أم رزق...عندما يبلى الجسد وتبقى الذاكرة

الرابط المختصر

لم تمحو وفاة زوجها منذ سنة البسمة عن شفاها، فعلى الرغم من ذلك هي دائمة النظر إلى صورته المعلقة التي يقف فيها شامخا وهي بقربه...

صورة ألتقطها أحد الصحفيين في زيارة له إلى المخيم.

أم رزق التسعينية تنفض عن ذاكرتها غبار الزمن وتسترجع ما يمكن استرجاعه من أرشيف يتسع لملاين الذكريات. تقول "لا احمل معي من فلسطين سوى هذه الطنجرة المعدنية التي عندما أراها أتذكر فلسطين، ففي هذه الطنجرة أرى أشجار البرتقال كما أشاهد فيها بيتي في كفر عانة، هذه الطنجرة من ريحة البلاد أحضرتها مع مسبحة قديمة مزينة بالنقود الفلسطينية القديمة التعريفة والمليم حيث كنا نشتري بالتعريفة بيضة و وقية سمسم ".
 
 
تسترجع شريط الذاكرة وتقول" لقد قصف اليهود القرية بالمتفجرات، واخذ أطفالي بالصراخ والبكاء، حملتهم في حضني وخرجنا تحت القصف ولم يبق احد في القرية، وفي الطريق اخذ الأطفال بالبكاء يردون الماء الطعام، فخاطرت ونزلت إلى واد قريب وجدت القليل من الماء يخرج من الأرض، فشرعت بالحفر حتى خرج الماء من الأرض وملئت الإبريق".
 
" انتقلنا لقرية عابود حيث نزلنا في مخزن الزيت، لكننا لم نحتمل الإقامة فقد انتشر بيننا القمل فاضطررنا الانتقال إلى الجبل ومن ثم البادية، وبعدها بني لنا مخيمات في منطقة الكرامة وفي آخر المطاف انتقلنا لهذا المخيم".
 
وتضيف أم رزق " لم احمل شيئا معي، حتى ملابسي المطرزة يدويا لم احملها وهي تساوي الآن مئات الدنانير، حتى النقود لم نحملها لقد كان القصف شديد، كما ان اليهود هددوا باغتصاب النساء في القرية".
 
 
وتتذكر قول زوجها الدائم "فلسطين أرضنا وأرض أجدادنا، هذه أرضي أحرث وأزرع فيها الخضار وكل ما تشتهي العين". ولا تجد أم رزق بحالها سوى السعي للعيش الكريم كما كل أهالي مخيم الوحدات. وتتخذ من بيتها الصغير المترامي إلى جانب بيوت المخيم المتلاصقة ببعضها البعض مكانا لبيع الحلويات والسكاكر لأطفال المخيم.


قوت يومها يأتي من بيع ما يتيسر لها من البضاعة البسيطة التي يؤمنها لها أحد أبنائها، وهذا لا يساهم سوى بجزء بسيط على سد احتياجات بيتها المكون من غرفتين وحمام وحوش الذي تجلس متربعة فيه على حصيرة.

ويطل هذا الحوش على غرفتين تعلق فيهما أم رزق صور زوجها وصور تعود لعشرات السنين، ولا يسعها سوى أن تتذكر أنها كانت تداعب زوجها كأن تقول له "سوف أشحذ الملاليم كي أصل إلى الجسر وأدخل فلسطين".
 


أم رزق تحمل فلسطين في روحها في فكرها ووجدانها، وفوق ذلك تجدها تتعلق بأشياء حملتها من أرضها، ولا تنسى رائحة البرتقال والتراب الذي بللته قطرات الندى، لا تنسى يوم زفافها الذي أحال قريتها الى عرس كبير، كل هذا تختزله في قصص ترويها لأحفادها في ليالي الشتاء الباردة.