أخطاء في نصوص قانون التنفيذ تحبس المدين أبدياً

الرابط المختصر

ما كان يوما أن يكون القانون معارضا لنصوصه ذاتها، قبل أن يعارض الاتفاقيات الدولية التي وقع عليها الأردن، لكن هذا هو حال قانون التنفيذ رقم 36 لسنة 2002 وتعديلاته المعارض للمادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والاقتصادية، وتعارض نصوصه فيما بينها.

حبس المدين مخالفة صريحة لأبسط قواعد حقوق الإنسان ومع ما وقع عليه الأردن من اتفاقيات دولية، هذا ما خلصت له دراسة أعدها مؤخرا مركز الجذور للاستشارات وحقوق الإنسان، وفيها استعرض جملة تناقضات لمواد القانون وتناقضها مع ما وقع عليه الأردن من بنود في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والاقتصادية.

حبس "المدين" يتناقض مع المادة 11 من العهد الخاص بالحقوق السياسية والمدنية التي تنص على "لا يجوز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي"، وحيث أن المادة 22/أ من قانون التنفيذ التي تنص على "يجوز للدائن أن يطلب حبس مدينه إذا لم يسدد الدين أو يعرض تسوية تتناسب ومقدرته المادية خلال مدة الإخطار على أن لا تقل الدفعة الأولى بموجب التسوية عن 25% من المبلغ المحكوم به".

قد يمضي المدين عقوبة الحبس مدى الحياة فيما إذا كان مديناً لنفس الشخص أو الجهة أو لأربع أشخاص أو جهات، حيث يعاقب بالحبس بما لا يتجاوز الثلاث شهور عن كل دين، فإذا كان الإنسان متعثراً مالياً فكيف له أن يسدد أو يعمل على تسوية ضمن قدراته، وفق رئيس الدائرة القانونية في مركز الجذور للاستشارات وحقوق الإنسان، مصلح فرح.

ويرى المحامي فرح في الدراسة، إنه إذا كان مدينا بأربع قضايا دين أو أكثر سواء لنفس الشخص أو الجهة أو في حال تعددها وبكلمات أخرى فإن هذه النصوص تقضي بعقوبة الإنسان بعقوبة أكثر وأشد من عقوبة جريمة القتل أحيانا.

يذهب فرح بالقول إلى وجود مصائب في قانون التنفيذ، "ليس فقط في موضوع التبليغات والاستئناف إنما هناك في كيفية مطالبة المدين بأن يأتي بكفيل مليء وهو متعثر بمائة دينار، إضافة لاستثنائه موظفي الدولة من الحبس".

المطلوب وفق الناشط الحقوقي الدكتور فوزي السمهوري، هو إلغاء قانون تنفيذ بالكامل، "إعادة النظر بطريقة التبليغات بحيث تكون شخصية والاستئناف دون عوائق، وأيضا يجب على الدائن أن يثبت ملائمة المدين واللجوء إلى تحسين العمل من أجل العدالة". ويطالب في أن تكون المدة الممنوحة لغايات الاستئناف خلال شهر تلي تاريخ التبليغ وثلاث شهور في حال كان التبليغ بواسطة الإلصاق أو النشر وذلك لحين إلغاء طريقة التبليغ المذكورة المجحفة بحق المواطنين.

وللخروج من عنق الزجاجة، يقترح المحامي أسامة شحادة والذي عمل سابقا مديرا للدائرة القانونية في أحد البنوك الكبرى في الأردن، تشكيل ثلاث لجان لمتابعة التعديلات والإشراف على مواءمتها مع الاتفاقيات الدولية، وهي لجنة صياغة ولجنة الفقه ولجنة القضاء، وقبل صدور النص القانوني يجب أن تتم موائمته مع الحالة الاجتماعية مع المملكة.

أحوال شخصية

على أرض الواقع، خسر المواطن شاهر عورتاني حياته الطبيعية بعد سجن دام لأكثر من 15 شهرا جراء عدم التزامه بسداد التزامته، ما حدة بالبنك إلى حبسه، وخلال هذه المدة، "حجزت حريتي، وانكسرت مؤسستي، وتأثر أبنائي، ولم يستطع ابنتين لي من إكمال تعليمهن الجامعي لولا استعطاف إدارة الجامعة بعد فترة عليهن".

من الأهمية بمكان إلغاء عقوبة الحبس "وخاصة أنها تأتي بطلب من الدائن" و ذلك احتراماً للعهد الخاص بالحقوق السياسية والمدنية والتي صادق عليها الأردن وتم نشرها في الجريدة الرسمية في حزيران 2006 التي توجب على الدول الأطراف الموقعة على العهد العمل بمضمون وأحكام العهد المذكور.

تعارض نصوص القانون ذاتها

والأمر الأكثر غرابة على ما يراه الناشطون هو تعارض مواد في ذات القانون فالمادة 22/ج: تنص على "لا يجوز أن تتجاوز مدة الحبس 90 يوماً في السنة الواحدة عن دين واحد ولا يحول ذلك دون طلب الحبس مرة أخرى بعد انقضاء السنة". أما المادة 22/د: تنص على"يمكن استمرار الحبس بعد القضاء مدته من أجل دين آخر وذلك بناء على طلب الدائن نفسه أو دائن آخر".

استمرار الحبس وتكراره لكل عام يتناقض أيضاً بالإضافة لما ذكر مع المادة 14/7 من العهد الخاص بالحقوق السياسية والمدنية التي تنض على "لا يجوز تعريض أحد مجدداً للمحاكمة أو للعقاب على جريمة سبق أن أدين بها أو برئ منها بحكم نهائي" فالقانون يكرر العقوبة كل عام في حال تعذر المدين سداد دينه.

كما ان حبس المدين أيضاً يتناقض مع المادة 11/1 من العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمنشور أيضاً في الجريدة الرسمية بحزيران 2006 التي تنص على "تقر الدول لأطراف في هذا العهد بحق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية، وتتعهد الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة لإنفاذ هذا الحق".

فكيف لإنسان يقضي عقوبة الحبس أن يعمل على تأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة الأساسية لأسرته، وكيف له، أن يمارس حقه بتحسين ظروفه المعيشية، وكيف له أن يبدأ بتسديد ديونه و هو نزيل في السجن دون عمل او معين.

والأمر الأكثر غرابة على ما يراه الناشطون هو تعارض مواد في ذات القانون فالمادة 22/ج: تنص على "لا يجوز أن تتجاوز مدة الحبس 90 يوماً في السنة الواحدة عن دين واحد ولا يحول ذلك دون طلب الحبس مرة أخرى بعد انقضاء السنة". أما المادة 22/د: تنص على"يمكن استمرار الحبس بعد القضاء مدته من أجل دين آخر وذلك بناء على طلب الدائن نفسه أو دائن آخر".

استمرار الحبس وتكراره لكل عام يتناقض مع المادة 14/7 من العهد الخاص بالحقوق السياسية والمدنية التي تنض على "لا يجوز تعريض أحد مجدداً للمحاكمة أو للعقاب على جريمة سبق أن أدين بها أو برئ منها بحكم نهائي" فالقانون يكرر العقوبة كل عام في حال تعذر المدين سداد دين، وفق الدارسة.

كما ان حبس المدين أيضاً يتناقض مع المادة 11/1 من العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمنشور أيضاً في الجريدة الرسمية بحزيران 2006 التي تنص على "تقر الدول لأطراف في هذا العهد بحق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية، وتتعهد الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة لإنفاذ هذا الحق".

مكابدة للخسائر

يتساءل المحامي فرح: هل الفرد وحده هو المعرض لأن تتعثر ظروفه و يمر بضائقة مالية أم أن المؤسسات المالية والشركات الكبرى أيضا قد تتعرض لأكثر مما يتعرض له الفرد ومن ناحية اجتماعية فإن حبس الإنسان قد يدفع ببعض أفراد أسرته إلى سلوك غير سوي لتأمين بعض متطلبات الحياة الأساسية.

يشاطره الرأي، شاهر العورتاني، ويقول أنه خسر رصيدا من حياته في السجن، إضافة إلى الصورة السلبية بين مجاوريه وعموم عائلته.

 

المادة 23/أ/1: تنص على "لا يجوز الحبس لموظفي الدولة". ويسجل فرح نقطة في كون هذه المادة تشكل انتهاكاً للمادة السادسة من الدستور التي تنص على أن "الأردنيون أمام القانون سواء" فكيف للقانون بالرغم معارضتنا من حيث المبدأ لعقوبة الحبس أن يستثني شريحة من المواطنين من الخضوع تحت القانون بالرغم من أي مبررات فالقانون من حيث المبدأ يجب أن لا يتناقض مع الدستور.

بخصوص الإخطار (التبليغات):المادة 14/أ: تنص على "يجب تبليغ إخطار إلى المدين قبل المباشرة في التنفيذ".، ويقول السمهوري إن آلية التبليغ المتبعة "تلحق أذى وإجحافاً بحق مواطنين نتيجة لسوء استخدام بعض المحامين الذين يلجأون إلى التبليغ بواسطة النشر لعلمهم أن الكثير من المواطنين لا يقرؤون الإعلانات وذلك بهدف إكساب الحكم "حكم الحبس والإعلام" الصفة القطعية وعدم تمكين المدين من عرض تسوية حسب مقدرته ودخله، كما أن التبليغ أيضاً بواسطة الإلصاق يلحق أيضاً ظلماً فادحا فربما لم يجد ورقة التبليغ".

المادة 15: تنص على "تكليف المدين بالوفاء خلال سبعة أيام تلي تاريخ التبليغ". و يتساءل القائمون على الدراسة عن كيف يكون المدين مقتدراً على الوفاء بالدين خلال سبعة أيام حتى ولو كان التبليغ شخصياً وليس بالنشر" وهل من الممكن ولو افترضنا أن المدين يملك عقاراً أن يتمكن من بيع العقار خلال اقل من 7 أيام إذن فالمقصود من هذه المادة هو الوصول إلى طلب الحبس والذي كما ذكرنا يتناقض مع التزامات الأردن الدولية ومع العهد الخاص بالحقوق السياسية والمدنية وفقاً للمادة 11.

أما الاستئناف، فالحال ليس بأحسن، إذ وفق المادة 20/أ: تنص على "يكون القرار الذي يصدره الرئيس قابلاً للطعن أمام محكمة الاستئناف خلال 7 أيام تلي تاريخ تفهيمه أو تبليغه"، وهذا ما يسجله المحامي أسامة كنقطة تقوض من العدالة الجنائية وتنعكس سلبيا على المواطنين. فيما ترى دراسة مركز الجذور في "أن المدين يفقد حقه الطبيعي بالاستئناف إذا تم تبليغه بواسطة النشر ولم يتسنى له قراءته أو العلم به، وفي هذا انتهاك لحق الإنسان باستئناف الحكم ضمن ظروف طبيعية و دون عقبات أخرى.

المادة 20/ب: تنص على "إذا كان الاستئناف يتعلق بقرار حبس فيتوجب على المحكوم عليه أن يرفق مع استئنافه كفالة من كفيل ملئ يوافق عليه الرئيس لضمان الوفاء".

ضرورة إلغاء القانون

ويوصي المركز بضرورة إلغاء المادة 22/أ من قانون التنفيذ والتي تجيز للدائن حبس المدين وذلك احتراماً والتزاماً بالمادة 11 من العهد الخاص بالحقوق السياسية والمدنية. مقترحا أن يتم استبدال عقوبة الحبس بالاكتفاء بالحجز على ممتلكات والأموال غير المنقولة للمدين وعلى حسم جزء من دخل المدين سواء كان راتباً أو من الدخل المتأتي له عن ممارسة عمله وذلك وفقاً لمقدرته المالية.

والتوصية الثانية، تطالب بوجوب تحمل الدائن مسؤولية قراره الفردي والذاتي بمنح المواطن أو التاجر قرضاً أو بيعاً لأجل. والتوصية الثالثة هي النظرة الشمولية لإلغاء المادة 22 التي تلحق ظلماً بالمواطن المدين والتي في حال بقاءها قد تعرض الإنسان لعقوبة الحبس أضعاف العقوبة في حال ارتكابه جناية إذ قد تصل عقوبة الحبس للمدين مدى الحياة إذا ما كان مدينا لأربع جهات مختلفة أو بأربع ديون لأن العقوبة متكررة و تصل الى ثلاثة شهور عن كل دين.

وتطالب الدراسة بإلغاء المادة 23/أ/1 لأن بقاءها يشكل انتهاكا للمادة 6 من الدستور التي تنص على أن المواطنين سواء أمام القانون فهذه المادة تستثني موظفي الدولة من عقوبة الحبس، إضافة إلى أنها تتعارض مع المادة 11 من العهد الخاص بالحقوق السياسية والمدنية التي لا تجيز حبس إنسان لعجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي.

وتقترح الدراسة القانونية لعمل على تعديل المادة 14/أ بحيث تحدد طريقة التبليغ بأن يكون شخصياً أو بواسطة المحامي الذي كان يترافع أثناء سير القضية في المحاكم الحقوقية، وذلك حتى نتجنب الالتفاف والتحايل بطريقة التبليغ سواء عبر النشر بالصحف أو الإلصاق، ولمعرفة الكم الهائل من التبليغات بواسطة النشر لنا أن نقدر حجم المشكلة و ذلك بالرجوع إلى الإعلانات المنشورة في الصحف اليومية.

توصي الدراسة على ضرورة تعديل المادة 15 التي تنص على "تكليف المدين بالوفاء خلال سبعة أيام تلي تاريخ التبليغ" فكيف لمدين أن يتمكن من الوفاء بتسديد الدين خلال أسبوع وفي الحقيقة خلال 5 أيام عمل، على فرض أن المدين يملك عقاراً على سبيل المثال فهل بإمكانه بيع عقاره أو أن يتمكن من الحصول على قرض أو مبلغ من قريب أو صديق ، و من سيقرض متعثرا مؤسسة أو فردا.

"المطلوب أن يتم تمديد المدة الزمنية بحيث لا تقل عن 6 أسابيع قبل البدء بإجراءات التنفيذ على الأموال المنقولة وغير المنقولة للمدين أو الحجز على جزء من راتب ودخل المدين في حال عجزه عن الوفاء بتسديد الدين"، وفق المحامي فرح.

حق الاستئناف للمحكوم هو حق طبيعي وأساسي و هذا يتطلب إزالة العوائق و العقبات من حيث الرسوم والكفالة فكيف لمحكوم مدين أن يدفع رسوم لاستئناف وأتعاب محام يتابع قضيته أثناء الاستئناف أو القدرة على تأمين كفالة تكون في حالات كثيرة مستحيلة في حال طلب كفيل له عقار أو كفيل مليء فهذا يعني تنفيذ حكم الحبس لعدم القدرة فالمطلوب إذن تمكين المدين من استئناف الحكم مجاناً و دون عوائق و عراقيل، على ما ذهبت عليه آخر توصية من الدراسة.

ترى اللجنة القانونية في مركز الجذور بوجوب تعديل قانون التنفيذ رقم 36 لسنة 2002 وتعديلاته بما ويتلاءم مع العهدين الخاصين بالحقوق السياسية والمدنية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، خاصة و أن العالم آخذ باستبدال عقوبة الحبس على خلفية ارتكاب جنح وجنايات بعقوبات بديلة فما هو الحال إذا كانت عقوبة الحبس لمدين ضاقت به ظروف الحال.

هذا ومن المقرر أن يرسل المركز دراسته تلك إلى وزارة العدل والمجلس القضائي الأردني لقراءتها واتخاذ الخطوات الفعلية المتعلقة بإلغاء القانون أو على إحداث التعديلات عليه أو تجميدا فقرات متعارضة مع الاتفاقيات الدولية.

يشار إلى أن آخر تقرير صدر للمركز الوطني لحقوق الإنسان حول أوضاع حقوق الإنسان في الأردن لعام 2009 احتوى على قائمة مؤلفة من 38 قانونا ونظاما، طالب المركز بتعديلها أو إلغاءها ورغم طول القائمة إلا أنها خلت من ذكر قانون التنفيذ.