سقوط الفرضيات الخاطئة

سقوط الفرضيات الخاطئة

لم يُفضِ لقاء الحكومة بوفد "الإخوان" عن "زحزحة" مباشرة لموقفهم المقاطع للانتخابات النيابية، وإن كان الطرفان قد أجمعا على الأجواء الإيجابية، التي سادت خلال اللقاء.

بالضرورة، لم يكن أحد يتوقع أن يتراجع "الإخوان" عن موقفهم من دون أن يكون بيدهم ما يحملونه إلى القواعد والشركاء والجماهير، لكن في الوقت نفسه، فإنّ الحوار مبادرة إيجابية ومطلوبة من الدولة باتجاه الانفتاح على القوى السياسية، وتحديداً الإسلاميين الذين عانوا خلال السنوات الأخيرة من حرب "تكسير" غير مبررة ولا مقنعة ومن سيادة عقلية إقصائية تجاههم.

"تموضعات" ما قبل اللقاء لم تكن تسمح كثيراً بمرونة الطرفين، فالحكومة لم تعد تملك (لأسباب واقعية وسياسية عديدة) تغيير قانون الانتخاب ولا تأجيل الاستحقاق، فيما الإخوان كانوا قد قطعوا شوطاً كبيراً باتجاه المقاطعة لم يعد ممكناً بعده التراجع بهدوء عن قرارهم.

الحل الوسط والمَخرج لكلا الطرفين تمثّل بصيغة تسرّبت، تمت مناقشتها سابقاً بين الطرفين من خلال رسائل متبادلة، تتمثّل بعرض "قانون الانتخاب بصورة مستعجلة على مجلس النواب المقبل"، إلاّ أنّ مثل هذا الوعد المعتبر لم يكن كفيلاً بالخروج من خيار المقاطعة، وفقاً للمواقف الأولية للجماعة.

ثمة دروس مهمة من أجواء الحوار وما سبقه من نقاشات وطنية حول الجماعة ودورها وحضورها، وأهم هذه الدروس سقوط جملة "الفرضيات الخاطئة" التي تبنتها الدولة ضد الجماعة وأدت إلى تذويب وتلاشي خصوصية "النموذج الأردني" الذي تميّز تاريخياً تجاه الإسلاميين.

اليوم هنالك استدراك لا يجوز أن يمر مرور الكرام في قراءة "مطبخ القرار" لأهمية الجماعة باعتبارها التيار الإسلامي القانوني، الذي يمثّل شريحة واسعة من المواطنين، تحديداً في المدن الكبرى، ما يدفع بأن تكون هذه "الصحوة الرسمية" ذات طابع استراتيجي هادئ لإعادة بناء أسس العلاقة المستقبلية، وليست عابرة أو مؤقتة.

أبرز الفرضيات، التي سقطت في الأجواء الحالية، أنّ الجماعة ليست أكثر من "جناح تابع" لحركة حماس، وأنّ قرارها مرهون بـ"هاتف من دمشق"، فعلى الرغم من توصية حماس المتكررة بضرورة المشاركة، وبتوصية مكتب الإرشاد، فإنّ الجماعة أصرّت على المقاطعة، وهي خطوة عميقة باتجاه تأكيد استقلاليتها.

الفرضية الأخرى، التي أضعفتها اللحظة الراهنة، بأنّ الجماعة تسعى لمكاسب ذاتية وصفقة على حساب الهم الوطني العام، وقد تجاوز "الإخوان" ذلك بوضع قانون الانتخاب ومشروع الإصلاح السياسي كعنوان وحيد في الحوار مع الحكومة، وأثبت التيار الوطني حضوره ومصداقيته، على النقيض من الفرضية الرسمية بأنه هشّ وضعيف. إذا كانت هنالك قناعة لدى الحكومة بالصعوبة الشديدة في تراجع "الجماعة" عن المقاطعة، فإنّ ما تطلبه منها حاليا كرسالة "حسن نية" لإعادة ترسيم العلاقة مستقبلاً في المرحلة المقبلة، ألا تصعّد برنامجها في التحريض على المقاطعة، والعمل على إفشال الانتخابات، وهو سيناريو يقع في المنطقة الوسطى من رهانات الطرفين ومطالبهما.

الغد

أضف تعليقك