أين الضمان الاجتماعي من التحول الرقمي وخصوصاً في ممتلكاتها الإعلامية

الرابط المختصر

تقوم دائرة الاستثمار في مؤسسة الضمان الاجتماعي بشكل مستمر بالبحث عن مشاريع للاستثمار فيها من أجل زيادة مردودات صندوق الضمان. ومن الطبيعي ان بعض تلك المقتنيات ينجح والبعض يتعثر ولكن من المفروض أن تقوم مؤسسة الضمان الاجتماعي بالمطالبة من المدراء العامين لتلك الشركات  المتعثرة وضع خطط لمعالجة أي إخفاق والعمل على الخروج من أي أمر يسبب نزيف وخسارة مستمرة. ينطبق هذا الأمر بصورة قوية على علاقة الضمان الاجتماعي بعدد من الصحف اليومية والتي يملك الضمان حصة كبيرة فيها.

التحول الرقمي عالميا شكل معضلة للصحف الورقية حيث نجح الناشرون في بعض الدول بالتماشي مع التحول العالمي وفي بعض الدول بقيت في مكانها مع بعض التعديلات من خلال إضافة موقع اليكتروني للصحيفة بدل من النظرة إلى التفكير بالتحول الاستراتيجي نحو الرقمي. المشكلة طبعا في الأردن تكمن في غياب أي حماية قانونية تذكر للملكية الفكرية. فنظرة سريعة لغالبية المواقع الالكترونية الاردنية نرى أنها مليئة بالتقارير والمقالات التي نشرت أولا في احد الصحف الورقية  الأمر الذي يعني أن عملية قرصنة تجري يومياً دون عقاب أو حساب. 

صحيح انه جرت بعض المحاولات الخجولة لوقف تلك القرصنة من حيث وضع صعوبات في الموقع الاليكتروني لمنع النقل السهل للمواد  ولكن سرعان ما تم تحايل على تلك الحواجز الالكترونية واستمر بل زادت القرصنة الأمر الذي سمح لعدد كبير من المواقع أن تعمل بدون اي كادر صحفي ومعتمدة بشكل شبه كامل على ما يتم نشره في الصحف الورقية ومن خلال قص ونشر من مواقع تلك الصحف المجانية . 

يتساءل المراقب متى كانت آخر مرة أرسل محامي تلك الصحف رساله للمواقع التي تنشر تلك المواد المقرصنة يطالبهم بالوقف ويهددهم بالمتابعة القانونية؟ ومتى كان اخر مرة طالبت مؤسسة الضمان الاجتماعي من المدراء الذين يعملون في تلك الصحف بالعمل الجاد على وقف القرصنة؟ صحيح ان قانون حماية الملكية الفكرية في الأردن ضعيف ولكن هل يعقل مثلا ان موظف في صحيفة ورقية يملك أو يدير أو يتعاون مع موقع إلكتروني يعيد نشر المواد التي تنشر وبتكلفة باهظة من صحفيين او كتاب الصحف اليومية. لو قام أحد العاملين في متجر ما بسرقة بضاعة فيتم فصله وتحويله للقضاء ولكن في الاردن فان القرصنة واضحة  يمكن معالجتها من خلال التواصل القانوني مع الجهة المقرصنة وممكن ايضا التواصل مع شبكة الانترنت والشكوى لهم لمنع الموقع من العمل غير القانوني والمخالف لقانون حماية الملكية الفكرية كما حدث في العديد من الدول.

أفهم أن دائرة الاستثمار في الضمان لها نظرة طويلة الأمد ولها استثمارات استراتيجية تخص المصلحة العليا للأردن ولها نظرة طويلة الأمد ولكن هل السماح بسرقة المواد المدفوع بدلها جزء من الاستراتيجية الوطنية او من النظرة طويلة الأمد؟  لا اعتقد.

من يتابع وضع الصحافة الورقية يشعر أن اعتماد القائمين عليها أو مالكي الصحف هو فقط على طوق النجاة المالي من الدولة بدلا من العمل على وضع استراتيجية التحول الرقمي كما فعل معظم صحف العالم من خلال وضع paywall أي حائط يمنع الدخول للموقع سوى لمن يشترك. فما المنطق من توزيع الصحيفة الورقية ماليا ولو بمبلغ 20 قرش في حين أنها متوفرة مجانا على الانترنت. صحيح أن وضع حاجز على الموقع قد يقلل من الزيارات ولكن ما أهمية وجود عدد زوار عالي في وقت الانهيار المالي. الافضل هو ضبط المادة الصحفية من القرصنة والطلب من المهتمين الاشتراك. فإذا كانت الصحيفة الورقية تكلف 25 قرشا أي 7.5 دنانير بالشهر فلو تم وضع رسم اشتراك دينار أو ديناران لمن يرغب بالحصول على نسخة اليكترونية فان ذلك يشكل دخل اضافي يمكن المساعدة في الخروج من المازق المالي وفي نفس الوقت قد يساهم في وقف الفوضى الموجودة الآن في السوق الأردني حيث ينافس من لا يعمل أو ينتج أي مادة ببحر من المواد الإعلامية المغرية للقارئ.

ان اصلاح الاعلام الاردني من خلال وقف القرصنة  حماية الملكية الفكرية سيكون له مردود على كل الاعلام المستقل ويشجع مواقع مستقلة تعمل بجهد وتعب للنشر مواد خاصة بها ان تقوم بوضع اشتراك مماثل الأمر الذي سيرفع من نوعية الإعلام الموجود في الاردن ويحاول نسبيا القضاء على الفوضى وغيرها من شكاوي تأتي دائما من الدولة الاردنية ومن بعض رجال الأعمال ورجال السياسة.

لقد آن الأوان لوضع استراتيجية إعلامية متكاملة تشارك فيها الدولة الاردنية ومنها الضمان الاجتماعي وكافة الأطراف ذات العلاقة وإخراج الخلاف الحالي ما بين هيئة الاعلام ونقابة الصحفيين ولجنة المواقع المنبثقة عنها. نقابة الصحفيين هي نقابة للعاملين وليس للناشرين والذي ان الاوان ان يتوحدوا في إطار يدافع عن مصالحهم وعن هذا  القطاع المهم دون الحاجة الى دفاع النقابة عنهم وهو دفاع موسمي لا يمكن الاعتماد عليه. وفي حال نجحنا في وقف القرصنة يأتي السؤال هل يكفي ذلك وقد يكون الجواب بالسلب وعند ذلك الوقت يمكن أن نطالب بإنشاء صندوق لدعم المنتج الإعلامي المهني تشارك في دعمه  الحكومة والقطاع الخاص ويمكن ردفه من عائدات يمكن تحصيلها من ضرائب على اعلانات يتم نشرها في المواقع العالمية الرقمية كما ومن عائدات الملكية الفكرية على مستوى عالمي. وهذا الصندوق يجب أن يدار بـ شفافية واستقلالية بالمساواة دون تحيز. 

لقد نجح الموسيقيون والفنانون من تحصيل حقوقهم المادية من إعادة استخدام منتوجه الفني الرقمي والان جاء الوقت لكي تجني المؤسسات الإعلامية دخل من موادها التي ينشر على الانترنت ويتم سرقتها بشكل دوري دون رقيب أو حسيب. فمن يريد استخدام مادة اصيلة عليه أن يدفع ثمنها هذا هو اساس المنافسة الحرة.