لمن ينصت الرئيس؟

لمن ينصت الرئيس؟

لا تظهر أوساط الدوار الرابع (باستثناء بعض الوزراء والمسؤولين) قلقاً شديداً من انتشار عدوى المقاطعة للانتخابات النيابية، بل آلت محاولات بعض الوزراء لفتح ملف الحوار المباشر مع جماعة الإخوان المسلمين إلى الفشل.

المزاج العام في الرئاسة هو التقليل من "سخونة" المناخ السياسي في الخارج، والاستهانة بنفوذ تيار المقاطعة، قياساً على تجربة مقاطعة عام 1997، التي لم تؤثر "نوعياً" على سير العملية الانتخابية، بل كان الإسلاميون هم الخاسر من تلك التجربة.

منظور بعض المسؤولين تجاه نمو المزاج العام السلبي والحركات الاحتجاجية الجديدة ينبع من الشعور بأنّ الحكومة معنية باستعادة هيبة الدولة وإظهار"عينها الحمراء"، وبإجراءات اقتصادية تصحيحية قاسية لن تجد القبول لدى من تعوّدوا على "ابتزاز" الدولة، ومن يريدون "كسر إرادتها". لذلك فإنّ الإذعان لهذه الموجة يعني (وفقاً لهذا المنطق) تراجعاً عن مهمة رئيسة لهذه الحكومة وهي استعادة ولايتها العامة وردّ الاعتبار لقوة الدولة.

بلا شك، ثمة ركنان رئيسان يمثّلان بالفعل واجباً وطنياً، يدرك أهميته كثيرون؛ الركن الأول ضرورة القيام بإجراءات تصحيحية في مجال الإدارة المالية، والثاني التأكيد على هيبة الدولة وقوتها.

النقاش لا يقع بالضرورة في هذه الأهداف، بل في السياسات، التي تتخذها الحكومة لتحقيقها، وفي تسويق هذه السياسات، من خلال "الانفتاح السياسي" الحقيقي على الأحزاب والقوى المختلفة وبناء جسور الحوار معها، لإنتاج قاعدة وطنية متماسكة ترفد هذه الأهداف الوطنية.

الفجوة العميقة تكمن في افتراض الحكومة، منذ البداية، أنّ الأصوات التي تنتقد بعض "السياسات" وبعض القرارات تقع في خندق معادٍ، ولا تتفق على تحقيق هذه الأهداف، بالرغم من أنّ هذه الانتقادات قد تساعد الحكومة على إصلاح جوانب الخلل في التطبيق وتجنب الأخطاء، وتعزيز التواصل مع الرأي العام.

هنا، تحديداً، نحن بحاجة إلى إعادة تعريف مفهوم "هيبة الدولة"، فإن كان يعني تطبيق القانون وبقوة في مجال الأمن والإدارة وقضايا المواطنة، وهي الجوانب التي حدث بها اختلال خلال السنوات السابقة، فإنّ هذه "الهيبة" لا تتعارض بأي حال من الأحوال مع ضرورة إجراء حوارات وطنية موسّعة مع القوى السياسية والحركات الاحتجاجية الجديدة والوصول معها إلى "منطقة سياسية وسطى" تخدم في المحصلة المسار الذي نريده، وهو وجود مجلس نيابي قوي ما يعني بالضرورة وجود حكومة قوية.

النصائح التي تقدّم للرئيس وتقلل من شأن الاحتجاجات والاحتقانات أو تخرجها من سياقها الاجتماعي والسياسي هي نصائح، لا تقرأ الدلالات السياسية الحقيقية لتمدد تيار المقاطعة وتعانق الضغوط الاقتصادية مع هذا المناخ السياسي، ما يخلق بيئة عمل غير مريحة للطاقم الوزاري.

معالجة الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وتطوير أسلوب إدارة جديد، كل ذلك يتطلب انفتاحاً سياسياً على القوى السياسية والاجتماعية المختلفة وتسويق سياسات الحكومة إعلامياً بصورة صحيحة.

ذلك، لا يضعف الحكومة شعبياً وسياسياً، كما تفعل النصائح التي تدعوها إلى تجاهل ما يحدث أو التقليل من شأنه، فهذه النصائح تطوّق الحكومة بالأعداء لا الأصدقاء والأعوان، وتفترض "سوء النية" في غالبية المعارضة السياسية.

أضف تعليقك