أنا محامي الدفاع وغير مذنب

أنا محامي الدفاع وغير مذنب
الرابط المختصر

علينا أن نعترف بأن لدينا مشكلة في فقدان الشفافية والاستهتار بعقل المواطن؛ فأيّ شيء تقدمه الحكومة/ الدولة يثير الشكوك، وليست قضية التعداد العام للسكان والمساكن ببعيدة، فأقل سؤال يمكن أن يوجه للمسؤولين في الأردن "كيف تقرر الحكومة خطة أردن 2020 دون الاعتماد على نتائج التعداد العام؟،

 

بالإضافة إلى ذلك لقد بدأت اللجنة الثلاثيّة لشؤون العمل منذ العام الماضي بدراسة زيادة الحد الأدنى للأجور البالغ 190 ديناراً، دون إعلان قرار في هذا الصدد، رغم الحاجة الملحة لذلك، ونحن الآن في نهاية عام 2015 حيث تؤكد وزارة العمل أن اللجنة الفنية لدراسة الحد الأدنى للأجور انعقدت قبل ثلاثة أسابيع للقيام ببحث عملي حول واقع الأجور في المملكة.

 

سألني مواطن بعد اتصال مع مسؤول وزارة العمل: "أنت يا محمد مقتنع بالي حكاه عطوفته"؟

 

قد لا اقتنع بما يقوله المسؤولين، وتُحتّم عليّ المهنة ألاّ أدلوَ بدلوي وأن أسيّر الحوار فقط، لكنني أجد نفسي في كثير من الأحيان منسحباً إلى طبيعتي كمواطن أشكو مما يشكوه المستمعون، وأعبّر عن رأيي بعفوية، وأخالف قواعد المهنة.

 

تُحتّم علينا هذه القواعد أن نساهم في صناعة رأي عام من خلال خلق نقاش حول أبرز القضايا المجتمعية من خلال طرح المعلومات مهما كان شكلها، وأن نترك للخبراء والمعنيين والمستمعين تفسيرها وتقديم توصيات حولها، وألّا نكون نحن المعلومة والخبير والمنظر في ذات الوقت.

 

للأسف هذا الخطأ يحدث في كثير من الوسائل والمنابر الإعلاميّة في الأردن، عدوى التوك شو السلبية تنتشر منذ فترة، وهنا اعتذر.

 

من جهة أخرى، فإن كل هذا الحوار الصباحي مع الناس يجلعنا نتأكد أن فئة كبيرة منهم تجهل حقوقها وتعاني مشكلة أكبر ممن يعلمون حقوقهم ولا يستطيعون تحصيلها. على سبيل المثال، هناك الكثير من العمّال لا يعرفون أبسط حقوقهم العماليّة، وآلية حفظها، وحمايتها، من ضمان اجتماعي، وتأمين صحيّ، حيث تبدو مشاركاتهم عند اتصالهم بالإذاعة غالباً مبنيّة على نقمة وتعميم وغضب وشعور بالظلم وكل له أسبابه ومبرراته.

 

على الإعلاميّ أن يسأل نفسه، هل اتصل بالمسؤول لحل مشكلة فرد أم أركّز على المشكلة من منظورها العام؟، وهنا ندخل في فردانيّة القضايا وتحويلها إلى مشكلات خاصة، وهذا ما أعتبره خداعا ممنهجاً للجمهور.

 

ما أحاول فعله يومياً يتمثل في أن أرشد المظلوم إلى آلية انتزاعه حقه، فلست مسؤولاً عن وقوفي في منصب "محامي الدفاع" عن كل قضية، وأن أساهم في شيطنة الآخر. لا يعقل أن يكون الموظف في مكان عمله لسنوات، وخلال حوار بسيط تعلم أنه مهضوم الحق في الضمان، ويتقاضى أجراً أقل من الحد الأدنى، ولم يقدم يوماً شكوى واحدة لوزارة العمل أو الضمان الإجتماعي.

 

محامي الدفاع عن المتهم يملك في نفس الوقت الحق، وعليه الواجب في حشد كافة الوقائع والحجج المحتملة نيابة عن المدّعَى عليه، ولكن ضمن قيود مفروضة على محامي الدفاع، تتمثل في عدم تقديم شهادة كاذبة بمعرفة تامة منه.

 

هذا النوع من تبادل الأدوار بين محامي الدفاع عن المواطن وحقوقه، ومحامي الدفاع عن الحكومة في ظل غياب أطراف النزاع إن صح التعبير، يسبب لك في نهاية البرنامج شيئا من الشك، فمن أنا "بهويتي" وهل أخادع الآخرين؟ وهل أنا راضٍ عما فعلت؟ وكيف لمدعي "يتبنى ألم المواطن" أن يقدم دفاعاً عن المدعى عليه في ذات الوقت.

 

في نهاية المطاف، على هيئة المحلفين أن توقن أنني غير مذنب، وأن نعمل سوياً لحث النظام على أن يعمل جيداً.