أخبار الظهيرة: أي أسلوب تحرير يتبعه التلفزيون وما هي رسالته؟

الرابط المختصر

المتابع لأخبار التلفزيون الأردني قد تتملكه الحيرة في الكيفية التي تحرر فيها النشرات الإخبارية أو فلسفة التحرير، إذا ما كان هنالك من فلسفة ما أو طريقة تحرير موحدة.في نشرة أخبار الساعة الثانية عشرة ظهرا، ليوم الأحد (24/7)، التي بدت كموجز وليس كنشرة، وهذه أولى الملاحظات، تناولت بضعة أخبار فيما تجاهلت أخبارا رئيسة وخاصة المحلية منها.تناولت النشرة أخبارا عن الوضع الفلسطيني والتطورات الميدانية في العراق وآخر تطورات تفجيرات لندن، وأخيرا خبر مطول عن المكوك الفضائي ديسكفري الذي سيطلق إلى الفضاء الثلاثاء.

بدأ مقدم النشرة بأخبار مطولة عن الوضع الفلسطيني، وخاصة عملية الجهاد الإسلامي، التي وقعت ليلة السبت، ثم ردود الفعل عليها وتصريحات لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شمعون بيرز حول رفض إسرائيل الانسحاب من مجمع مستوطنات قريبة من القدس والتي سيضمها الجدار العازل.

ومع كل التقدير لأهمية الخبر هذا لكي يحتل صدارة النشرة في ضوء حصول العملية في ظل تطورات سياسية متسارعة أو متخمة في الأرضي الفلسطينية، فالعملية تزامنت مع زيارة وزيرة الخارجية الأميركية لرام الله وبحثها مع المسؤولين الفلسطينيين ترتيبات الانسحاب الإسرائيلي الوشيك من غزة، إضافة إلى ما أثارته مثل هذه العمليات من تفتيت داخلي وصل حد الاشتباكات المسلحة وما إلى ذلك، فإن الخبر مع كل هذا بدا غير مترابط متقطع يترك المشاهد بدون أي قدرة على ربط كل هذه التطورات.

يبدو أن محرر النشرة لا يلقي بالا في صياغته للخبر إلى أي قدر من الربط بين الأحداث أو ربما منحها مزيدا من العمق التحليلي دون الوصول إلى إبداء رأي، وتفسير ذلك يعود إلى أن المحرر أو إدارة التلفزيون تمتلك حساسية خاصة تجاه الأخبار الفلسطينية فتلجأ إلى هذه الطريقة حتى لا تعطي أي إيحاء بموقف ما تحاول ترويجه أو توصيله إلى المتلقي.

وعلى كل فإن طريقة التحرير هذه تبدو سمة مشتركة في كل الأخبار العربية، فالتلفزيون الأردني يتحول إلى مجرد ناقل للخبر بعكس تلفزيونات أخرى أثبتت نفسها كقناة "الجزيرة" التي تتبع نهجا تحريرا، وان كان لا يخلو من عدم الحيادية إزاء الوضع، وهي أي "الجزيرة" تحولت وسيلة لحشد وتكوين رأي عربي موحد تجاه قضية ما خاصة في ضوء غياب الأحزاب العربية.

التلفزيون الأردني هو قناة رسمية يراد لها دوما تجنب إيقاع الحكومة في أي أشكال مع الدول "الشقيقة".

وتبدو الأمور هنا كما لو كان محررو الأخبار أتوا من مدرسة في الصحافة تغرق كثيرا في "الموضوعية"، على نسبيتها، دون التمييز بينها وبين "الحيادية"، فيبقى الخبر جافا ويبقى التلفزيون كما لو كان مجرد أداة صماء تبث أخبار الوكالات. دون أي دور في توجيه المتلقي.

هنالك دائما سؤال مطروح وهو: هل يعقل مثلا أن ينقل محرر عربي، بحيادية وموضوعية كاملة وبدم بارد، أخبار كبرى من نمط تفجيرات شرم الشيخ أو تفجيرات المساجد في العراق وقتل المدنيين أو تفجيرات لندن أو جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل؟ هل يستطيع هذا المحرر أن ينقل أنباء كهذه بتجرد وموضوعية وحيادية كاملة تحت عنوان موضوعية الخبر؟

وعلى أي حال، فإن إجابة السؤال تعتمد أساسا على نوعية المتلقي الذي يتوجه إليه التلفزيون الأردني كما على الدور الذي تنيطه الدولة بوسائلها الإعلامية.

نحن هنا لا نروج بالطبع لما ينافي المباديء الرئيسية للصحافة في الموضوعية والدقة وتقليل الأذى، ولكن تبقى كل هذه المباديء نسبية وتحتمل التعامل معها بحرفية ودون الوقوع في مطب البروباغندا.

ودون ذلك لا يمكن أن يكون للتلفزيون أي دور في تشكيل وتكوين الرأي العام إزاء قضايا من هذا القبيل.

كيف يمكن أن يمتلك التلفزيون سياسية تحريرية تجعله ينحاز إلى قضايا إنسانية دون أن يفقد التلفزيون موضوعيته، هذه الموضوعية التي تسوق بشكل أسطوري في أدبيات الإعلام الغربي الذي يتحدث عن الموضوعية أكثر مما يطبقها واقعا.

هناك من الأساليب الكثيرة التي يمكن للمحرر أن يؤدي فيها هذا الدور وهي ليست غائبة عن ذهن محرري التلفزيون مثل مكانة الخبر وترتيبه في النشرة ومدته الزمنية والصور المرافقة والتقارير واستخدام مفردات محددة وطريقة ربط أجزاء الخبر وطريقة تقديمه أو حتى تجاهله. وغيرها من الأساليب التي لا تفقد الخبر موضوعيته ولكن تساهم في بث رسالة ما للمتلقي هدفها تشكيل موقف إزاء تطور محدد.

يرد هنا سؤال: هل يمتلك التلفزيون الأردني ميثاق شرف مهني، وكذلك "كتاب أسلوب" (style book)؟

في المقابل، يبدو أن التلفزيون في الأخبار المحلية واثق جدا من دوره، فهو في هذا الأمر لا يعدو كونه أكثر من وسيلة دعائية لإنجازات الحكومة مع اقل القليل من أخبار البلد أو الدولة بشكل عام، ولا نحتاج هنا إلى تكرار ما لا يزال يتكرر يوميا بدون ملل، في أروقة البرلمان وفي الأوساط السياسية بل وحتى على لسان الملك، من ضرورة أن يصبح التلفزيون وسيلة إعلام دولة لا حكومة.

انتقل مقدم النشرة، وبتلعثم واضح إلى قراءة أخبار العراق وهي في المجمل حول التطورات الميدانية وقصة اختفاء أو مقتل رئيس البعثة الدبلوماسية المصرية ايهاب الشريف الذي تتوارد أنباء عن احتمال بقائه حيا، وكان الخبر في المجمل لا يختلف في صياغته عن النبأ الفلسطيني فكلاهما عملية "تنظيف وير" أي نقلا عن وكالات أنباء مع إعادة تحرير بسيطة.

بعدها أذيع خبر عن آخر تطورات تفجيرات لندن، وهو خبر مهم بكل المقاييس أيضا، ولكن ما هو غريب كان تجاهل النشرة لأخبار تفجيرات شرم الشيخ، ونزعم أنها تعني جمهور التلفزيون الأردني أكثر من تفجيرات لندن لعدة أسباب، منها الرابط "القومي" والقرب وتوقيت وقوع الحدث الذي لا يزال طريا، والخشية من وجود رعايا أردنيين.. الخ. وقد يقال أن لا جديد في هذا التطور ولكن هذا غير دقيق، فقبل موعد بث النشرة كان هناك تطورات تستحق أن تكون فيها شرم الشيخ موضوعا لخبر آخر ضمن النشرة.

بعيدا عن تقرير إطلاق المكوك ديسكفري الذي نال نصيبه من وقت النشرة، فقد غابت أيضا الأخبار المحلية عن النشرة ولا ندري السبب، فهو ربما يعود إلى فلسفة تجميع الأخبار المحلية إلى نشرة السادسة مساء، وإذا كان هذا صحيحا، هل يعقل مثلا تأجيل خبر ما حتى ساعة، هل يعدو الخبر خبرا بعد تأجيله، ثم أليس التلفزيون الأردني هو تلفزيون محلي من المفترض أن يعنى أولا وأخيرا بأخبار البلد.


أضف تعليقك