قطاع غزة بلا نقطة ماء عذبة بحلول 2014

غزة - جمال غيث - مضمون جديد

يضطر محمود مراد للخضوع لعملية غسيل كلى بمعدل ثلاث مرات اسبوعيا منذ اكتشاف اصابته بالفشل الكلوي عام 2007 بسبب مياه الشبكة العامة في قطاع غزة، والتي تؤكد هيئات دولية ومحلية انها لا تصلح للاستهلاك الادمي.

وبحسب هذه الهيئات فان ما نسبته 95 بالمئة من مياه قطاع غزة الذي يتجاوز عدد سكانه المليون ونصف المليون نسمة، لا تصلح للشرب نهائيا، وبحلول عام 2014 لن تكون هناك نقطة ماء عذبة في القطاع.

وتصل نسبة الكلورايد في مياه قطاع غزة الى 9 الاف ملغم/لتر، في حين ان النسبة الامنة عالميا هي 250 ملغم/لتر. كما ان معدل النترات يصل إلى عشرات أضعاف المعدل الموصى به دولياً.

ومن شان هذه النسب ان تضع مياه غزة ضمن تصنيف المياه القلوية.

وقد اجبر هذا الواقع سكان قطاع غزة، ومنهم محمود، الى الاعتماد في توفير احتياجاتهم من المياه العذبة على شركات ومحطات التحلية التي تزدهر اعمالها في القطاع.

وكما يخبرنا محمود (30 عاما)، وهو من معسكر الشاطئ غرب مدينة غزة، فانه يضطر الى شراء نحو خمسمائة لتر من هذه المياه اسبوعيا.

تلوث وامراض

ولا تقتصر استخدامات المياه التي يشتريها محمود على الشرب والطبخ، بل تتجاوزها الى الاستحمام ايضا، وخصوصا بعدما تسببت المياه المالحة باصابة طفلتيه اللتين تبلغ كبراهما عشر سنوات، بمشاكل في الجلد والشعر.

وتشكو اعداد كبيرة من سكان قطاع غزة من مشاكل مشابهة بسبب ملوحة المياه، فضلا عن انتشار حالات التحسس والتهيج في العين، وانواع اخرى من الامراض.

وبحسب مركز المعلومات الوطني الفلسطيني، فان تزايد نسبة الأملاح في المياه تسبب أضراراً بالصحة العامة، إذ أن تزايد نسبة الكبريت تسبب الأمراض الجلدية، وتزايد نسبة الفلورايد تسبب مشاكل في العظام لدى الكبار وتآكل الأسنان عند الصغار، وتزايد نسبة النيترات تسبب مرض السرطان، وتزايد الرصاص يسبب التسمم عند الأطفال والتخلف العقلي.

هذا عدا الأمراض المعوية والطفيلية مثل الحارديا والديدان والأنثاميبا.

وقد سجل نظام الرصد الوبائي الذي تديره الأونروا في قطاع غزة انتشار عدد من الامراض ومتها الاسهالات الحادة بشقيها المائي والإلتهابي والتهاب الكبد الفيروسي، والتي يكون السبب الرئيس لإنتشارها هو تلوث المياه الجوفية ومياه الشرب والتصريف غير السليم للنفايات الصلبة والسائلة.

وقد اظهر الفحص الدوري لعينات مياه الشرب تلوثاً في الخزانات وفي الآبار الجوفية وفقا لم يوضحه نظام الرصد الوبائي.

كما حذرت العديد من المنظمات الخيرية من مخاطر تلوث مياه الشرب في قطاع غزة، لاحتوائها على السماد الكيماوي والفضلات البشرية.

وقالت منظمتا "انقذوا الطفولة" و"ميديكل اييد" ان اعداد الاطفال الذين يعالجون من اعراض الاسهال تضاعف في السنوات الخمس الاخيرة.

وتقول هذه المنظمات ان نظام الصرف الصحي في غزة دمر جراء القصف الاسرائيلي، مما ادى الى تلوث المياه في القطاع.

كما تشير دراسات الى تلوث واضح جراء الاستخدام المفرط للأسمدة النيتروجينية للإغراض الزراعية وخاصة في المناطق التي تمتاز بتربة عالية النفاذية.

سرقة واستنزاف

وكما يبين مدير دائرة المياه في بلدية غزة رمزي أهل، فان سكان قطاع غزة يعتمدون بشكل رئيسي على المياه الجوفية لاستخدامها في اغراض الشرب وري المحاصيل الزراعية، وغيرها، مشيرًا إلى أن القطاع يعاني من ندرة في وجود بدائل عن المياه الجوفية كالينابيع أو الأنهار، أو الأودية.

ويقول اهل ان العجز السنوي في خزان المياه الجوفي في القطاع يصل الى نحو 110 ملايين متر مكعب من المياه الصالحة للشرب، في حين يحتاج سكان القطاع لنحو 180 مليون متر مكعب من المياه العذبة بشكل سنوي.

وأرجع اهل أسباب ملوحة المياه الى زيادة الطلب عليها، وتحويل الاحتلال الإسرائيلي مجرى المياه الجوفية من خلال إنشائه لعدد من مصائد المياه على طول الحدود الشرقية والشمالية، اضافة الى تحويله مجرى وادي غزة الى اراضي فلسطين 48، هذا عدا سرقته مياه القطاع قبل انسحابه منه عام 2005 بعد احتلال دام نحو 38 عاماً.

وتقدر كميات المياه التي سرقها الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة خلال الأربعين عام الماضية بحوالي 2.3 مليار متر مكعب، وفق دراسة لمركز التجمع للحق الفلسطيني.

وتضيف الدراسة ان ثمن المياه التي سرقتها إسرائيل من قطاع غزة يقدر بحوالي 2.3مليار دولار، في حين يقدر ثمن التدمير الذي الحقته بالخزان الجوفي الساحلي في القطاع بحوالي 5 مليارات دولار.

ويبلغ عدد الآبار المنتشرة في قطاع غزة حاليا 67 بئرًا، تنتج قرابة مائة ألف كوب من المياه بشكل يومي.

وقد أغلق من بين هذه الابار أربعة نظرًا لشدة ملوحتها التي تصل الى 2000 ملغم/لتر، بحسب رمزي أهل.

وبلغ إنتاج آبار المياه في مدينة غزة العام الماضي إلى 63 مليون متر مكعب، وبحصة تصل الى نحو 80 لترا للشخص الواحد، بينما حصة الشخص الواحد في إسرائيل 300 لتر.

حلول وعوائق

وشدد مدير دائرة المياه، على ضرورة العزوف عن استخدام مياه الخزان الجوفي، والتوجه لاستخدام المياه المحلاة من البحر، وإنشاء محطات للتحلية، ومعالجة مياه الصرف الصحي؛ لري بعض المحاصيل الزراعية، وإنشاء خط ناقل للمياه الصالحة للشرب من كافة محافظات القطاع وتزويد المواطنين بها.

ويبلغ عدد سكان مدينة غزة في ساعات النهار 700 ألف نسمة، في حين يبلغ عدد سكانها في فترات المساء 600 ألف نظرًا لأهميتها وكونها أهم المدن في القطاع وتنتشر فيها مختلف الوزارات والمؤسسات الحكومية والأهلية وغيرها، ما يتطلب توفير كميات كبيرة من المياه في ساعات النهار.

وتوقع مختصون أن تتصدر مشكلة المياه خلال العشر سنوات القادمة أحد أهم وأخطر المشاكل التي سيواجهها سكان القطاع.

من جهته، يشير مدير عام المصادر البيئية في سلطة جودة البيئة عبد الله الأشقر، الى ان شبكات المياه بحاجة إلى إعادة تأهيل؛ نظرًا لتسرب مياه الصرف الصحي اليها، واقتراب بعض آبار مياه الشرب من شاطئ البحر، ما يؤثر على صحة المواطنين ويزيد من إصابتهم بالأمراض.

وكما يوضح الاشقر، فان ترميم شبكة المياه الجوفية في القطاع قد يستغرق ما لا يقل عن 20 عامًا، وأي تأجيل لمعالجة هذا الموضوع سيقود إلى تدهور إضافي، وعندئذ سيتطلب الترميم مئات السنين، على حد تعبيره.

وتحظر إسرائيل إدخال المعدات والمواد الضرورية لترميم شبكات المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي الى قطاع غزة منذ فرضها الحصار عليه منتصف عام 2007.

وحسب تقديرات دائرة الإحصاء المركزي فأن عدد سكان قطاع غزة سيزيد عن مليونين و300 الف نسمة بحلول عام 2020، وبالتالي سيزداد الطلب علي المياه كما ستزداد كميات الصرف الصحي المنتجة.

لذا فان أزمة المياه في قطاع غزة في تفاقم متزايد الأمر الذي يقتضي إيجاد حلول سريعة ووضع استراتيجيات لإدارة قطاع المياه والصرف الصحي لكي تلبي متطلبات الحاضر والمستقبل.

أضف تعليقك