المونتيور: الأردن يُليّن موقفه من النظام السوري
تطرق موقع ال" المونتيور" في تقرير صحفي للأحداث المتسارعة التي تجري على الحدود الأردنية الشمالية والشرقية، وقال التقرير الذي كتبه الزميل اسامة الشريف أن الأردن يحاول أن يطوي صفحة التباطؤ الاقتصادي المستمر منذ نحو عشرة أعوام، والذي كان قد بدأ مع الأزمة المالية العالمية في 2007/2008، وتفاقمَ بفعل الاضطرابات السياسية التي رافقت ما يُسمّى بالربيع العربي الذي انطلق في العام 2011، ولا تزال أصداؤه تتردّد في مختلف أنحاء الشرق الأوسط
وقال التقرير إن الممكلة تعمل على تغيير سياستها تجاه مجموعات الثوار المعتدلة في جنوب سوريا اذ لم يصدر أي تعليق عن الأردن على التقارير التي تحدّثت عن أن عمان طلبت من فصيلَين ثوريين مدعومَين من الغرب.
كامل التقرير:
يحاول الأردن أن يطوي صفحة التباطؤ الاقتصادي المستمر منذ نحو عشرة أعوام، والذي كان قد بدأ مع الأزمة المالية العالمية في 2007/2008، وتفاقمَ بفعل الاضطرابات السياسية التي رافقت ما يُسمّى بالربيع العربي الذي انطلق في العام 2011، ولا تزال أصداؤه تتردّد في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. في هذا الإطار، احتفت عمان وبغداد بإعادة فتح المعبر البرّي الوحيد بين البلدَين في 30 آب/أغسطس الماضي، بعد عامَين على إغلاقه إبان سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" على الجزء الأكبر من محافظة الأنبار في الجانب العراقي. لقد شنّ مقاتلو "الدولة الإسلامية" هجمات على المعبر الحدودي مرات عدة خلال العامَين المنصرمين.
كان العراق، طوال عقود، أحد الشركاء التجاريين الأساسيين للأردن، ما عاد بالفائدة على الصناعات المحلية وقطاع النقل البري في المملكة. كان الجزء الأكبر من الحركة التجارية يمرّ عبر معبر الكرامة-طريبيل الحدودي، ما جعله شرياناً اقتصادياً حيوياً للبلدَين. إبان حرب الخليج في العام 1990-1991، والحصار الاقتصادي الذي فُرِض لاحقاً على العراق بموجب عقوبات الأمم المتحدة، أصبح ميناء العقبة الأردني البوّابة الوحيدة للواردات العراقية. شهد قطاع النقل البرّي الأردني طفرة غير مسبوقة خلال التسعينيات وصولاً إلى السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين، إلى أن وقع اجتياح العراق بقيادة الولايات المتحدة في العام 2003. خلال ذلك العقد، بات الأردن يعوِّل على واردات النفط العراقية الرخيصة.
ازدهرت التجارة الثنائية من جديد مع استعادة العراق مظهراً من مظاهر الاستقرار السياسي بين العامَين 2008 و2014. في العام 2013، بلغ مجموع الصادرات الأردنية إلى العراق 1.25 مليار دولار بحسب التقديرات. لكن بعد سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" على الجزء الأكبر من الأنبار في العام 2014، أصبح طريق عام عمان-بغداد الممتد على طول 560 ميلاً شديد الخطورة بالنسبة إلى حركة الشاحنات والمدنيين. وبحلول منتصف العام 2015، أُغلِق المعبر الحدودي، ما تسبّب باستفحال المصاعب الاقتصادية التي يتخبّط فيها الأردن.
تؤشّر إعادة فتح المعبر في أواخر آب/أغسطس إلى الاستئناف البطيء للتجارة الثنائية بين البلدَين. لعل النقطة الأهم هي أنها تحمل مؤشّراً على أن الجهود التي يبذلها الأردن من أجل تطبيع العلاقات مع بغداد، بعد مرحلة عاصِفة في عهد رئيس الوزراء اعراقي نوري المالكي، تأتي بثمارها. يسعى المسؤولون الأردنيون إلى استمالة رئيس الوزراء حيدر العبادي منذ تسلّمه منصبه في العام 2014 من خلال قيامهم بزيارات إلى بغداد، أهمها زيارة رئيس الوزراء الأردني هاني الملقي إلى العاصمة العراقية في كانون الثاني/يناير الماضي، والتي تخلّلها توقيع عدد من الاتفاقات الثنائية.
بالنسبة إلى الأردن، يشكّل استئناف العلاقات الطبيعية مع بغداد هدفاً استراتيجياً يَعِد بتحقيق عدد من المنافع. في العام 2016، وقّع الجانبان اتفاقاً لبناء خط أنابيب للنفط من البصرة في جنوب العراق إلى العقبة. من شأن المشروع الذي تتراوح كلفته من خمسة إلى سبعة مليارات دولار، والذي يستطيع نقل مئة مليون برميل من النفط سنوياً، أن يُتيح للأردن تلبية احتياجاته في مجال النفط الخام. يُتوقَّع أن تنطلق أعمال بنائه خلال العام الجاري.
يُبدي خالد الزبيدي، رئيس تحرير صفحة الأعمال في صحيفة "الدستور"، تفاؤله، معتبراً أن إعادة فتح المعبر الحدودي بين الأردن والعراق سوف تساهم في "تسريع انتهاء المرحلة الأطول من الركود الاقتصادي التي شهدها الأردن في الأزمنة الحديثة".
وقد قال الزبيدي لموقع "المونيتور": "سوف يشعر الأردنيون بتأثير هذه الخطوة في غضون عام، إذ إن قطاعات عدّة ستبدأ بسلوك طريق المعافاة، وسوف تتخطى قيمة صادراتنا إلى العراق من جديد المليار دولار سنوياً". أضاف: "نتوقّع استئناف الواردات النفطية من العراق مع نحو 15 ألف برميل في اليوم بأسعار تفضيلية، وفي المقابل، سوف تسجّل الصادرات الأردنية، لا سيما المواد الغذائية والمحاصيل الزراعية، ارتفاعاً شديداً، ما يحدّ من التداعيات الناجمة عن إغلاق بعض الأسواق الخليجية، مثل الكويت والإمارات العربية المتحدة".
غير أن كاتب العمود السياسي في صحيفة "الغد"، فهد الخيطان، حذّر من أن حركة السير على طريق عام عمان-بغداد لن تعود إلى طبيعتها قبل أن يتمكّن العراق من فرض الأمن بالكامل على طول الطريق. وفي هذا الإطار، قال في حديث لموقع "المونيتور": "صحيح أنه كانت لدى الأردن رغبة شديدة في فتح المعبر الحدودي، إلا أن الطرفَين يدركان أن المجموعات الإرهابية في الجانب العراقي سوف تحاول استهداف الطريق العام"، مضيفاً: "هناك شركات أمن خاصة تتولّى حماية الطريق العام حالياً إلى جانب الجيش العراقي. يبقى ضمان سلامة حركة التنقّل أولوية بالنسبة إلى الحكومتَين الأردنية والعراقية".
لقد تسبّب إغلاق الحدود الأردنية مع العراق وسوريا جرّاء الأزمات في البلدَين، بوضع تعقيدات وعراقيل أمام الجهود التي تبذلها عمان من أجل إنعاش اقتصادها المتعثّر. بعد فتح الطريق المؤدّي إلى بغداد، تتطلّع الحكومة الأردنية الآن نحو الشمال أملاً بأن تتمكّن أيضاً من إعادة فتح المعبر مع سوريا في المستقبل القريب. يُشار إلى أن عمان أقدمت على إغلاق جهتها من الحدود قرب درعا بعدما خسر الجيش السوري السيطرة على معبر نصيب في العام 2015.
منذ وافق الأردن وروسيا والولايات المتحدة على إنشاء منطقة لنزع التصعيد في جنوب غرب سوريا في تموز/يوليو الماضي، تعمل عمان على تغيير سياستها تجاه مجموعات الثوار المعتدلة في جنوب سوريا. لم يصدر أي تعليق عن الأردن على التقارير التي تحدّثت عن أن عمان طلبت من فصيلَين ثوريين مدعومَين من الغرب، في العاشر من أيلول/سبتمبر الجاري، الانسحاب من مواقعهما في درعا والسويداء، والتراجع إلى الجانب الأردني من الحدود. لقد أصرّ الأردن على أن الهدف من الدعم الذي يقدّمه للمجموعات الثورية في جنوب سوريا هو محاربة "الدولة الإسلامية" وسواها من المجموعات الإرهابية، وليس محاربة النظام. كما أنه أشار إلى استعداده لإعادة فتح الحدود بعد استعادة الجيش السوري سيطرته على المنطقة.
خلال الأسبوعَين المنصرمين، أدلى مسؤولون سوريون كبار بتصريحات إيجابية عن مستقبل العلاقات مع الأردن. فردّ الناطق باسم الحكومة الأردنية محمد المومني في مقابلة مع محطة تلفزيونية محلية في 25 آب/أغسطس قائلاً: "تسير علاقاتنا مع الدولة والنظام في سوريا في الاتجاه الصحيح". ووصف كلامه بأنه "رسالة بالغة الأهمية ينبغي على الجميع تلقّفها". وقد تزامنت تصريحات المومني مع تقارير عن استعادة الجيش السوري سيطرته على عدد من نقاط التفتيش على طول الحدود الأردنية-السورية.
يعتبر خيطان أنه لا يزال من السابق لأوانه استئناف العلاقات الطبيعية بين الأردن وسوريا قائلاً: "يقوم الأردن باستكشاف كل الاحتمالات، وهذه علامة مسجّلة من علامات سياسته البراغماتية". تابع: "لم نقطع العلاقات مع دمشق، ولم نطالب مطلقاً بتغيير النظام. لقد دعمنا العمل من أجل التوصل إلى حل سياسي منذ اندلاع الأزمة، وعلينا أن نعمل وفقاً لما تقتضيه مصالحنا".
الزبيدي أكثر تفاؤلاً بشأن إمكانية إعادة فتح المعابر مع سوريا. يقول في هذا الصدد: "تتوقّف تجارة الترانزيت الأردنية مع باقي البلدان على فتح حدودنا مع سوريا، وعندما يتحقّق ذلك سوف يشهد اقتصادنا معافاة سريعة".