الصرف الصحي ليست أثافيها الوحيدة .. مواصي غزة تشرب البحر

غزة - محمد مهدي - مضمون جديد

"حاولت عبور مستنقع مياه الصرف الصحي فغاصت قدماي إلى الركبة داخل تلك القذارة، ولم أتمكن من الخروج بسهولة، وبعد أن جاهدت للخروج من هذه الورطة، بأقل الخسائر كانت الثمن أن أخرج قدمي من دون الحذاء".

بهذه الكلمات يشرح الكهل يوسف مقداد معاناته واهالي منطقته من انتشار مياه الصرف الصحي في احدى أزقة المواصي التابعة لبلدية رفح – جنوب قطاع غزة.

الاهالي وبعد انتظار طال، قرروا التحرك، فاكتشفوا ان ميزانة المشروع الذي عجزت بلدية رفح عن تنفيذه لتصريف مياه "الصرف الصحي" التي غمرت أحد أزقة منطقة مواصي رفح رغم النداءات المتكررة التى صدحت بها حناجر سكان المنطقة لم تتجاوز الـ "480" دولار امريكي.

يقول إن: "جيرانه تشاركوا في جمع المبلغ لمد أنبوب شكل حل مؤقت لمشكلة مياه الصرف الصحي التي غمرت الشارع وتراكمت أمام منازلهم بشكل شبه مستمر.
الأهالي بعد أن ملّوا انتظار تدخل البلدية قرروا الاشتراك في تمديد أنبوب يعمل على تصريف المياه خارج حدود المنطقة ببضعة أمتار".

وتقع منطقة المواصي جنوب غرب القطاع، وتجاورها مباشرة من الجهة الجنوبية جمهورية مصر العربية. وتقدر مساحة "مواصي رفح" بـ " 4" ألف دونم. بينما تصنف المنطقة بانها من الأرياف، حسب جهاز الاحصاء المركزي الفلسطيني.

بالنسبة الى مقداد فان جل الخدمات المقدمة للمنطقة من قبل المؤسسات الحكومية لاسيما البلدية "صفر"، مستشهدا بالمياه، حيث يقول: نسبة الملوحة في مياه الشرب شديدة وهي لا تكاد تختلف عن مياه البحر".

وهذا ما تشير اليه المسنة الحاجة مريم أحمد. تقول العجوز التي أبصرت النور في أزقة المواصي، ان:" المياه الجوالة هي المصدر الأساسي للشرب والاستخدام اليومي، مما يكبد عائلتي المزيد من المصاريف اليومية، لا سيما وان مياه البلدية شديدة الملوحة وغير صالحة للاستخدام الأدمي.

وتساءلت لـ "مضمون جديد" ما الذي يمنع البلدية من إيصال مياه صالحة للاستخدام وصالحة للشرب، رغم وجود بئر للمياه العذبة قريب من المنطقة؟

معاناة أحمد لم تتوقف عند شراء المياه المحلاة فالتيار الكهربائي لا يصل الحي الا في ساعات محدودة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة موضحةً أنها تستخدم فرن صنعته من الطين لإشعال النار بداخله لصنع الخبز وطهى الطعام .

وتعيش أحمد مع أسرة مكونة من "25" فردفي بيت مغطى بألواح الزينكو والاسبست يتكون من خمس غرف صغيرة.

وكانت سلطات الاحتلال الإسرائيلي قد انسحبت من مواصى رفح في العام مايو/ايار 2005، بعد ان عاث بها خراب ودمار كبير، وعرف آنذاك بالانسحاب أحادي الجانب.

ويمتهن معظم سكان مواصي رفح البالغ عددهم 4000 نسمة حرفتي الزراعة والصيد، فيما يقطن سكانها في منازل صغيرة قديمة البناء. وتعود أصول السكان إلى قرى من الـ"48" وهى الجورة وحمامة.

منفى داخل منفى
"
ساعات أقضيها يوميا في البحث عن خدمة الانترنت لإنجاز المهام الدراسية المطلوبة منى، خاصة وان المواصي لم تعرف بعد التواصل مع الآخرين عن بعد"، يقول الطالب الجامعي احمد النجار .

ويصف حال المواصي بأنها تعيش في منفى داخل منفى، فلا يعرفها سوى قاطنيها فيما تغيب عن أجندة المسؤولين ومقدمي الخدمات اليومية.

المتجول في المنطقة لن يبصر خطوطا للهواتف الأرضية، وسيلاحظ غيابا كاملا للبنية التحتية، والمرافق الصحية - إلا من عيادة منقوصة الخدمات - والتنموية والاجتماعية، كما ان المتنفس الوحيد، وهو البحر، يعانى هو الآخر من تلوث، استنادا الى دراسات وأبحاث أجرتها وزارة الصحة ومصلحة مياه بلديات الساحل التي بدورها حظرت السباحة في المنطقة.

وفي غزة يتم التخلص من مياه الصرف الصحي في البحر عبر أنبوب مما أدى الى تلوث شواطئ القطاع، وانتشار العديد من الأمراض الجلدية وسط الأطفال، وذلك بحسب مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين.

وهو ما اختبره صاحب البيت المجاور لأنبوب الصرف الصحي محمد النجار. يقول النجار لـ "مضمون جديد" إن أمراضا جلدية عديدة ظهرت على أبنائه وأحفاده، مثل "الحبوب والحساسية والحكة "، عازيا السبب لمياه الصرف الصحي التي يتم تصريفها في المكان.

واشار الى ان سكان المنطقة تقدموا بشكوى للمؤسسات ذات العلاقة للعمل على نقل خط تصريف المياه إلى مكان آخر أو تمديده لداخل البحر بمسافة معقولة من اجل إنقاذ حياة المواطنين من التلوث وكذلك الحفاظ على بيئتهم.

ويلفت إلى أن أطفال الحي يرفضون الامتناع عن السباحة في البحر، رغم التحذيرات المتكررة "فكل ممنوع مرغوب" كما يقول، مطالبا الحكومة ومؤسساتها ان تقوم بالمهام المنوطة بها طالما إنها تتقاضي بدل هذه الخدمات.

أقفاص حديدية

وتحوي منطقة المواصي على مدرسة واحدة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الاونروا" وهي عبارة عن عدد من الكونتينرات تستقبل طلاب وطالبات المرحلتين الابتدائية والإعدادية، بيد أنه مع بداية الفصل الدراسي الحالي تم ترحيل الطلاب لمدرسة أخرى تبعد عن منازلهم ما يزيد عن السبعة كيلو متر. أما طلاب المرحلة الثانوية فأمامهم مشوار طويل يستغرق قرابة 45 دقيقة سيراً على الأقدام.

ويطالب أهالي الحي وزارة التربية والتعليم بالاحتذاء بالأونروا والعمل على توفير مواصلات لأبنائهم الطلاب ليساهموا في تخفيف جزء من معاناتهم.

وتعمل على خدمة المنطقة لجنة من أبناء الحي تسعى إلى تقديم المساعدات ومتابعة الاحتياجات لسكان الحي.

ووفق عضو لجنة حي مواصي رفح اكتمال أبو عودة غإن الظروف التي مرت بها منطقة المواصي من إغلاق بفعل قوات الاحتلال الإسرائيلية وعزلها عن باقي المناطق ساهم في حرمان المنطقة من الاستفادة من المشاريع التنموية ومشاريع تطوير البنية التحتية

ولم تكن المنطقة لتستفيق من أثار الحصار الإسرائيلي بعد الانسحاب الجزئي عام 2005 حتى مرت بأزمة التناحر السياسي وما تبعه من انقسام بين شطري الوطن، ليبقى مشروع توصيل خطوط الكهرباء هو المشروع التنموي الوحيد الذي تمكن السكان من الاستفادة منه.

وأضافت أبو عودة ان:" اللجنة تعمل على التواصل الدائم مع بلدية رفح ووزارة الحكم المحلي في حكومة غزة للعمل على تطوير البنية التحتية في الحي وكذلك تسعى لتوفير مساعدات عاجلة من مؤسسات دولية لسكان الحي يتم توزيعها حسب الحاجة .

اتهامات متبادلة

واتهم عضو اللجنة مجلس إدارة بلدية رفح بالتقصير في خدمة منطقة مواصي رفح وغياب المتابعة للجان الأحياء محملةً إياه مسؤولية غياب فوانيس الإنارة على الطريق المؤدي إلى الحي وكذلك داخل الحي.

لكن رئيس بلدية رفح صبحي رضوان ينفي ذلك، مؤكداً على أن بلدية رفح تبذل قصاري جهدها لإيصال المشاريع لتلك المنطقة "رغم الظروف الصعبة والإمكانيات المحدودة "

ونقل بدوره الاتهام للجنة الحي التي قال إنها لم تطالب بفوانيس إنارة خلال مشروع إنارة رفح الذي أشرفت عليه بلدية رفح بالاشتراك مع جميع لجان الأحياء بتكلفة اجمالية وصلت إلى 100,000 دولار امريكي.

واشار إلى حرص البلدية على متابعة شكاوي المواطنين التي تصل إليها والعمل على معالجتها عبر القسم الخاص بها .

وأوضح رضوان أنه تم تجهيز مخطط لتوسيع وتعبيد شارع الرشيد ( الموصل إلى المنطقة ) وبعد توسيع الشارع ليصبح بعرض 10 أمتار على حساب 15 منزل سيتم هدمها سيبقى شارع الرشيد بدون إنارة " بسبب نقص الميزانية " .

فيض من الوعود !!

فيما يتعلق بشبكة الصرف الصحي وعد رضوان بتركيب مضخة لربطهم بشبكة الصرف الصحي بالاشتراك مع مصلحة مياه بلديات الساحل " خلال الفترة القريبة".

كما ستسعى البلدية لتخليص المنطقة من الحشرات والبعوض من خلال البحث عن أماكن تكاثره ومكافحتها بثلاث وسائل: رش البرك وتجمعات المياه بمادة bti وهي عبارة عن معالجة بيولوجية لمكافحة اليرقات، ومعاودة رشها مرة أخرى بمادة المازوت، ومن ثم الانتهاء باستخدام جهاز التدخين الذي يقتل الحشرات".

ملوحة المياه

وعن المشكلة التي أرهقت سكان المنطقة والمتعلقة بشدة ملوحة المياه قال رئيس البلدية: نحاول توفير سيارة لتوصيل المياه المحلاة لسكان المنطقة مجاناً كحل عاجل وهناك مشروع استراتيجي سينفذ قريباً".
ونوه رضوان إلى أن مشكلة ملوحة المياه موجودة في عدة مناطق خارج نطاق رفح متل غزة والشاطئ .

لكن هل توجد في تلك المناطق آبار تخرج مياه عذبه وحرمتهم بلدياتهم من استعمالها؟ وماذا يعني ان منطقة المواصي تقع فوق خزان جوفي عذب؟

أسئلة لم يجب عليها رضوان إلا بعد أن قام بإجراء اتصال هاتفي مع مسؤول قسم المياه في البلدية ليعود بوعد بربط الحي بالآبار العذبة خلال هذا العام .

انبوب الصرف الصحي الذي جلب الأمراض لأطفال الحي وأحال الشاطئ لمنطقة ملوثة لا تصلح للسباحة أو الاستجمام كان حاضراً على طاولة رئيس البلدية الذي يرى أن رفح تتميز عن باقي مناطق القطاع بوجود محطة معالجة تعمل على تنقية مياه الصرف الصحي وتحويلها لمياه صالحة للزراعة.

وهو ما ساهم في تقليل نسبة التلوث التي كانت تتراوح ما بين 300_500 لتصبح بعد المعالجة 30 درجة فقط " وبقي مرحلة واحدة فقط لتصبح صالحة للاستخدام الأدمي في الزراعة".

وأعرب رضوان عن عجز البلدية نقل أنبوب الصرف الصحي لأي مكان أخر أو تمديده داخل البحر بما يضمن الحفاظ على نظافة الشاطئ معللا ذلك بممانعة الاحتلال الإسرائيلي وعدم توفر ميزانية تغطي هذا المشروع " .

تلك الوعود لو تحققت ستريح المواطنين في تلك المنطقة ولو قليلا .. ولكن متى يأتي القريب الذي تنتقل فيه مشاريع تطوير البنية التحتية لتلك المنطقة من الأوراق إلى حيز التنفيذ؟

أضف تعليقك