أقلها الاغتصاب

الرابط المختصر

هزتنا من الأعماق جريمة اغتصاب طفلة في الرابعة عشرة من عمرها من قبل شخص يبلغ من العمر أربعين عاما ، ليس مرة ولا اثنتين ، بل تسع مرات ، الحكم صدر بالأمس ضد الفاعل: الإعدام شنقا حتى الموت ، الخبر الذي نشرته الدستور أمس حظي بتعليقات كثيرة ، ولا عجب فالجريمة بشعة ومقززة ، وكان ثمة مطالبات كثيرة بإعدام الجاني علانية كي يكون عبرة لمن اعتبر ، ولفت نظري من بين التعليقات تعليق حمل الأهل المسؤولية قائلا ـ حسبي الله على امها وابيها لانهم طلعوها مشلحة من عندهم وما عرفوا يربوها ـ طبعا لا يذكر الخبر ما إذا كانت تخرج المجني عليها "مشلحة" أم محجبة ، ويبدو أن القارىء العزيز رسم صورة من عنده للمجني عليها ، باعتبار أن الاغتصاب لا يحصل إلا إذا كانت المجني عليها "مشلحة" علما بأن هذا الأمر يمكن أن يكون معينا على الفحش ولكنه ليس السبب الوحيد ، والدليل أن حوادث التحرش الجنسي الشهيرة في القاهرة أيام العيد الماضي لم تستثن محجبات ولا منقبات،
لا يتوفر بين يدي احصاءات عن حجم حوادث الاغتصاب في بلادنا العربية ، ولكن المؤشرات تدل على أنها أقل مما يقع في الغرب ، حيث الحياة الجنسية متحررة ولا تكتنفها القيود والأخلاقيات التي تحكمنا في الشرق ، ويعجب المرء من شيوع حالات الاغتصاب في بلد مثل فرنسا مثلا ، حيث تحدثت الصحف قبل فترة عن وقوع حالات اغتصاب بمخدر أو عن طريق الإكراه رغم تحرر المجتمع الغربي الجنسي ، ومما تناقلته الصحف قصة طالبةّ فرنسية شابة تعرضت إلى الاغتصاب بعد أن قبلت دعوة أحد زملائها في الحي الجامعي في باريس لشرب كأس شاي وتذوق بعض الحلويات في غرفته: فبعد دردشة خفيفة مع زميلها حول شجون الدراسة التهمت خلالها بعضاً من الحلويات اللذيذة ، التي أصر الزميل على أنها من صنع والدته ، شعرت الطالبة المغفلة بدوخة اعترتها بشكل مفاجئ لتفقد الوعي بالمطلق. وعندما استيقظت بعد حوالي الساعة وجدت نفسها تعرضت للاغتصاب ، وبعد قيامها بالتحاليل الطبية في المستشفى أدركت أن الحلويات التي تلذذت بالتهامها كانت تحتوي على مخدر قوي أفقدها وعيها وأن زميلها الكريم ، نال مبتغاه منها بتخديرها دون علمها ، ويبدو إن هذه القصة تشكل نموذجا لعشرات الحالات المشابهة التي تعكس ظاهرة إجرامية بدأت تستشري في فرنسا ، فقبل أربع سنوات كشفت مجموعة من التحقيقات القضائية في باريس وضواحيها أن عدداً كبيراً من حالات الاغتصاب تمت بعد تخدير الضحايا فيما عُرًفَ آنذاك بمخدر الاغتصاب الذي كان يستعمله البعض في تخدير الصبايا في الملاهي الليلية قبل أن يقوموا باغتصابهن ، وهو مسحوق يشبه في تركيبته الكيماوية المنومات قوية المفعول يحدث لدى متناوليه غيبوبة كاملة وفقدانا للذاكرة بحيث لا يستطيع متناوله أن يتذكر بالضبط ما قام به خلال ساعات كاملة. الغريب أن المحققين قالوا أن معظم هذه الاعتداءات الجنسية تتم بين أشخاص يعرفون بعضهم مسبقاً وأحياناً يكونون زملاء عمل أو أصدقاء ، كما أن مرتكبي هذه الاعتداءات ليسوا من ذوي السوابق العدلية أو من عتاة المجرمين بل أناس عاديون أو أرباب عائلات محترمون ويتمتعون بمكانة اجتماعية لائقة وهؤلاء عادة ما يتصيدون الضحايا من بين معارفهم،،
ما يهم هنا ، أن بعضنا يعتقد أن التحرر الجنسي المنفلت من كل قيد ربما يكون حلا لمشكلات الشباب ، مع أن التجربة الغربية تبطل هذا الاعتقاد ، بل ربما يكون التحرر الجنسي وشيوع العري واستبداد منطق الغرائز الحسية بالمعنى الثقافي الشامل للكلمة ، هو السبب الرئيس للكبت المرضي الذي لا يُشفى غليله بممارسة عادية ويجعل ضحيته وحشاً لا موانع تحد من هوسه ، أن الطهر والعفة والحجاب وغض البصر ، وسيادة الأخلاق أدعى للسيطرة على غرائز الإنسان ، وتنظيمها ، ومن المفارقة هنا ، أن تعاني فرنسا تحديدا من حالات الاغتصاب الغريبة ، في وقت اشتهرت فيه بمحاربة الحجاب ، كرمز ديني للعفة والطهر،
صاحب التعليق الذي أوردناه في بداية هذه المقالة ، عبر بتلقائية عن حقيقة مستقرة ، وإن كان تعليقه انطوى على اتهام مبطن للأهل بلا دليل ، ومع كل هذا ، لا نستطيع أن نغفل أن الكبت ووضع القيود الاعتسافية على الزواج ، وقسوة الظروف الاقتصادية ، يفتح بابا متسعا من أبواب الجرائم المقلقة ، ربما يكون أقلها الاغتصاب