بماذا يحلم المواطن؟

بماذا يحلم المواطن؟

لو أتيح لنا أن نجري استطلاعا لشريحة واسعة من المواطنين: بماذا تحلمون؟؛ هل سنجد أنّنا أمام شطحات كبيرة أم أحلام بسيطة واقعية، لا تتجاوز حدود الحياة الكريمة، كما هي حال الشعوب والمجتمعات الأخرى؟

المواطن تحت ضغط الظروف الاقتصادية والانهيارات السياسية، وبعد أن جرّب الانقلابات والمعارضات، وتنقّل بين الأيديولوجيات والصيحات السياسية، لم يعد يحتمل مزيدا من الرهانات المثالية والخارقة، وأصبح أكثر واقعية وتواضعا في أحلامه.

هو يحلم أن يصبح مواطنا فقط! بالدلالة الحقيقية الكاملة لهذه الكلمة، فلا يريد أكثر من خدمات جيدة، من تعليم وصحة وأمن وطعام وماء وكهرباء، وبُنية تحتية محترمة، وتأمين الحياة الكريمة له ولعائلته بمسكن ونقل وطمأنينة، وبتوفّر فرص العمل والدخل الجيّد.

لا يطمح أكثر من أن تُحترم كرامته، فلا تُمتهن من أجل كلمة أو موقف أو رأي أو يفقد لذلك عمله، وأن يطبق القانون بالمساواة عليه وعلى الآخرين، وبشفافية ومساءلة للحكومات كي لا تنهب موارد دولته وتُسرق أو تُهدر، ثم يدفع هو الثمن من دون أن يمتلك الحق ليقول: لماذا أدفع أنا هذه الفاتورة؟!

لم تعد الجماهير تتحرك على وقع الأغاني الثورية والوعود التاريخية الكبرى، ففقد انتهى زمن الزعامات الشعبوية- الكارزمية، و"الصيحات الأيديولوجية"، ولم تعد الجماهير تعبأ بما تسمعه من وعود القوميين واليساريين العقائديين. أمّا الإسلاميون، فالواقعيون منهم بدأوا يتحدّثون عن الممكن، ويتجنّبون الوعود التاريخية الحاسمة.

ذلك لا يعني أنّ المواطن العربي انسلخ من مشاعره القومية والدينية ومن توقه إلى العدالة، لكنه أيقن أنه وقع في "الخديعة التاريخية"، عندما صدّق تلك الوعود وسار بالمظاهرات، وحلم باستعادة مجد غابر بين ليلةٍ وضحاها، فكل ذلك ذهب أدراج الرياح، بينما الحال تسير من سيئ إلى أسوأ.

نهاية اليمين واليسار وأفول الأيديولوجيات المثالية ليس ظاهرة عربية فقط. فاليسار الأوروبي نفسه لم يعد يتحدّث اليوم عن دولة البروليتاريا، ولا عن الشيوعية، وأصبح أكثر واقعية يريد قدرا أكبر من التوازن بين السوق والعدالة الاجتماعية، ويتناقش في الأبعاد الاجتماعية لموازنات دوله. جزء من اليساريين انخرطوا في حركات البيئة والمجتمع المدني العالمي وما يحمله من قضايا إنسانية عالمية. في حين وجد الاتجاه الديني المحافظ نفسه في الأحزاب المسيحية الديمقراطية أو المحافظة اليمينية، والكل يقبل باللعبة الديمقراطية والتعددية وتداول السلطة.

حلم المواطن العربي ليس خارج التاريخ، ولا يختلف عن الأمم والمجتمعات الأخرى، هو حلم بسيط وواقعي، لكن الفرق أنّ هذا الحلم المتواضع يبدو اليوم بعيد المنال وصعب الوصول، مع أنّ الأمم الأخرى أصبح هذا الحلم بدهيا في حياتها، أو هي في طريقها للوصول إليه.

ما أثار في نفسي هذه الشجون هو الفيلم المصري الجميل "عسل اسود"، وهو أقرب إلى كوميديا سوداء، يقدم صورة مؤلمة مكتظّة بالمفارقات لما نحن عليه، أنصحكم بمشاهدته!

أضف تعليقك