أطفال مشاركون في جلسات رفع وعي: نعمل بسبب الظروف المعيشية لأسرنا
عقد فريق تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان في الميدان 30 جَلسة توعية حول عمل الأطفال عن طريق الرسم في كلا من العاصمة عمان، واربد، والمفرق، وجرش، ودير علا، والظليل، والأزرق، والكرك، لغايات رفع الوعي وتسليط الضوء على ظاهرتي عمل الأطفال والتسول.
واستهدفت الأنشطة التي جاءت تحت إطار مشروع في إطار برنامج التخفيف والحد من أشكال عمل الأطفال في القطاعات الخطرة في الأرْدُنّ، أطفالًا من مختلف الأعمار تراوحت بين 5 أعوام إلى 18 عاما، بهدف التوعية بأسباب ومظاهر وآثار عمل الأطفال والتسول على الفرد والمجتمع، وأيضًا الوقوف على آراء ومواقف الأطفال من العمل عمومًا وترك التعليم والانخراط في أعمال خطرة والتعبير عن هذه الآراء عن طريق الرسم.
وتبين أثناء الجلسات أن أسباب عمل الأطفال متعددة ولا تقتصر على الحالة الاقتصادية المتردية، لا سيما مع انتشار فيروس كورونا الذي أثر سلبًا على الوضع المعيشي للأسر الأقل أجرًا، ولا يعد هذا السبب الوحيد حيث تعود هذه الظاهرة إلى أسباب اجتماعية تتعلق بتوارث المهنة أو الحرفة عن الأباء والأجداد، وفي هذا السياق أشار طفل في منطقة وادي صقرة بالعاصمة عمّان أن شقيقه يعمل في النجارة لـأنها مهنة موروثة عن أبيه وقال: "أنا أخي بيروح يشتغل مع أبوي يتعلم النجارة لأنه أبوي كمان أخدها عن أبوه". أو لأسباب تتعلق بالأسرة مثل وفاة أحد الوالدين أو كليهما، وفاة طبيعية أو بسبب الحرب كما حصل مع السوريين الذين لجأوا إلى الأرْدُنّ، أو تعرض المعيل الرئيس للأسرة لإصابة عمل أدت لإعاقة تمنعه من العمل كليًا أو عجزًا نسبيًا مما يوجه الأسر -في معظم الحالات- لتشغيل الطفل لتوفير الاحتياجات الأساسية للأسرة، وفي بعض الحالات يتعرض الطفل للاستغلال من قِبَل الأهل ويُجبَر على العمل في مهن بظروف غير لائقة وخطرة على صحته الجسدية والنفسية مثل الميكانيك، والزراعة، والعمل في الشوارع والتسول.
وعلى الصعيد النفسي والاجتماعي يؤدي تجاهل اهتمامات الأطفال وعدم متابعة المستوى الدراسي للطفل من قبل الأهل ومقدمي الرعاية إلى تراجع أداء الطفل في المدرسة وتركه للتعليم، وفي السياق ذاته يعتبر التنمر في البيئة المدرسية أحد أبرز الدوافع للعملى لدى الأطفال؛ وقد يقع التنمر بين طلاب المدارس خصوصًا الفتيان لأسباب مختلفة منها الفروق في الحالة المادية، أو التحصيل الدراسي، أو حتى بناءً على الجنسية فيفضّل الطفل الانخراط بالعمل عوضًا عن الذَّهاب إلى المدرسة مع أنّ الانتهاكات العمالية والإنسانية الواقعة، ومن جهة أخرى؛ هنالك من الأسباب ما تدفع أصحاب العمل لتشغيل الأطفال ذلك لأنهم يتقاضون أجرًا أقل وغالبًا ما يكون الطفل في هذه الحالات عرضة للاستغلال.
وخلال الجلسات تبين لـ"تمكين" أن غياب الرقابة الفعالة من الجهات المعنية بعمل الأطفال يزيد من انتشار الظاهرة على نطاق واسع، إضافةً إلى ذلك ساهم التعليم عن بعد بزيادة أعداد الأطفال العاملين خصوصًا العمل في القطاعات الخطرة؛ حيث حفز التعلم عن بعد الأطفال للعمل بسبب الافتقار لمستلزمات الوصول للمنصات التعليمية ما أدى لقضاء الأطفال أوقات فراغ طويلة آثروا استغلالها بالعمل، أما بالنسبة للأطفال الذين كان بإمكانهم الوصول للإنترنت تمكنوا من العمل بسبب أوقات التعلم المرنة التي استمرت لساعات الليل المتأخرة، حيث يعمل الأطفال نهارًا ويتابعون دروسهم ليلًا، أما عن التنقل بين التعلم الإلكتروني والتعلم الوجاهي فقد سبب تضاربًا في مصالح الأطفال وأصبح سببًا آخرًا يضاف إلى جملة الأسباب الواضحة في التوجه للعمل بدلًا من التعليم، وهنا قال أحد الأطفال في منطقة ماركا الشمالية /عمّان أن التعليم عن بعد هو السبب في التحاق الأطفال بالعمل.
وبالنظر إلى المعطيات السابقة؛ ووفقًا لما قاله أطفال شاركوا في الجلسات أنهم يلتحقون بالعمل بسبب الظروف المعيشية لأسرهم حيث إن غالبية هذه الأسر تعيش تحت خط الفقر، حيث صرح طفل خلال أحد الجلسات في عمان "أنا بدي أدرس للعاشر عشان أدرس معهد مهني فندقة وما بدي كمل دراستي" وأضاف آخر في عمان أن الدراسة أصبحت بلا فائدة " الدراسة مش جايبة همها؛ الواحد يكون إله قناة عاليوتيوب بتجيب مصاري أكثر من الشغل ومن الدراسة".
وفي المقابل عبّر طفل آخر أنه من الواجب توفير سبل الحماية للأطفال وتشديد العقوبات على مشغلين الأطفال لتحقيق المصلحة الفضلى للطفل قائلًا: "لازم يكون فيه وعي من قبل الأطفال انتو بتوعونا وإحنا بنوعي غيرنا، لازم يكون في أماكن بتحافظ على الأطفال إلى بيتعرضو للإهانة والضرب، ويلجؤوا للجمعيات ومراكز التنمية، مخالفة كل واحد بيشغّل طفل".
أما في دير علا قال أحد الأطفال أنه كان يُمارس عليه انتهاكات تُضاف إلى عمله في تصليح المركبات، الذي يعد من القطاعات الخطرة وقال في هذا الجانب:" أنا كنت اشتغل بمحل تصليح سيارات 12 ساعة باليوم، ولما يكون عند سيارات كثيرة بالمحل اشتغل من 7 الصبح حتى الساعة 2.30 بالليل، وكان محددلي أجرة بالأسبوع 15 دينار، وياريت كان يعطيني إياهم ضحك علي."
وفي الجَنُوب أشار طفل أنه خسر صديقه بسبب عمل الطفل وقال: " بسبب عمل الأطفال واستهتار كثير ناس في هالموضوع أنا خسرت صديقي"
أما في الشمال قال طفل أنه كان يعمل طول اليوم ليأخذ أجرة قدرها دينارين فقط "أنا كنت اشتغل برتب بضاعة بسوبر ماركت كل يوم 2 دينار"
وعبر تحليل الرسومات التي رسمها الأطفال في الجلسات من قبل فريق تمكين تبين أن العامل المشترك بين المحافظات انتشار التسول بشكليه المبطن والظاهر والعمل في القهوة والميكانيك؛ ففي محافظات الوَسْط دلّت الرُّسُوم على التفكك الأسري مما جعل الطفل يلجأ للعمل لإعالة نفسه، وانتشار ظاهرة التسول بين الأطفال خصوصًا عند الإشارات الضوئية، وبيع الورد والعلكة والفاين، وفي واحدة من الرُّسُوم بين الطفل أنه لا يفضل الذَّهاب للمدرسة بسبب التعرض للتنمر من أقرانه، وكانت واحدة من الرُّسُوم تشير إلى مفترق طرق أمام الطفل ليعمل ويساعد إما والده في السجن أو أمه في المستشفى، كما وتطرقت إحدى الرُّسُوم لحادث دهس لطفل يعمل في قهوة ما يدل على أن الأطفال عرضة للإصابات.
أما في محافظات الشمال، فكانت غالبية الرُّسُوم عن العمل في قطاع الزراعة خصوصًا في المخيمات العشوائية في المفرق وتمحورت مخرجات الرسومات حول الرغبة في العودة للمدرسة وترك العمل في الزراعة، أما في أحد المشاهدات عبر أحد الأطفال عن رغبته في العمل بشكل أكبر ليساعد والدته، وتعددت مشاهدات لرسومات لأطفال يعملون في غسل السيارات والميكانيك.
وفي رُسُوم منطقة دير علا ظهر من خلال التحليل أن أحد الأطفال اتجه للعمل بسبب افتقاره للرعاية والحنان، وبين أطفال أخرون في رسوماتهم أنهم مجبرون على العمل من قبل ذويهم، إضافة لرسومات تبين أن أصحاب العمل يفضلون استخدام الأطفال بسبب تدني أجورهم.
أما في جرش، بين طفل أنه بسبب العمل أصبح لا يملك أصدقاء مما يسبب له الشعور بالوحدة، وأصبح يصاب بأمراض بسبب العمل ولا يستطيع أن يحصل على العلاج، وبين طفل آخر في رسمته تعرض طفل لبتر أصابعه (إصابة عمل) بسبب عمله في الحدادة –من القطاعات الخطرة-.
وفي اربد، وضح الأطفال أن عمل الطفل يؤدي لتقييد حريتهم، حيث جسد الأطفال طفلا يبيع في حديقة ويتمنى اللعب مع الأطفال، وطفل أخر تعرض لإصابة عمل وبتر أصابعه بسبب ماكنة الفلافل.
أما في الجَنُوب فبيّنت الرُّسُوم الانتهاكات الواقعة على الطفل العامل؛ حيث يتعرض للعنف من صاحب العمل، ورسم طفل آخر طفلا يعمل في تحميل وتنزيل الطوب والأعباء الجسدية التي تقع على كاهله، وبين طفل في أحد الرُّسُوم تمني الطفل العامل للموت بسبب الضغوطات التي تمارس عليه.
وخلال الجلسات جمع فريق تمكين رُسُوم الأطفال وجمعها في كُتيب واحد بعنوان "من عيونهم"، ويمثل كيف يرى الأطفال العمل وخطورته على الأطفال عمومًا وفي قطاعات عمالية مختلفة حسب فهمهم للموضوع عن طريق تعبيرهم بالرسم عن القضية.
تجدر الإشارة أن جمعية تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان تٌنفذ برنامجًا حول مكافحة عمل الأطفال والتسول بعنوان "التخفيف والحد من أشكال عمل الطفل في القطاعات الخطرة في الأرْدُنّ" في مناطق وَسْط وشمال وجنوب المملكة. ويهدف البرنامج إلى تعزيز القدرات المحلية نحو تحقيق بيئة تتسم بالوقاية والحماية من عمل الأطفال؛ حيث جرى تطوير فكرة البرنامج حول بناء قدرات العاملين على الحماية من عمل والطفل والتسول وعلى مبدئي الحماية وتعزيز سبل العيش بالشراكة مع جمعيتي حماية الأسرة والطفولة في إربد وجمعية الملكة زين الشرف التنموية في المفرق.
هذا البرنامَج ممول من البرنامَج الأوروبي الإقليمي للتنمية والحماية لدعم لبنان، الأرْدُنّ والعراق (RDPP II) هو مبادرة أوروبية مشتركة، والبرنامَج هو بدعم من جمهورية التشيك، الدنمارك، الاتحاد الأوروبي، أيرلندا وسويسرا.
وعليه يُنَفَّذ البرنامَج ضمن أنشطة متعلقة بالحماية مثل خدمات الدعم القانوني وتطوير القدرات المعرفية والمؤسسية للجهات الحكومية العاملة على مكافحة عمل الأطفال والتسول وهي وزارة العمل، ووزارة التنمية الاجتماعية، إَضافةً إلى استهداف المعنيين في كلا من وزارة العمل والأمن العام في ورشات عمل من شأنها رفع القدرات المعرفية بعمل الطفل والتسول وكيفية حماية الأطفال المعرضين للعمل والتسول وإنفاذ القانون على المشغلين ومستغلي الأطفال في الأعمال الخطرة ومنها التسول، وعلى الصعيد الآخر يُعنَى البرنامج بتقديم خدمات رفع الوعي والحماية للأطفال العاملين وذويهم، ويلقي الضوء على قضيتي العمل والتسول في الإعلام وحملات كسب التأييد التي يأتي في سياقها تحديث الاستراتيجية الوطنية للحد من عمل الطفل وخطة العمل الوطنية المرتبطة بتحديث الاستراتيجية.











































