تشهد الساحة السورية "عودة إلى البداية"، على ما كانت عليه منذ اندلاع الثورة فيها عام 2011، بعد أن شنت فصائل المعارضة السورية هجوما واسعا على قوات النظام، الأربعاء 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري لتسطير على مدينة حلب خلال أيام قليلة..مما أثار تساؤلات حول سر الهجوم الخاطف والتوقيت عقب وقف إطلاق النار في لبنان.
1-ماذا حدث؟
شنت فصائل المعارضة السورية هجوما واسعا على قوات النظام، الأربعاء 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، عبر قناتها على منصة "تليغرام"، واصفةً إياه بـ"ردع العدوان"، مدّعيةً أنه جاء ردًا على القصف المدفعي من قبل قوات الجيش السوري النظامية.
وسيطرت قوات المعارضة في هذا الهجوم على أكثر من 13 قرية، بما في ذلك بلدتا أورم الصغرى وعينجارة الإستراتيجيتان، بالإضافة إلى الفوج 46، أكبر قاعدة للنظام السوري في غرب حلب، لتسيطر خلال 3 أيام على كامل المدينة وتتقدم تجاه مدينة حماة.
تتكون المجموعة المقاتلة الجديدة من مجموعة واسعة من قوى المعارضة، من الفصائل الإسلامية بقيادة "هيئة تحرير الشام"، وهي جماعة تابعة لتنظيم القاعدة في سوريا كانت تُعرف سابقًا باسم جبهة النصرة.
وأعلنت هذه الفصائل أن الهجوم ياتي ردا على الهجمات المتصاعدة من قبل النظام السوري والميليشيات الإيرانية، لكن التوقيت حاسم أيضاً، حيث تركز روسيا، الداعم الرئيسي لسوريا، على أوكرانيا بينما يعاني حزب الله وإيران من ضعف بسبب الحرب مع اسرائيل.
2-ما أهمية مدينة حلب
بدخولها إلى مدينة حلب، لا تغيّر فصائل المعارضة السورية المسلحة خرائط السيطرة على الأرض فحسب، بل تُحدث نقطة تحول ما قبلها لن يكون كما بعدها، على صعيد مشهد سوريا السياسي والعسكري والاقتصادي.
حلب تعتبر واحدة من أكبر المدن التي تعاني من تهجير كبير للسكان بسبب النزاعات الداخلية في سوريا. العديد من السكان هجروا أو لجأوا خارج البلاد بسبب الحروب والاضطرابات السياسية. هذا ما يؤكد عليه الباحث عبد الوهاب عاصي من مركز "جسور للدراسات".
وتكمن أهمية حلب أولا كمدينة صناعية، إذ تضم مدنا كاملة وضخمة، بينها العرقوب، والكلاسة، والشيخ نجار.
3- لماذا هذا التوقيت؟
هجوم المعارضة السورية وتوقيته وسرعة تحركها أمام قوات النظام تثير تساؤلات، لا سيما أن ذلك أتى بعدما أعلنت إسرائيل وحزب الله الموافقة على بنود المفاوضات التي طرحتها إدارة بايدن لوقف الحرب.
وتحدث مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، عن دلالة توقيت الهجوم على الجيش السوري.
وأشار عبد الرحمن إلى أن تقدم الفصائل المسلحة "هو الأول منذ عام 2020"، وأوضح أن "المعركة خطط لها هيئة تحرير الشام بدعم من جهة خارجية غير معروفة منذ عدة أشهر. هذه الجهة قد تكون الولايات المتحدة أو غيرها، وهي التي أعطت الضوء الأخضر للهيئة".
وأضاف: "اختير التوقيت بعد وقف الحرب في لبنان (في إشارة إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله) فانطلقت المعركة في إدلب. هذا التزامن ليس مصادفة".
وأكد عبدالرحمن أن "ضباطًا من أوروبا الشرقية كانوا يدربون هيئة تحرير الشام على استخدام الطائرات المسيّرة في المنطقة قبل المعركة".
وأوضح عبدالرحمن أن "المعركة كانت معدّة لتبدأ بمجرد حدوث حرب في جنوب سوريا، إذا فكرت إسرائيل في اجتياح القنيطرة وريف درعا الغربي وريف دمشق الجنوبي الغربي، لكنها بدأت بعد وقف الحرب في لبنان".
وعن أهداف "الجهات الخارجية" التي ذكرها عبد الرحمن، يرى أنها "إعادة خلط الأوراق داخل الأراضي السورية".
واختتم قائلاً: "إذا كان لتركيا دور في الموضوع، فقد تحاول الضغط على النظام السوري للدخول في حوار".
4- ما مصير درعا المتاخمة للحدود الشمالية الأردنية؟
في الجنوب السوري..دعت بيانات الفصائل السورية المعارضة الجيش السوري إلى الانسحاب من درعا قبل استهداف حواجزه فيها، وخرجت مظاهرات في عدة مناطق بمحافظة درعا تأييدًا لعملية “ردع العدوان” التي أطلقتها فصائل المعارضة تعرضت واحدة منها لإطلاق رصاص من قبل قوات النظام.
يقول الكاتب والمحلل الأردني ماهر أبو طير في مقال له في صحيفة الغد "الأردن قريب وبعيد من هذه النار، لكن حدودنا الشمالية مع سورية، إذا صحّت التفسيرات السابقة، ومناطق جنوب سورية، فهي أمام وضع قد يتم تفجيره في أي لحظة".
تتخوف المملكة من توتر الأوضاع في جنوب سوريا مما قد ينذر بموجة جديدة من اللاجئين اذ استضاف الأردن منذ بداية الحرب في سوريا نحو 1.3 مليون شخص، بينهم 676 ألفاً يحملون صفة لاجئ وطالب لجوء مسجّلين في المفوضية.
تمتد الحدود الاردنية السورية الى ما يقارب 375 كم من الجولان شمالا حتى الحدود العراقية الأردنية السورية أو ما يعرف بالبادية السورية حيث تقع قاعدة "التنف" العسكريّة التي تقع على المثلّث الحدوديّ العراقي-السوري-الأردني من وهي النقاط الاستراتيجيّة لقوّات التحالف الدوليّة في سوريا.
التخوف الأردني لا يكمن في موجات اللجوء فقط، اذ تحولت مناطق الجنوب السوري لفوضى ولّدت الكثير من الفلتان، وأنشأت جزراً خطيرة للمخدرات والسلاح والتطرف، على طول هذه الحدود، التي استطاع الأردن التعامل معها طيلة هذه السنوات.
عانت الأردن من إغلاق متكرر للحدود وحوادث أمنية تسببت إغلاق الحدود مع سوريا، وانتشار الجماعات المسلحة في الجنوب السوري وعلى معبر جابر- نصيب، الذي تداول على السيطرة عليه منذ عام 2015 مجموعات مسلحة مختلفة، حتى سيطر النظام بالكامل على كامل الحدود مع الأردن، من خلال اتفاق مع أهالي درعا نجم عنه تسليم سلاحهم.
وتخضع درعا لسيطرة النظام منذ تموز 2018، بعد إجراء “تسوية” برعاية روسية، إلا أن النظام لم يستطع إحكام قبضته على المحافظة خاصة في درعا البلد والريف الغربي.