أخبار الإذاعة الأردنية: جهد متواضع لا يتناسب والإمكانات المتاحة

الرابط المختصر

إذا أدرت قرص المذياع بحثا عن نشرة أخبار محلية "مفصلة" فلن تجدها في أي من الإذاعات المحلية. فالإذاعة الأردنية لا تخصص نشرة محلية كاملة إلا في حدود غير كافية، "إذ تغلب المحليات" على نشرة السادسة دون أن تكون مخصصة بالكامل للخبر المحلي.أما الإذاعات المحلية الأخرى فهي ترفيهية لا تبث سوى الأغاني والبرامج الترفيهية وبعض "الوجبات الإخبارية الخفيفة".

في الإذاعة الأردنية /البرنامج العام ست نشرات إخبارية مفصلة على مدار 24 ساعة، إضافة إلى مواجز أخبار على رأس كل ساعة، يقدمها فريق من معدي ومحرري ومذيعي الأخبار، ومندوبين في مختلف محافظات المملكة، ومراسلين في عدد من الدول. وللإذاعة الرسمية مصدر تمويل ثابت لا يرضخ لشروط سوق الإذاعات التجارية الخاصة، بل لتدخلات وسيطرة الحكومة.

لكن هذه الإمكانات لا تتلاءم والمستوى المهني المتواضع للبرامج الإخبارية في أقدم إذاعة أردنية. فالأخبار المحلية، وهي مصدر قوة أي إذاعة أو وسيلة إعلام محلية، تقتصر على نقل ما جاء في الصحف اليومية ووكالة الأنباء الأردنية "بترا". كما أن الأخبار العربية والدولية، بما فيها المنقولة عبر مراسلي الإذاعة، تعتمد كليا على وكالات الأنباء العالمية وصحف تلك الدول.

في نشرة الأخبار الرئيسية في الساعة الثانية من ظهر يوم الأحد (5 حزيران)، بثت الإذاعة خبر لقاء الملك مع رئيسي تحرير صحيفتي "الدستور" و"العرب اليوم، أسامة الشريف وطاهر العدوان. وقام مذيع النشرة بقراءة مقاطع كاملة من تصريحات الملك، كما نشرتها "الدستور".

أما الخبر الرئيسي الثاني فكان حول لقاء الملك مع الرئيس المصري في شرم الشيخ، وبثت الإذاعة تقريرا مطولا نقلا عن مراسلها في القاهرة.

ترك مقدم النشرة الخبران كما هما تماما دون أن يقدم بعدا تحليلا لهما، فلا هو استضاف مسؤولين رسميين أو محللين سياسيين في محاولة للتعليق على تصريحات الملك التي حظيت باهتمام واسع، خاصة وأنها تناولت قضايا شغلت الرأي العام المحلي طوال الفترة الماضية مثل الأزمة النيابية - الحكومية وقضايا الإصلاح والتنمية وانتخابات الأقاليم والأجندة الوطنية وتعديل الدستور ورفض التوطين.

وبهذا فقد ظهرت النشرة الإخبارية تكرارا لبرامج "أقوال الصحف" أو "صحافتنا قبل الطبع"، وربما كان أفضل كثيرا إعطاء أبعاد تحليلية لهذين الخبرين ورصد ردود فعل المواطنين والنخب السياسية على تصريحات الملك.

وفي متابعة خبر زيارة الملك إلى مصر واجتماعه مع الرئيس المصري، فلم يتجاوز تقرير مراسل الإذاعة قراءة ما كتبته الصحف المصرية عن الحدث، بما في ذلك نقل تصريحات السفير لدى القاهرة لهذه الصحف.

وكان أن اكتفى مقدم الأخبار هنا والمراسل في القاهرة بهذا التغطية الخبرية العادية دون متابعة تلقي على الخبر المزيد من البعد التحليلي، خاصة وان تحرك الملك يشكل أهمية خاصة في ضوء التحركات التي تشهدها المنطقة أخيرا لجهة تحريك عملية السلام.

وفي هذا الصدد، كان يمكن لمقدم النشرة أو مراسل الإذاعة في الأردن استضافة مسؤولين أو محللين سياسيين لمتابعة الخبر بطريقة أكثر عمقا تبعده عن مجرد النقل البرتوكولي.

تناولت النشرة في خبرها الثالث نفي وزيرة الثقافة الناطقة باسم الحكومة، أسمى خضر، معلومات عن وجود قوات أميركية في الأردن، وقد جاء الخبر غير متوازن تقريبا. فقد بثت التصريحات النافية فقط دون أن يعرض وجهة النظر الأخرى، أو حتى وجهة النظر المعارضة لأي نشاط عسكري مع الولايات المتحدة.

وبهذا ختمت النشرة أخبارها المحلية لتنتقل للعربي والدولي، فكان الخبر الفلسطيني حول قرار المجلس الثوري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" تأجيل المؤتمر العام للحركة الذي كان مقررا عقده في آب المقبل. وجاء الخبر عن وكالة الصحافة الفرنسية. تلاه الخبر اللبناني عن الانتخابات النيابية في جنوب لبنان، ثم تطورات أزمة العلاقات الأميركية – السورية وقرارات مؤتمر حزب البعث السوري، أيضا نقلا عن وكالة الأنباء الفرنسية.

ونقل تقرير مراسل الإذاعة في العراق ما جاء في وسائل الإعلام والوكالات العالمية من آخر التطورات الميدانية وحصيلة عدد القتلى والجرحى والمعتقلين، تبعه ما تناقلته وسائل الإعلام حول اختيار الأحزاب الكردية رئيسا لها.

كذلك تضمنت النشرة أخبارا دولية متفرقة، مثل لقاء مفتي استراليا بالرهينة الأسترالي في العراق، واعتقال القوات الأميركية والأفغانية مشتبهين بانتمائهم للقاعدة في أفغانستان، وتجارب تايوان لإطلاق صواريخ، وحصيلة قتلى أمطار الصين.

إذا كان محرر النشرة وفق إلى حد كبير في اختيار الأخبار العربية وفي ترتيبها، فقد جانبه التوفيق عندما اغفل تطورات قد تكون تحظى باهتمام، أو هي على أهمية كبيرة خاصة للأردن، مثل تطورات الملف النووي الإيراني وإنذارات الاتحاد الأوروبي وواشنطن لطهران وإعلان طهران استعدادها لتعليق تخصيب اليورانيوم، وكل هذا في نفس يوم النشرة. والاعتقاد هنا أن خبرا كهذا له أهمية اكبر بكثير من مقتل عدد من الصينيين في طوفان مياه، خاصة وان أي تطورات في إيران سوف تترك تأثيرات على المنطقة التي نعيش فيها.

وبعد الأخبار الدولية عادت النشرة لتقدم أخبارا محلية موجزة تناولت مقتل أحد أفراد الأمن العام في محافظة الكرك بسلاح زميلة بالخطأ، وإعلان السفارة الإيرانية في الأردن فتح مراكز للانتخابات الرئاسية. وفي الأخبار المحلية أيضا أغفلت النشرة مجموعة من القصص الإخبارية وهي على أهمية كبيرة، مثل لقاء مدير الأمن العام مع فعاليات ولجنة تحسين مخيم الوحدات. هذا اللقاء الذي حظي باهتمام الصحف نظرا لأهمية تصريحات مدير الأمن. كما لم تتناول النشرة طائفة أخرى من الأنباء، مثل تطورات قضية المتهمين بأحداث معان أو دعوة قاضي القضاة إلى الصيام تضامنا مع الأقصى. وهي أخبار بثتها وكالة الأنباء "بترا" وأسقطت من النشرة دون سبب واضح.

قصارى القول أن معدي النشرة الإخبارية هذه، لم يستطيعوا تقديم نشرة ذات بعد خاص تتميز به الإذاعة المحلية عن غيرها من الإذاعات الأجنبية في الخبر الإقليمي والدولي، بل بالعكس قدمت أداءا اقل.

كما لم تقدم جديدا تضيفه على برامج الإذاعة الأخرى، ولا ما تضيفه على وسائل الإعلام المحلية الأخرى. فقد اكتفت بان تكون ناقلا لما تنشره "بترا" أو الصحف دون جهد خاص بفريق العاملين في النشرة.

تخصص الإذاعة الأردنية وقتا وافيا لمتابعة الشأن المحلي في برامجها المتنوعة، أما أنها لا تخصص نشرات أخبار كاملة للشأن المحلي ولا تعطي هذا الشأن حيزا اكبر في التغطية والمتابعة، فهذا أمر غير مفهوم. فهي أولا إذاعة وطنية بتوجهاتها ودورها وإدارتها وجمهورها، وهي ثانيا لن تستطيع منافسة إذاعات عالمية على غرار "بي بي سي" أو "مونت كارلو" في مجال الخبر الدولي والإقليمي.

إذا كان من مجال لكسب الجمهور والحفاظ على مستمعي الإذاعة فالأولى أن يستغل العاملون فيها الإمكانات المتاحة، وهي كبيرة، لتقديم إعلام محلي وطني كفؤ، في مقدمته نشرات إخبارية قادرة على تزويد المستمع الأردني بكل الأخبار المحلية التي من الصعب أن يتزودها من مصادر أخرى، وبانفتاح وشفافية. بغير هذا فإن أذن المستمع سوف تنصرف لتعقب المحطات الأخرى، أو ستكون نهبا للشائعات.

أضف تعليقك