم أحط حد وأحافظ عالصورة الجميلة اللي أولادي بشوفوني فيها، ما بدي المشروب يخرب بيتي"
أما محمد الذي بدأت رحلته مع الإدمان نتيجة وفاة أخيه إثر حادث سير، يدرك أن إدمانه الكحول وقف عائقاً أمام إكمال دراسته الجامعية بعد حصوله على معدل مرتفع في الثانوية العامة ونيله لترتيب العاشر على محافظته في ذلك العام، وكان من أقنعه أن الكحول قد تنسيه آلامه هم أصدقاء السوء بحسب تعبيره.
وعلى الرغم من انضمام محمد لخدمة العلم إلا أنه لم ينقطع عن تناول المشروب الذي كان يصله إلى معسكر التدريب
ويؤكد محمد الذي خصص غرفة داخل منزله لتناول الكحول أن تناول الكحول بكثرة لم يكن يمثل مشكلة بالنسبة له لكن ما دفعه إلى التوجه إلى المركز الوطني لتأهيل المدمنين هو تناوله لثلاثة ليترات ونصف من الكحول دون أن يتأثر بها " مما جعله يدرك أنه وصل إلى مرحلة متقدمة في، قد تقوده إلى تناول مواد أشد خطراً لكي يصل إلى حالة من الاسترخاء.
رامي مقتنع أن ما يدفع الإنسان إلى الإكثار من تناول الكحول هو ما يمر به من المشاكل " ما بخلي الواحد يكثر المشروب إلا يكون عندو مشاكل" ، فبعد تعرضه لعدد من الأزمات بدأت بوفاة ابنه وانفصاله عن زوجته وانتهت بوفاة والده، تحول رامي من تناول الكحول بشكل معتدل إلى الإدمان" صار عندي إدمان مزبوط، لدرجة إني أصحى من الصبح أقوم أشرب، أرجع عالبيت أريح وبرجع أكمل كله مشروب ما بعرف الكمية لأنو ما كنت أحسب" .
وعلى الرغم من دخول رامي إلى عدد من المستشفيات والمراكز من أجل العلاج من إدمان الكحول إلا أن هذا الأمر لم يخلصه من إدمانه ويعود هذا بحسب رامي إلى عدم اقتناعه بجدوى العلاج، وإدخاله إلى هذه المراكز من قبل أهله، فضلاً عن طبيعة العلاج في هذه المراكز الذي يقتصر على تخليص جسده من الكحول وإعطائه الأدوية الطبية دون البحث وراء الأسباب النفسية التي دفعته إلى الإدمان.
نظرة الأقارب والأهل إلى رامي كانت أمراً عانى منه، وهو ما دفعه إلى التوجه إلى المركز الوطني لتأهيل المدمنين للعلاج.
الكحول أصبح بنظر هؤلاء عادة سيئة تؤدي بالإنسان إلى الهلاك" المشروب عادة سيئة تقضي على الإنسان تدريجياً اجتماعياً ونفسياً ومادياً".
ويرى الطبيب النفسي فائق الزغاري والذي يعمل في علاج الإدمان أن أسباب الإدمان على الكحول متعددة تشمل الوراثة، والظروف المحيطة بالإنسان كالمشاكل العائلية والضغوطات المختلفة، إضافة إلى بعض الأمراض النفسية كالإكتئاب أو الرهاب الإجتماعي.
ويضيف أن ثقافة المجتمع لها تأثير على الإدمان إذ يقل عدد مدمني الكحول في المجتمعات التي يكون تعاطي الكحول فيها محرماً.
مدير المركز الوطني لتأهيل المدمنين الدكتور جمال العناني أكد أن مدمن الكحول لا يستطيع أن يتعالج من إدمانه دون أن يخضع لرقابة فريق متخصص، مضيفاً أن علامات الإدمان تتلخص في الأحرف الأولى من كلمة cage وهي:
C: cut down ومعناها أود أن أنقطع عن الكحول لكن لا أستطيع.
A: annoyed وتعني أنا منزعج من تناولي الكحول دون أن أستطيع الإنقطاع عنها.
G: guilty feeling أنا أشعر بالذنب لإدماني على الكحول ولا أستطيع التوقف.
E: eye open أحتاج إلى تناول الكحول بمجرد أن أستيقظ.
ويؤكد الدكتور العناني أن توافر عاملين من هذه العوامل لدى الشخص يدل على إدمانه على الكحول.
وحول مراحل العلاج في المركز الذي يحول المدمنون إليه من قبل الأطباء النفسيين الإختصاصيين، والأطباء في الرعاية الصحية الأولية، أو عن طريق الأهل أو المدمن نفسه، يقول العناني أن العلاج يستمر لستة أسابيع، يقضي المريض الأسبوعين الأولين منهما في قسم إزالة السمية، ليمضي بعد ذلك أربعة أسابيع في قسم إعادة التأهيل وتشمل هذه المرحلة محاضرات طبية تتعلق بالأمراض المتعلقة بالسلوك الإدماني وطرق الوقاية منها، إضافة حضوره جلسات تأهيل روحي ونفسي وجسدي جماعية وفردية، وتطوير مهاراته الحياتية.
ويؤكد العناني أن المركز يتابع مريض الإدمان بعد تعافيه و خروجه من المركز إذ ينضم لقسم الرعاية اللاحقة ويراجعه أسبوعياً وفي حالة الشعور بضعفه والخوف من عودته للكحول يتم إدخاله مرة أخرى تحت مسمى إدخال لمنع الإنتكاسة.
ويتوفر في المركز الذي يستقبل مرضاه ويعالجهم بشكل مجاني وسري، 60 سريراً منها 10 أسرة للإناث، و10 للأطفال دون سن الثامنة عشرة.
العناني اختتم بدعوة الشباب والشابات إلى عدم تجربة المواد الطبية دون الرجع للمختصين، إذ أنه مع الإستعداد الشخصي، والخاصية الكيميائية لهذه المواد، فإن الإنسان قد يصل إلى الإدمان وسوء التعاطي من المرة الأولى.
إستمع الآن











































