أين تنتهي حرية الإعلام ويبدأ اغتيال الشخصية؟

أين تنتهي حرية الإعلام ويبدأ اغتيال الشخصية؟
الرابط المختصر

كثرت اتهامات الفساد في وسائل الإعلام التي استهدفت وركزت على شخصيات بعينها. وزادت انتقادات الحكومة للإعلام وترددت عبارة “اغتيال الشخصية” التي وصف بها مسؤولون ممارسة إعلامية غير مهنية، كما الحال في رسالة الملك عبدا لله الثاني لرئيس الوزراء وفي كلمة الأخير في مؤتمر صحفي عقده للحديث عن استقالة وزيره على خلفية التحقيق في شبهة فساد.

“اغتيال الشخصية”، وفقا للكاتب في صحيفة الغد، سميح المعايطة، يعني أن “يسند إلى شخص تهمة أو قضية فساد أو أن يزج اسمه في ملف فساد وهو بعيد عن ذلك، سواء بقصد ولغايات مختلفة وهذا وارد في أساليب العمل السياسي أو الصحفي، أو بدون قصد بأن يتم تداول اسم يرد في التحليل الأولي لمجرد أنه في موقع قرار أو مسؤولية لكنه بريء ولا علاقة له بالقضية”.

ويرى المعايطة أن الإعلام يمكنه تغطية قضايا الفساد من دون أن يزج أسماء أشخاص في ملفات فساد بلا أدلة أو ما يثبت وجود شبهة فساد في حقهم.

ولتحقيق ذلك، “يجب أن نوجد منهجية لكي لا نذهب في مسار تعميم يودي بسمعة مؤسسات وأشخاص دون أي دليل. وفي المسار المقابل لا نريد أن نسكت عن الفساد وأن نعطي فرصة لحماية الفاسدين. وبين المسارين يوجد منهجية صحيحة وهي أن لا أتحدث عن قضية من دون أن يكون لدي إثبات على أن هناك شبهة فساد. والمسافة بين المسارين واضحة، وتقديم المعلومة المثبتة هو الفيصل”، يقول المعايطة لعين على الإعلام.

ويلفت إلى أن “الكثير يقال في المجالس لكن ليست وظيفة الإعلام نقل ما يقال فيها، بل أن يمسك طرف الخيط ويستمر بالبحث إلى أن يصل إلى معلومات تصلح للنشر أو للتحويل إلى القضاء. بذلك نتجنب اغتيال الشخصيات ولا نحمي الفاسدين”.

ويضيف أنه يجب “اعتماد القضاء ليحكم في القضية بدلا من أن إشاعة القضية اجتماعيا وإعلاميا، وإذا أدان القضاء شخصا نقول أنه فاسد. لا نريد حماية الفاسدين ولا نريد إيذاء آخرين”.

والتعميم، وفقا لمعايطة، يفيد الفاسدين. “فعندما أشيع أن جميع المؤسسات العامة فاسدة والقطاع الخاص فاسد، يضيع الفاسد الحقيق بين كل هذه الاتهامات. لكن التحديد بناء على جمع معلومات وأدلة وتحقق هو الذي يؤذي الفاسد الحقيقي”.

ويؤكد الكاتب الصحفي على أن توفير المعلومة والشفافية يساعد على عدم انتشار الشائعات. “فالمعلومة هي الحل لكل القضايا ولا تترك مجالا للانطباعات. لكن علينا أن نترك مجالا للتحقيق فخلاله لا يمكن تقديم المعلومات”.

ويشبه المعايطة الصحفي برجل الأمن. “فقبل النشر يوجد مرحلة التحقق وجمع المعلومات والأدلة. ما يحدث في بعض وسائل الإعلام هو خلاف ذلك، حيث تجد عنوان يتحدث عن فساد في مؤسسة ما وعندما تقرأ التقرير لا تجد ما يشير إلى يدلل على الفساد في هذه المؤسسة. لكن الانطباع بوجود فساد بقي لدي القارئ من العنوان”.

“اغتيال الشخصية” في غياب الشفافية

أما مدير ومحرر موقع خبر جو، علاء فزاع، فيرى أن “المدخل الحقيقي لاغتيال الشخصية ليس الصحافة وإنما غياب الشفافية في التعامل الحكومي مع قضايا الفساد. لو كان هناك شفافية كافية لما لجأ أحد إلى المعلومات غير المؤكدة”.

و”إذا ارتكب الإعلام تجاوز ما واغتال شخصية ما فإن القضاء الأردني يستطيع أن يرد لهذا الشخص حقه ولا ضير من التقاضي فالقضاء سيكشف الحق وسيعيد لصاحب الحق حقه”، يقول فزاع لعين على الإعلام.

ويتساءل فزاع: “ما الذي يمنع كل شخص تم اغتيال شخصيته وأثيرت حوله الشبهات بالفساد أن يكشف ما لديه من وثائق تثبت براءتها؟ قليلون هم من يستغلون حق الرد المكفول. الشخصية العامة يجب أن تتحمل النقد وكلفة وجودها في العمل العام. قد يحدث هناك تجاوزات لكن الأصل أن تتحمل الشخصية العامة”.

فزاع الذي يواجه قضية رفعها مدير الأمن العام حسين المجالي ضد ثلاثة مواقع، خبر جومن بينها، بتهمة القدح والذم، يقول: “نحن تحرينا الحقيقة، وهو الشرط الأساسي في العمل الصحفي كما جاء في قانون المطبوعات والنشر، لكن الصحفي قد لا يصل إلى الحقيقة لأنه ليس هيئة قضائية أو تحقيقية. لكن تحرينا الحقيقة وتقاطعت المصادر وفي النهاية القضاء هو الفيصل.

ويوضح أنه من الأفضل توفر وثائق تدعم المعلومة، لكن في حال عدم توفرها يعتمدون على “تقاطع المصادر”، وهو الحصول على نفس المعلومة من أكثر من مصدر موثوق ومن جهات مختلفة.

وعن كيفية تعامل موقع خبر جو مع بيانات الـ36 التي تتهم الملكة رانيا بالفساد وتركز الاتهام على شخصها وبشكل متكرر ومن دون أدلة أو إثباتات، يبين أن التعامل يكون مع كل بيان على حدا. “من المفترض أن يتحمل أصحاب البيان مسؤولية ما في البيان، لكن أمام القضاء يتحمل الإعلام المسؤولية كناقل للبيان. وبالتالي يكون القرار معقد ويعتمد على قناعة المحرر بصحة ما يرد في هذه البيانات، فإذا كان واثقا من صحة ما فيه فلينشره كما هو، وإذا لم يكن متيقنا من صحته بإمكانه نشر خبر صدور البيان وذكر أبرز ما ورد فيه بأقل ما يمكن من النقاط الخلافية”.

“قرار كهذا يصبح معقدا جدا في وجود مشكلة كبيرة لدينا هي غياب التوثيق، فمن بين 50 إلى 60 خبر نجد خبرا واحدا موثقا. وهذا ليس ذنبنا وإنما ذنب الحكومة التي وضعت قانون حق الحصول على المعلومة ولم تطبق منه شيئا”، يقول فزاع.

وسائل الإعلام تتفاوت بين من تفضل السرعة في نشر المعلومة لتحقيق سبق صحفي على حساب دقة المعلومة وبين أخرى تفضل التأني وجمع المعلومة والتأكد من صحتها وأخذ الرأي الآخر.

و”انتظار التأكد من خبر يعني خسارة الخبر، بالنسبة لفزاع. “فمثلا، نشرت خبر قبل عام ونصف وقيل عنه في حينها أن فيه مبالغة وغير موثق ويفتقد الرأي الآخر، بينما أثبتت الوثيقة التي سلمت للجنة الحوار الوطني قبل شهرين صحة ما نشره قبل عام ونصف. عندها لم يكن لدي وثائق لكن كان لدي الحد الأدنى وهو تقاطع مصادر موثوقة ومن أمزجة مختلفة”.

ويرى مدير الموقع الإخباري أن سحب الخبر عن المواقع بناء على اتصالات من الأجهزة الأمنية لا يؤثر على مصداقية الموقع أو الخبر وإنما على المناخ العام لحرية الإعلام في الأردن ويعطي انطباعا أن هناك ضغوط تمارس على الإعلام.

“اغتيال الشخصية” في القانون

قانونيا، يوضح المحامي المتخصص في قضايا الإعلام، محمد قطيشات، أن “مصطلح اغتيال الشخصية لم يعرف وفقا للتشريعات الأردنية تعريفا جامعا مانعا يمكن تقديم من ناحية قانونية على أرض الواقع. فإذا اعتبرنا اغتيال الشخصية جريمة فلا بد من تحديد أركان هذه الجريمة، على الأقل فقهيا إذا لم يكن لها إشارة في التشريعات”.

“حاليا هذا المصطلح كثير الاستخدام حتى من بعض رجال القانون، في حين إذا نظرنا إلى التشريعات الإعلامية التي تطبق على الصحفيين والإعلاميين نجد أن هذا المصطلح لم يرد في التشريعات، وبالتالي لا يمكن أن تطبق على الإعلام والإعلاميين، وبالتالي لا ترقى إلى أن تكون جريمة، فلا جريمة ولا عقوبة إلا في النص”، يقول قطيشات.

ويضيف: “عندما يجرم المشرع فعل معين فهو يريد أن يحمي مصلحة أو حرية معينة، وعندما يجرم فعل قدح أو ذم فإنه يريد أن يحمي المذموم أو المقدوح في شرفه وسمعته وكرامته. لكن ما ورد في المادتين 188 و189 و190 من قانون العقوبات والمتعلقة بتعريف الذم القدح والتحقير نجد أن هذا التعريف بعيد عن المعيار الدولي لحماية الحياة الخاصة وحق السمعة”.

والقانون فرق بين الشخصيات الرسمية والعامة وبين الأشخاص العاديين. فعندما نتحدث عن الشخصيات العامة وتشمل الموظف العام ومن يحمل الصفة النيابية ورئيس الوزراء والنقيب ورئيس تحرير صحيفة وفنان مشهور، فإن القانون أجاز انتقاد أداء هذه الشخصيات ضمن شروط معينة يعددها قطيشات: يجب أن تكون الواقعة ثابتة وحقيقية وعلى النيابة العامة أن تثبت عدم الصحة، وأن يكون النقد موجه للأداء أو السلوك أو الرأي وليس موجها إلى الحياة الخاصة إلا إذا أثرت حياته الخاصة على أدائه أو على وجوده كقدوة في هذا المنصب، ويجب أن يكون النقد متلائم مع الموضوع، وأخيرا أن يكون النقد بحسن نية أي أن يكون الموضوع ذي أهمية عامة.

وبالنسبة لثبوت أو عدم ثبوت صحة المعلومات، يقول قطيشات أنه “بعد تعديل عام 2007 على المادة 5 من قانون المطبوعات والنشر راعى المشرع ان حق الحصول على المعلومة غير مضمون في واقع التشريعات، فجعل الواجب المطلوب منه هو تحري الحقيقة، بمعنى البحث والتمحيص والتدقيق، فالواجب المطلوب من الصحفيين هو البحث حول الحقيقة وليس بالضرورة إصابة الحقيقة. واكتفى المشرع بأن تكون الواقعة الأساسية صحيحة حتى لو لم تكن جميع التفاصيل صحيحة، وهذا مراعاة لحسن النية وليس هناك عداوة بين الصحفي والناس، وإنما ينشد المصلحة العامة. ولا بد أن يؤخذ هذا الموضوع بعين الاعتبار عندما نتحدث عن اغتيال الشخصية”.

لكن هل يأخذ القانون والقضاء بالاعتبار الدوافع السياسية من وراء “اغتيال الشخصية”، حين تستهدف وسائل إعلام أو صحفيون يمثلون تيارا سياسيا رمز من رموز تيار سياسي آخر؟

المحامي قطيشات يرى أن القضاء لا يتعامل على أساس المعادلات السياسية وإنما على أساس واقعة قانونية مستقلة مهما تعددت الأفعال من بعدها وقبلها. ويستشهد بالمادة 263 من قانون العقوبات التي أشارت إلى أن الباعث على ارتكاب الفعل لا يعتبر ركنا من أركان الجريمة، بل قد يكون سببا لتبرير العقوبة، تخفيفها أو تشديدها. لكن من تجربتنا فإن القضاء يتعامل مع كل قضية على حدا، حتى لو تضمنت الواقعة الواحد أكثر من مادة منشورة من قبل شخص واحد ضد شخص واحد فإن القضاء يناقش كل منها كواقعة مستقلة عن الأخرى.

الملك والبخيت يحذران من “اغتيال الشخصية

وكان الملك عبد لله الثاني قد حذر في رسالة وجهها لرئيس الوزراء معروف البخيت من خطورة التردد في توضيح الحقائق للناس والسماح لأحاديث الكراهية بالانتشار.

وقال “إن التصعيد ضد الأبرياء وشائعات الكراهية نالت وللأسف، من أهل بيتي بكل ما يمثلونه من رمزية وطنية سامية”، في إشارة إلى بيانات الـ36 التي استهدفت الملكة رانيا العبد الله.

وأضاف: “ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي اقترب فيها حديث الكراهية والاتهام بالباطل من أهل بيتنا الكرام”، وتحدث الملك عن إساءات مماثلة تعرض لها المغفور له الملك حسين بن طلال.

وفي الرسالة طلب الملك من الحكومة الحد من شائعات الكراهية والتصدي لمحاولات اغتيال الشخصية بادعاء محاربة الفساد، وقال إن من واجب السلطات أن تكافح الفساد بكل جدية وبنفس الوقت تحمي الأفراد من تنامي ظاهرة الافتراء.

وقبل ثلاثة أيام من رسالته وفي مقابلة مع قناة أمريكية أظهر الملك استياءه من محاولات النيل من زوجته الملكة رانيا العبد الله.

ورد رئيس الوزراء معروف البخيت على رسالة الملك، خلال مؤتمر صحفي عقده الخميس، تحدث فيه عن “وجود كم هائل من الأقاويل والإشاعات والادعاءات عن الفساد التي لا تستند الى دليل ولا هدف سوى اغتيال الشخصية وممارسة القدح والذم في كل الاتجاهات وبدون وجه حق او محاكمات”.

وقال البخيت: “لقد تجاوزت هذه المزاعم والاتهامات كل المعايير الأخلاقية والوطنية التي تميز بها الأردنيون حتى أنها وصلت كما قال جلالة الملك عبدا لله الثاني إلى أهل بيته الكرام”.

وأكد البخيت على حرص الحكومة المستمر على التواصل والحوار و”أن تكون العلاقة دائما بين الحكومة والإعلام قائمة على الوضوح والثقة المتبادلة واحترام الحقيقة وحق الصحفيين في الحصول على المعلومة وأيضا حق المجتمع بالمعرفة السليمة والمكاشفة”.

ولفت إلى أن “المسؤولية تستدعي أمام الوطن والمواطن أن يكون الحوار هو اللغة السائدة بديلا عن الشائعات والتسريبات المجتزئة ومحاولات التضليل لافتا إلى أن هذا لا يكون إلا بالعلاقة الكفؤة النزيهة مع وسائل الإعلام ومن خلال ديمومة اللقاءات وتكثيفها كلما دعت الحاجة”.

للاستماع على الموضوع والاستماع لبرنامج: عين على الإعلام