في الخليل :حياة ألاف المواطنين مرهونة بيد أصحاب البنايات المرتفعة

غزة - ثائر فقوسة - مضمون جديد

شعور بالخوف والقلق انتشر بين سكان العمارات المرتفعة في مدينة الخليل بعد سماعهم تصريحا يحذر من استئجار او شراء شقق سكنية في البنايات التي تزيد ارتفاعها على 21 مترا بسبب انها غير مرخصة ولا تتوفر فيها شروط السلامة العامة وحياة قاطنيها ستكون في مهب الريح في حال حدوث أي طارئ .

المواطن ممدوح حسان احد سكان هذه البنايات بدا بهذه الكلمات حديثه "لمضمون جديد" أفنيت عمري في العمل من اجل ترك الغرفتين التي كنت أعيش فيها مع زوجتي وأبنائي الخمسة ، لقد حرمتهم من العيش الكريم أملا في تحقيق حلمهم بامتلاك منزل يؤويهم ، تعاونا وصبرنا على ضيق الحال .

وبعد مرور 15 عاما من التعب استطعنا توفير مبلغ من المال يكفي لشراء شقه في إحدى العمارات في الطابق الحادي عشر ، كانت السعادة تلمس على وجوه افراد العائلة عندما بدنا بنقل الأثاث الى البيت الجديد ، وتسابق أبنائي لاختيار غرفهم ، وأمضينا الأسبوع الأول وكأننا نعيش في الجنة ،

وفي احد الأيام سمعت زوجتي تحذيرا في احدى الإذاعات المحلية يشير الى تداعيات السكن في في العمارات المرتفعة لان حياة المواطنين ستكون مهددة بالخطر ،ولا تستطيع الجهات المختصة إخلاء السكان في حال وقع حريق او زلزال ، كان هذه الخبر بمثابة الصاعقة التي بددت فرحة العائلة وحلت مكانها الكوابيس ، التي أصبحت تطاردنا ، وتلاحق مئات العائلات التي تعيش في هذه البنايات ، الذين كانوا ضحايا لشجيع أصحاب هذه العمارات الذي اخفوا حقيقة بناياتهم غير المرخصة وغير الآمنة ، واستغلوا حاجة المواطنين للسكن وقاموا ببيعنا مصائد للموت.

فانتشار البنايات السكانية العالية في مدينة الخليل والتي تزيد عدد طوابقها عن الحد المسموح به اصبحت ظاهرة مقلة خاصة ان عددها يزيد عن 40 بناية ومعظمها أهلة بالسكان ولا تملك البلدية اوالدفاع المدني آليات ومعدات وخطة طوارئ لإنقاذ السكان وتوفير الحماية لهم في حال وقوع مكروه .
التحايل على القانون

أي بناية تزيد عدد طوابقها عن السابع هي عمارة غير آمنة ولا تستطيع اطفائية البلدية تقديم أي مساعدة في حال حدوث أي طارئ ،واصحاب هذه البنايات احتالوا على القانون ويقامرون بحياة المواطنين من اجل المال وهم وحدهم يتحملون مسؤولية توفير الأمن للسكان .

بهذه العبارات بدا المهندس جاد ابو اصبيح رئيس قسم الأبنية في بلدية الخليل حديثه "لمضون جديد" مؤكدا ان القسم كان في البداية يمنح تراخيص بناء لغاية الطابق الخامس وبعد احتجاج المجتمع المحلي تم السماح تجاوزا لتصبح لغاية الطابق السابع بشرط ان يحضر أصحابها موافقة لجنة السلامة العامة قبل الشروع في البناء .

اضافة الى عمل فحص لتربة ومن ثم يتم اعطاء ترخيص على ان لا يتجاوز عدد الطوابق المتفق عليها وذلك لتوفير الحماية للسكان ،الا ان مالكي العمارات لا يلتزمون بشروط الترخيص ويستمرون في رفع الطوابق حتى تجاوزت بعضها عن 16 طابقا وهناك اكثر من 30 عمارة في المدينة تزيد عدد طوابقها عن العشرة وهناك بنايات لم تأخذ ترخيص للانشاء من الأصل ، ومعظمها أصبحت مباعة او مؤجره ومأهولة بالمواطنين ، وحياتهم باتت في خطر حقيقي مع ارتفاع حالات الحرائق والتنبؤ بحدوث زلازل .

وتابع صبيح اذا حدث أي طارئ فان كارثة إنسانية ستحل على المواطنين خاصة ان بعض هذه العمارت يوجد بها ما يقارب من 34 شقة مسكونة .مفيدا ان البلدية وجهت إخطارات لهذه العمارات اثناء البناء تبين لمالكيها مدى الخطورة المترتبة على الاستمرار في بناء الطوابق الا انهم لم يتوقفوا ورفضوا التعاون مع البلدية مما دفعنا الى التوجه للقضاء ، ورفع دعاوي ضدهم ، الا ان هذه الظاهرة ما زالت مستمرة .

قنابل موقوتة

فيما تفيد المهندسة رشا الهشلمون من قسم السلامة في الدفاع المدني في الخليل "لمضمون جديد" ان القسم يرفض الموافقة المسبقة على المخططات الهيكلية للأبنية التي تزيد عن سبعة طوابق ، وذلك لان لجنة السلامة العامة تشترط بان تكون طواقم الدفاع المدني قادرة على الوصول وتقديم خدماتهم للسكان في البنايات المرتفعة ،وفي ظل غياب المعدات سيما "السلم الهيدروليكي "فان فرق الإنقاذ والإطفاء تكاد بصعوبة توفير الحماية للمواطنين القاطنين على ارتفاع 21 مترا ، واي مالك يتجاوز هذه الحد فانه يعرض حياة المواطنين للخطر ويتحمل مسؤولية حماية السكان .

ومن الجديد ذكره ان الاراضي الفلسطينية لا يوجد فيها الا "سلم هيدروليكي" واحد موجود في مدينة رام الله ، وفي ظل غياب هذه الآلة فان الدفاع المدني يرفض اعطاء تراخيص للبنايات التي تتجاوز الحد المسموح به ، وتضيف الهشلمون امام عدم التزام اصحاب العمارات بالقوانين فان الدفاع المدني يحاول توفير الحد الادني من شروط السلامة العامة و السيطرة على عشرات البنايات المرتفعة "المخالفة "والتي اصبحت امرا واقعا ، عبر دعوة أصحابها بتركيب صناديق إطفاء وكاشف للدخان في كل طابق .

الا ان ما نسبته 60% من مالكي البنايات يرفضون تركيب هذه الوسائل وبذلك يتركون سكان الشقق فريسة سهلة للحرائق ، وما يزيد الطين بله ويضاعف الخسائر بين المواطنين كما تقول الهشلمون هو ان نسبة كبيرة من هذه البنايات تم إنشائها بمواصفات مخالفة للسلامة العامة من حيث خلوها من مخارج الطوارئ حيث يوجد عدد من العمارات يسكنها ما يقارب من 150 شخصا ولا تحتوي الا على مخرج واحد وعملية إخلالها تكاد تكون مستحيلة في حال اندلاع حريق او زلازل .

كما ان معظم الشقق السكنية تحتوي على قنابل موقوتة بسبب الاعتماد على اسطوانات الغاز داخل المطابخ لعدم وجدود التمديدات الخارجية للغاز والتي تعتبر من الشروط الذي يجب توفرها في العمارات ، كما ان بعض اصحاب العمارات المرتفعة يرفضون تركيب مانع للصواعق .

آيلة للانزلاق

المهندس طلال النجار من مركز البناء يفيد "لمضمون جديد" ان اغلب الفحوصات التي أجريت لتربة محافظة الخليل أظهرت ان نسبة كبيرة منها تحتوي على صخور قوية ، وتتحمل البناء لحد معين من الطوابق بشرط زيادة تسليح الأساسات ، ويعود ذلك لوقوع الخليل فوق الحوض الشرقي للمياه الجوفية ،فكلما ارتفع البناء زاد الثقل على التربة واصبح عرضه للانزلاق والتمايل كما حدث في بعض العمارات .

وتابع النجار ان هناك مناطق بالمدينة تربتها حمراء ضعيفة يتم البناء فيها دون الاكتراث للإضرار التي ستتعرض لها البنايات المرتفعة بعد سنوات قليلة من الإنشاء ، ولا يلتزم المالكين بزيادة الاسمنت المسلح في الأساسات وعمل قواعد ذات مساحات كبيرة ، وهذه ما يفسر ظاهرة التشقق التي تظهر في بعض الشقق في منطقة "دوربان" غربي المدينة .

كما ان قيام هذه البنايات بالتخلص من المياه العادمة الناتجة عن السكان عبر الحفر الامتصاصية التي تقع بالعادة تحتها او بالقرب منها ،يجعل الملاح التي تحتوي عليها المياه العادمه تفتت الصخور وتضعف الأساسات وبالتالي تتعرض العمارات للهبوط او الانزلاق، حيث يخسر المواطنين شققهم بسب انها تصبح غير قابلة للإصلاح او التعمير ، وفي هذه الحالة يتعرض السكان لأكبر عملية غش واحتيال من اصحاب العمارات الذين يبيعون هذه الشقق بأثمان مرتفعة تصل الى 35 الف دينار .

مسؤولية من ؟؟!!

قلة المساحات الصالحة للبناء في المدينة ،وسيطرة الاحتلال على أراضيها ومنع الفلسطينيين من استخدامها بحجة انها مناطق "c" جعلني اتجه الى إنشاء هذه العمارة من اجل توفير الشقق لتغلب على مشكلة زيادة السكان ، ولا أتحمل مسؤولية ان البلدية والدفاع المدني لا يملكون معدات لحماية المواطنين في الطوابق المرتفعة ، و توفير "السلم الهيدروليكي " تقع على عاتقهم ، ولم اسمع في أي بلد ان اصحاب العمارات تقع عليهم مسؤولية حماية سكان اذا وقع حريق او زلازال ، وبدل من ان يكافئ اصحاب البنايات يتم تحويلنا الى القضاء .

هذا ما رد به (ع، ق) احد اصحاب البنايات "المخالفة " "لمضمون جديد" مشيرا الى انه اجرى فحص لتربة الارض الذي قام عليها البناء والتزم بتوصيات المهندس من حيث التسليح وضاعف كميات الحديد لتتحمل لغاية 15 طابقا ، فيما يقول (س، ج) والذي رفض تركيب كاشف للدخان وصناديق للإطفاء في بنايته ، ان هذه العملية ستكلفه الكثير من المال ويصعب إعادة حفر الجدران وخلع البلاط ، مسلما أمر السكان لله على اعتبار ان كل شيء قضاء وقدر .

فيما يشير (ف،ع ) احد مالكي العمارات التي تزيد 16 طابقا ولم ياخذ ترخيص للنشاء ان الشروط التي تفرضها البلدية والدفاع المدني صعبة وغير مقنعه وهدفها التضييق على رجال الإعمال ، وان القضية المرفوعة ضده لم تثينه عن مواصلة البناء ،مؤكدا انه سيقوم بترخيص عمارته في حل تم تغير القوانين او تجد الجهات المعنية حلالا يناسبه .

البحث عن حل

أعضاء لجنة السلامة العامة في المدينة يحاولون البحث على حلول تستطيع من خلالها توفير الحماية للسكان ، إضافة الى وضع حدا للمخالفين من اصحاب البنايات وثنيهم عن الاستخفاف بحياة البشر ،حيث يفيد المهندس لؤي القيسي مدير دائرة التخطيط في المحافظة واحد أعضاء اللجنة انه بات من الضروري وقف التعديات والاحتيال على المواطنين وذلك من خلال المطالبة بان تكون لدى الجهات المختصة خطة طوارئ جاهزة لان البنايات العالية أصبحت قائمة ولا ننتظر حتى تقع كارثة لنبدأ بإلقاء اللوم على هذا او ذاك .

كما سيتم دعوة نقابة المهندسين بعدم الموافقة على تدقيق مخططات البناء في العمارات المخالفة ، وعدم السماح للمهندسين بالإشراف على الأبنية الا بعد التأكد بان أصحابها يلتزمون بالقانون ويطبقون شروط السلامة العامة مثل بناء مخارج لطوارئ والتجهيز المسبق لتمديدات الغاز ، وفحص التربة والالتزام بعدد الطوابق المسموح بها .

وأيضا سيطلب من البلدية بضرورة التوقف عن عروض الترخيص المميزة التي تقدمها سنويا لمالكي العمارات غير المرخصة ، والتي تكون لصالحهم من خلال التهاون بالالتزام بالشروط ودفع الغرامات ،وينتظرها المخالفين لإطفاء الشرعية على أبنيتهم الخطرة ، إضافة الى الضغط على الدفاع المدني من اجل تطوير معداته خاصة توفير "السلم الهيدروليكي " والذي اصبح وجوده ضرورة ملحة في ظل انتشار ظاهرة البنايات المرتفعة ،وإعداد مخطط هيكلي لمحافظة من اجل التوقف عن البناء العشوائي ، ويعمل على تنظيم عملية الإنشاء تمدد الأبنية بشكل أفقي وليس عمودي .

ومن الجدير ذكره ان اغلب سكان هذه العمارات ،لم يكونوا على علم مسبق بان حياتهم ستكون مهددة ، ولا يسمح بالبناء الا للطابق السابع ، وقاموا معظمهم بشراء واستجار الشقق دون طلب الترخيص من المالكين ، وكانوا يصابون بالدهشة عندما تقوم طواقم الدفاع المدني بزيارة منازلهم لمعرفة مدى تطبيق شروط السلامة العامة . ويتم اخبارهم بان البناية غير مرخصة ولا يوجد فيها مخارج للطوارئ ، وصناديق اطفاء وكاشف للدخان ، وتمديدات للغاز ، الامر هذه سيدفع السكان الى رفع دعاوي قضائية جماعية ضد أصحاب العمارات كما يقول المواطن بديع خلف .

وهنا لا بد من طرح سؤال ، هل تنتظر الجهات المختصة ان يقع حريق او زلزال ويسقط الاف السكان ضحايا من اجل التحرك لوضع حد لهذه الظاهرة ؟؟؟!!! وهل توفير آليات الإنقاذ بحاجة الى وقوع كارثة ليتم إدراك الجهات المختصة لأهمية وجودها ؟؟؟!!!

أضف تعليقك