مريض يدخل مستشفى لإجراء عملية بسيطة ويخرج بشلل كامل وتلف بالدماغ

 أنهت الهيئة القضائية المتخصصة بالأخطاء الطبية لدى محكمة بداية حقوق عمان برئاسة القاضي عندب إبراهيم الحمود، النظر بقضية مسؤولية طبية، طرفاها شاب ومستشفى وعاملون به، وقررت إلزام المدانين بالتكافل والتضامن بأن يؤدى للمريض 306 آلاف و800 دينار، وتضمينهم مبلغ ألف دينار أتعاب محاماة، بالإضافة إلى الفائدة القانونية، وبواقع 9 بالمئة تسري من تاريخ المطالبة وحتى السداد التام ليصل مجموع المبلغ إلى نحو 400 ألف دينار.



وتتلخص القضية، بأن شابا دخل المستشفى لإجراء عملية انحراف وتيرة بأنفه مدتها لا تزيد عن 70 دقيقة لكن خطأ وإهمالا وتقصيرا تسبب له بضمور وتلف شديد في الدماغ، وشلل كامل بأطرافه العلوية والسفلية لا يستطيع معه الشعور بالآخرين أو التجاوب معهم، وبحاجة دائمة مستمرة ومدى الحياة إلى العناية الطبية الفائقة.



وأصبح المريض بعد ساعة من دخوله غرفة العمليات في المستشفى يعاني من عجز وشلل كامل في أعضائه كافة، ولا يقوى على الحركة نهائيا وهو طريح السرير ولا يستطيع العمل أو ممارسة حياته الطبيعية أو قضاء أي من حاجياته الطبيعية، ويحتاج إلى مساعدة الآخرين وبحاجة إلى رعاية طبية فائقة وإلى خدمة مدى الحياة.



المريض الذي فقد الحياة الطبيعية بشكل كامل، وانقلبت حياته رأسا على عقب هو وعائلته منذ 13 سنة تلقى كمية تخدير كبيرة مبالغ بها من شخص غير قانوني عينته إحدى المستشفيات، وتعرض للإهمال والتقصير من المستشفى والمسؤولين عن حالته الطبية حسب ما ثبت للمحكمة.



تقول رئيسة الجمعية الوطنية للسلامة العلاجية "سلامتك" يسرى عبد الهادي، إن ذوي المريض لجأوا إلى الجمعية بشكواهم، وتم التحقق من المستشفى وحيثيات الدعوة، وتبين أن هناك متضررا وكذلك مقصرا بشكل أولي، وتوجه الجميع إلى القضاء، وجاء القرار الفصل الذي لا يعوض الشاب عن ذرة مما أصبح عليه اليوم لكن سيادة القانون والعدالة لازمة.



وتضيف بأن هذا القرار القضائي له جانبان مهمان جدا، الأول الثقة بالقضاء الأردني مهما طال أمد التقاضي والذي تحكمه ظروف الخبرة الفنية والتقارير الطبية المحايدة، والثاني رسالة للعالم أجمع تبين جدية الدولة في المساءلة الطبية والمتابعة والرقابة الدقيقة، وألا تهاون في مسألة الأخطاء الطبية ما يعزز الثقة بالطب في الأردن.



وتشير وقائع الدعوى إلى أن الشاب المريض راجع المستشفى من أجل الاتفاق على إجراء عملية تعديل الحاجز الأنفي، ولم يتم إجراء الفحوصات الطبية اللازمة له، ولم يكن صائما وكان قبل ذلك يعاني من التهاب في القصبات الهوائية ولم يشف منه بشكل تام.



وبينت الوقائع أن مسؤول التخدير قام بتخديره دون أن يكون حاصلا على شهادة الاختصاص (البورد) بسبب عدم اجتيازه لامتحان الجزء الثاني في تخصص التخدير والإنعاش، وقام بهذا الإجراء مخالفا لتعليمات وزارة الصحة والمتعلق بتعليمات تنظيم مهنة التخدير والإنعاش والعناية المركزة.



وغادر مسؤول التخدير المستشفى، ولم يقم بمراقبة المريض، ولم ينتبه طاقم الإنعاش إلى المريض بعد خروجه من غرفة العمليات إلى غرفة الإنعاش، والذين من واجبهم مراقبة الحالة مراقبة حثيثة لغاية خروجه، ونقله إلى القسم، ووضعه على أجهزة المراقبة لغاية قياس تركيز الأكسجين في الدم ومراقبة معدل ضربات القلب.



تقرير الخبرة الطبي أورد بأن المريض تعرض لنقص شديد بالأكسجين ولفترة طويلة تجاوزت أربع دقائق، ما أدى إلى تعرضه لتلف في خلايا الدماغ، ونتيجة التناقص الشديد للأكسجين اللازم لتروية خلايا الدماغ، ما اضطر طبيب التخدير إلى إجراء إنعاش تنفسي والتنبيت الرغامي مرة أخرى، ونقله إلى العناية المركزة، ووضعه على جهاز التنفس الصناعي لفترة طويلة.



وتبين للمحكمة أن من نتائج إهمال المدانين وتقصيرهم تجاه المريض، حدوث شلل رباعي تشنجي بالأطراف العلوية والسفلية مع ضمور في العضلات وعدم القدرة على الحركة وعدم التجاوب وعدم السيطرة على البول والبراز وصعوبة النطق، وقدر له نسبة 100 بالمئة كعجز ومدة تعطيل مدى الحياة.



وأشارت المحكمة إلى أن ما حصل مع المريض، وحسبما ورد في تقرير الخبرة الطبي، قد يكون سببه تجمع الدم والسوائل في فم المريض، وعدم شفطها في الوقت المناسب، ما أدى إلى إغلاق مجرى التنفس، أو تراجع اللسان إلى الخلف لعدم القيام بوضع القطعة البلاستيكية في فم المريض، وإعطائه مادة مسكنة في الوريد أدت إلى توقف التنفس، وتعرضه إلى جلطة مفاجئة، بالإضافة إلى أسباب غير مرئية.



وأشار قرار التجريم إلى أن هناك تقصيرا من المدانين تجاه المريض إذ وجب عليهم مراقبته، لكن نتيجة إهمالهم وعدم الانتباه لوضعه بدأت حالته تتدهور، ومر وقت طويل دون اتخاذ الإجراءات الطبية اللازمة في الوقت المناسب، ما أدى إلى تدهور حالة المريض، وأن الأفعال التي صدرت من المدانين نتج عنها مسؤولية مدنية، إذ إن العمل الطبي هو مسألة فنية متخصصة، وقد ثبت من خلال التقرير الطبي بأن المسؤولية الطبية ثابتة بأركانها وعناصرها كافة من خطأ وضرر وعلاقة السببية بينهما.



وأكد قرار المحكمة أن التزام الطبيب تجاه المريض ينحصر في بذل عناية لا بتحقيق نتيجة، وهذا يعني أن يقدم الكادر الطبي لمريضه جهودا صادقة تتفق مع الأصول الطبية المستقرة في علم الطب، وثبت للمحكمة مسؤولية الطبيب وكادر الإنعاش والمستشفى عن الخطأ الذي لحق بالمريض.



وأشارت المحكمة إلى أن ما قام به الطبيب وخروجه من المستشفى فورا دون القيام بمراقبة مريضه لا يتماشى مع أخلاقيات وآداب المهنة، ما يعني بأن المريض يستحق التعويض المقدر من الخبيرين المادي والمعنوي والبالغ 306 آلاف و800 دينار، وهو ما أخذت به المحكمة لأنه جاء موافقا للأصول والقانون ويفي بالغاية التي أجري من أجلها.



ذوو المريض ورغم الأسى والحزن الذي أصابهم في ابنهم بمرحلة مبكرة من عمره لجأوا إلى القضاء، وواجهوا 6 أطراف للحصول على العدالة، وكان موضوع الدعوى يتلخص بمطالبتهم بالأضرار المادية والمعنوية، وبدل الكسب الفائت والرعاية الطبية والخدمة والعلاجات المستقبلية والمستهلكات مقدرة لغايات الرسوم بمبلغ 7 آلاف وعشرة دنانير.



وأسس ذوو المريض دعواهم على أن الطبيب عام ويمارس أعمال الطب والجراحة في عيادته الخاصة دون الحصول على موافقة المجلس الطبي الأردني ودون الحصول على ترخيص بذلك خلافا لأحكام القانون والتي تحظر على أي طبيب ممارسة أعمال الجراحة قبل الحصول على شهادة الاختصاص من قبل المجلس الطبي الأردني.



وبينت لائحة الدعوى أن ثلاثة ممرضين يعملون لدى المستشفى في غرفة الإنعاش وطبيب يعمل بمهنة اختصاص تخدير وإنعاش بدون وجه قانوني، ولم يستكمل الشروط القانونية اللازمة لممارسة المهنة، وغير مؤهل لإجراء عمليات التخدير والإنعاش، ولم يحصل على إجازة وتصريح بذلك، ولم ينه الاختبارات المطلوبة من المجلس الطبي وموافقته بتعاطى مهنة التخدير والإنعاش، ولم يتقدم للامتحانات النهائية للحصول على شهادة الاختصاص بهذا المجال حسب الأصول.



وأضافت اللائحة أن المريض راجع طبيبا بعيادته الخاصة، وبعد الكشف عليه تبين أنه يعاني من انسداد في الأنف، وبالتالي قرر الطبيب حاجته إلى إجراء تداخل جراحي لتعديل الحاجز الأنفي وكي للقرنيات الأنفية.



وأكدت أنه وبناء على طلب الطبيب راجع الشاب المستشفى لمقابلته هناك، وإجراء الفحوصات وتحديد موعد لإجراء العملية إلا أن الشاب تفاجأ بأن القائمين على إدارة المستشفى والطبيب قد حجزوا غرفة العمليات له لإجراء العملية تحت التخدير العام.



وبينت وقائع القضية أن المدعى عليهم يعلمون بأن المريض غير مهيأ لإجراء العملية، وأنه تناول عصيرا قبل حضوره علاوة على أنه أصيب بالتهاب رئوي قبل أيام من حضوره، ولم يتم إلغاء العملية بل تأجلت حتى الظهيرة وإدخاله غرفة العمليات وتخديره بشكل كامل وأجريت العملية، ولم يقم المدعى عليهم بإجراء أبسط الفحوصات الطبية والمخبرية والتي يتوجب عليهم إجراؤها بشكل روتيني.



وأشارت تفاصيل القضية إلى إجراء تخدير مخالف للأصول الطبية والفنية، وبكميات كبيرة جدا وغير لازمة وفوق حاجته حتى بعد عملية الإنعاش جرى إعطاؤه مخدرا لعدة أيام، وبعد إجراء العملية أخرج المريض من غرفة العمليات وإزالة أجهزة الأكسجين عنه، وتبين أن نسبة الأكسجين في دمه انخفضت وانقطع الأكسجين عن الوصول للرئتين، وبالتالي عن وصول الأكسجين للدماغ بإهمال وتقصير، وتأخر المدعى عليهم بالإجراءات الطبية بعد العملية التي أجريت له حيث إنه قد يكون السبب في ضمور وتلف دماغه.



المحكمة وخلال سير المحاكمة وللوصول إلى العدالة دعت خبراء أطباء في القضية للحصول على رأيهم العلمي، ثم قررت تسطير كتاب إلى وزير الصحة لتسمية خبراء في تخصص التخدير والأنف والأذن والحنجرة ليصار إلى انتخابهم خبراء في الدعوى، وقدموا تقريرهم للمحكمة، ثم قررت انتخاب خبراء في الطب الشرعي وحصلت منهم على تقرير بذلك، واستمعت لشهود القضية كافة.



وثبت للمحكمة من خلال البينات بأن المدعى عليه الثالث أنهى تدريبه لعدد السنوات المطلوبة لتخصص التخدير والإنعاش، وتقدم لامتحان الجزء الثاني للبورد الأردني، ولم يحالفه الحظ، وعند تخدير المريض وإجراء العملية له لم يكن حاصلا على شهادة التخصص بسبب عدم اجتيازه لامتحان الجزء الثاني، وأن قلب المريض وتنفسه توقفا وأدى إلى إصابة شديدة للدماغ بنقص الأكسجين مع شلل وتشنج في الأطراف العلوية والسفلية، وتم علاجه في وحدة العناية المركزة، وأخرج منها وكانت التوصية بالمتابعة الطبية وتوفير العلاجات والمستلزمات اللازمة حسب الوصفات الطبية.



تقرير اللجان الطبية اللوائية والمنظم بحق المريض أفاد بأنه يعاني من شلل رباعي تشنجي بالأطراف العلوية والسفلية وضمور بالعضلات وتيبس في المفاصل وفقدان السيطرة على البول والبراز واعتلال في النطق، وقدرت نسبة العجز 100 بالمئة ومدة تعطيل مدى الحياة وهي تشكل عاهة كلية دائمة.



تقول عبد الهادي إن الجمعية غير ربحية ولا تتقاضى أي أموال من أي جهة، ووقفت مع قضية الشاب منذ وقوعها عام 2010، وكانت على ثقة تامة بالقضاء الأردني ونزاهته، لأن قضايا الأخطاء الطبية تحتاج إلى لجان طبية محايدة وخبراء حتى الحصول على العدالة دون أن يقع الظلم على أحد.



وبينت أن الشاب كان يحتاج إلى الاهتمام وعدم الاستهتار والإهمال بالنفس البشرية والجدية بالتعامل مع المرضى، وهذا ما تسعى الجمعية لتعزيزه، داعية كل من يتعرض لمثل هذه القضايا اللجوء للقضاء وعدم اليأس تحت أي ظرف.



وأكدت أن الجمعية تهدف إلى العمل على بناء علاقة إيجابية بين المريض والطبيب ودراسة حالات المسؤولية الطبية، وإبراز أن حدوث الأخطاء الطبية يرافق العمل في مختلف المهن وإبراز جودة المنتج الطبي الأردني وحمايته والسوق العلاجية من الاستغلال، والتعاون مع وزارة الصحة ومؤسسات المجتمع المدني والهيئات ذات العلاقة.



وأكدت أنها تهدف إلى بث الوعي لدى المواطنين والمستشفيات بمبدأ قبول وإدخال ومعالجة الحالات الطارئة، وإيجاد مركز معلومات لجمع ودراسة المعلومات المتعلقة بالأخطاء الطبية وتحليلها وربطها بالأسباب.



ولفتت إلى أن رؤية الجمعية تكمن في رعاية طبية واعية ومؤهلة لتقديم المعلومات والخدمات اللازمة للوقاية من الأخطاء الطبية وانعكاساتها.



(بترا - بركات الزيود)

أضف تعليقك