أزمة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون: خبايا وأسرار!

الرابط المختصر

أخيرا لاح في الأفق بوادر حلحلة لازمة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، بموافقة المدير العام محمد نجيب الصرايرة على طلب لرئيس الوزراء بـ"توقفه عن الدوام" إلى حين انتهاء عقده في أيلول القادم. هذا القرار، أو بالأحرى "التخريجة" جاءت حلا للخلاف الدائر منذ خمسة شهور إثر قيام رئيس الوزراء السابق فيصل الفايز بتعيين الصرايرة مديرا عاما للمؤسسة دون إستشارة، أو حتى علم، رئيس مجلس الإدارة مصطفى حمارنة.

وكشفت مصادر في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون أن الصرايرة كان قد قدم استقالته مؤخرا وتراجع عنها إثر لقاء غير رسمي مع رئيس الوزراء عدنان بدران، حضره جرير مرقة، إعلامي في التلفزيون، وحيدر محمود، إعلامي ووزير سابق ولانا مامكغ، معدة برنامج "لقاء" في التلفزيون.

بيد أن اللقاء أسفر فقط عن تهدئة مؤقتة للأزمة حيث عادت رئاسة الوزراء وطلبت من الصرايرة "التوقف عن الدوام" حتى تاريخ انتهاء عقده في الخامس عشر من أيلول المقبل، تدل المؤشرات المتجمعة أن العقد لن يتجدد.

الأزمة تجلت خلال الشهور الخمسة الماضية بامتناع حمارنة عن "الدوام" في المؤسسة ورفضه عقد اجتماعات مجلس الإدارة. ما عرضه إلى حملة انتقادات عنيفة من قبل الصحافة. وبغياب الصرايرة أنهى حمارنة "حرده" وعاد إلى المؤسسة ليشرف بنفسه على عمل مختلف أقسام التلفزيون.

لكن الصرايرة الذي حشد عاملين في التلفزيون، وحتى في الصحافة، لدعم موقفه خلال الأزمة، لم "يحرد" وحيدا، فقد تضامن معه حيدر محمود وجرير مرقة وأوقفا برنامجيهما "الديوان" و"حديث الثلاثاء".

ويفسر حيدر محمود وقف برنامجه بأكثر من سبب. "لي وجهة نظر في التغييرات السريعة التي حصلت في التلفزيون، تماما كالتغييرات التي تحدث في الحكومات عندنا في الأردن، يعني كلما تغيرت حكومة يأتي معها برنامج جديد مختلف عن الآخر. أنا ضد التغيير المفاجئ".

ويضيف: "أنا تفاهمت مع د. الصرايرة على نقطة، وقد لا يمكن التفاهم مع غيره. لم أجرب ولم يكن هناك حديث، لم يحدث أي حوار بيني وبين الذين جاؤوا من بعد. كما أنه ليست لدي الرغبة بالظهور على التلفزيون، لا أريد النجومية الشخصية".

ويؤكد محمود أن المسألة ليست مسألة أشخاص، بل مسألة نهج. "ليس عندي شخص مقدس. هي مؤسسة يجب أن تكون للوطن، صحيح تشرف عليها الحكومة لأنه لا يوجد قطاع خاص، وإلا لكان النقاش مختلفا، لكن طالما أنه لا يوجد في الأردن قنوات خاصة لا نستطيع أن نقارن بأي قناة فضائية أخرى، حتى القنوات الخاصة تابعة لمن يملكها، وجهات النظر تتحدث حسب صاحبها، يعني لا يوجد حرية مطلقة".

ويرى أنه ليس هناك ما يسمى بالإعلام الرسمي والإعلام الخاص في الأردن، وحتى في أكبر دول العالم كأمريكا مثلا. "عندما تمر الدول بظروف صعبة يصبح الإعلام كله رسميا، بمعنى أنه يعرض وجهات النظر الرسمية مع مساحة كافية من الحرية في أمور لا تمس الوطن الرئيسية الكبيرة".

"الآن ليس في الأردن محطات فضائية خاصة، لدينا محطة فضائية واحدة تملكها الدولة، وعندما أقول الدولة أقصد أنها تمول من قبل الحكومة، ومن حق الحكومة التي هي جزء من الدولة أن يكون لها صوت مسموع في هذه المحطة. وحتى لو كان الإعلام خاصا، أي أنه مملوك من قبل شركات معينة، من حق الدولة ممثلة بالحكومة أن يكون لها مساحة معينة لقول رأيها لأنها تمثل رأي الدولة، والدولة هي الوطن والنظام".

ومن حق الدولة ممثلة بالحكومة، بحسب محمود، أن تقول رأيها. "ومن حق أي معارض أيضا أن يقول رأيه، لكن بأسلوب حضاري وليس بأسلوب مناكفات. نستمع أحيانا لمن يسمون أنفسهم بالليبراليين أو الإصلاحيين، أو سمهم ما تشائين. نحن كلنا إصلاحيون، من قال أننا ضد الإصلاح. لا أحد في هذا الكون ضد الإصلاح، لكن أي إصلاح نريد؟".

ويقول زير الإعلام السابق: "المفروض الآن أن نعيد النظر ونعطي لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون، ليس استقلالية... أنا ضد مجالس الإدارة بالمناسبة. الإعلام الأردني لو بقي وزارة إعلام فقط تشرف على الأجهزة المعروفة وهي الإذاعة والتلفزيون. الآن تشرذمت وزارة الإعلام إلى عشرين وزارة، لا يوجد جهة واحدة ترجعين لها. هذا هو المؤرق والمستفز في آن معا".

يؤكد حمارنة أن الموضوع لم يكن شخصيا أبدا. "كان هناك خلاف في جوهر رسالة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، هل هي مؤسسة حكومة أم دولة؟ وهل هي لكل الناس أم فقط للحكومة، بمعنى رفع سقف الحريات وفتح المؤسسة للمشاركة السياسية لكل ألوان الطيف السياسي الأردني. يجب أيضا أن نكون رقباء على ما تقوم به الحكومة وغيرها ونقدم إنجازات الحكومة أيضا".

"لم نشخصن المسألة إطلاقا. لم أرد في البداية على كل ما كان يقال لأنني كنت أعتقد أن الوقت لم يحن وقت الرد بعد لأننا كنا في مفاوضات دقيقة وحساسة مع أجهزة الدولة المختلفة بشأن الرؤية. واعتقدت في حينها أن أي تصريح سيؤثر على مسار المفاوضات. الشفافية شيء والتسريب الانتقائي المنقوص شيء آخر".

ويوضح رئيس المجلس أن الخلاف بدأ بتعيين مدير عام دون استشارة مجلس الإدارة. "لكن فيما بعد لم نستطع الاتفاق على برنامج عمل. مجلس إدارة المؤسسة هو الذي يضع الرؤية واستراتيجية العمل. الإدارة التنفيذية تنفذ هذه الرؤية بهامش واسع من المرونة. لكن الإدارة التنفيذية تكون قد خالفت القوانين والأنظمة المعمول بها إذا لم تلتزم بالرؤية التي وضعها مجلس الإدارة. وهذا ما حدث".

وعما إذا كان هناك خشية من أن تعود وتتغير الأمور بتغير الحكومة، يقول الحمارنة أن المطلوب تقييم ما جرى. "هناك عنصر مخاطرة في كل شيء. من الواضح تماما أن ما تم التراجع عنه من رؤية مجلس الإدارة في العام الماضي من قبل الإدارة التنفيذية التي تعينت، من الواضح أن الدولة قررت مرة أخرى أن تأخذ بوجهة نظر مجلس الإدارة ورؤيته الاستراتيجية للتحديث والتطوير، وهو رفع سقف الحريات والمشاركة السياسية وغيرها".

"أعتقد أن ما حدث هو شيء مهم على صعيد الإنفراج السياسي في حياتنا وعلى صعيد تعميق الديمقراطية".



وينفي الحمارنة ارتباط شؤون التلفزيون بمواقف الحكومات المتعاقبة. "ما حدث هو أن جلالة الملك كانت لديه الرغبة الإرادة السياسية أن نمشي في هذا الاتجاه، وهو الاتجاه الذي عبر عنه مجلس الإدارة عندما وضع الإستراتيجية في شهر آب وأيلول من العام الماضي".



قيل وكتب الكثير عن أزمة حمارنة - الصرايرة في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، فوصفها البعض بأنها سيناريوهات محتملة لصراع سياسي بين "الإصلاحيين والمحافظين" وخلاف على "استقلالية المؤسسة عن السيطرة الحكومية"، فيما وصفت من قبل آخرين بأنها صراع شخصي بين "مصالح فردية متضاربة". آخرون قالوا فيها أنها خلاف محدود على آلية العمل والإدارة المالية.



تأويلات وقصص مختلفة يرويها كل حسب أهوائه ورؤاه، لكن الثابت والمعلوم الوحيد هو أن الصراع لم يأخذ شكلا مؤسساتيا، فهو إذ عطل عمل واحدة من أهم المؤسسات الوطنية وأربك جمهور العاملين فيها وتسبب في تقليص ثقة المواطن بهذه المؤسسة فقد تسبب أيضا في هدر للمال العام.

فبعد أن اختار رئيس مجلس إدارة المؤسسة أن "يحرد" ويمتنع عن عقد اجتماعات المجلس لخمسة شهور كاملة، تاركا المدير العام يتفرد في القرار ويزيح من يشاء من معدي البرامج ويستبدلهم بمن يحلو له، والثمن كان الفوضى الإدارية التي عمت التلفزيون لشهور عديدة.



وها قد جاء دور المدير العام في "الحرد" وتوقف عن الدوام وأداء مهامه في المؤسسة إلى حين انتهاء عقده، أي بعد ثلاثة شهور، لكن راتبه الذي يصل إلى ثلاثة آلاف سيبقى جاريا.



وها هو المدير العام، الذي رفع شعار تقنين مصروفات المؤسسة، يتناوب في "الحرد" ويتوقف عن الدوام وأداء مهامه في المؤسسة إلى حين انتهاء عقده، أي بعد ثلاثة شهور، لكن راتبه الذي يصل إلى ثلاثة آلاف دينار شهريا سيبقى جاريا.

"لا شك أن في هذا هدرا للمال العام"، يقول حمارنة. "لكن الأزمة كانت أكبر من الـ400 دينار التي أتقاضاها. كنا نتفاوض على شيء كبير جدا مع الحكومات، وفعليا لم نكن متوقفين عن العمل. كنا كل يوم أو يومين أو ثلاثة نعقد اجتماعا لتفسير رؤية والحديث عنها والمفاوضات. ثالثا، لم نوقف القضايا الأساسية في عمل المؤسسة. ما حدث أنه لم يعد مقبولا، سياسيا ومهنيا، بالنسبة لي على الأقل، الاستمرار في عملي في ظل تشكيك الإدارة التنفيذية في كل ما عملناه".



ويضيف: "كل ما قيل عن كلفة الشاشة 200 أو 400 ألف لا أساس له من الصحة إطلاقا. كل محاضر جلسات مجلس الإدارة مفتوحة لكل إنسان ليرى أن كل ما أعلن عن إنفاق وهدر وأموال طائلة لا علاقة له بالموضوع وما هي إلا تصريحات مغرضة".

أضف تعليقك