الخسف ... خطر يتربص بالمياه الجوفية وسط جهل رسمي وشعبي

رام الله - شذى حماد - مضمون جديد

تفتقر فلسطين للإستراتيجية التخلص من المياه العادمة على المستويين الرسمي والشعبي، اللذان يرتكبان عن قصد وغير قصد تجاوزات خطيرة بحق البيئة الخارجية والمكنونات الأرضية والمياه الجوفية .

والخسف (الصدع) من أخطر الطرق التي يستخدمها المواطنين للتخلص من المياه العامة، عن غير وعي بما يرتكبونه من انتهاكات بحق الطبيعة وبدون رقابة رسمية، حيث يقيم المواطن حفرة امتصاص على الخسف حتى لا يضطر لإعادة سحب المياه العادمة مرة أخرى فيوفر تكلفة التخلص منها، مخالفا بذلك قانون البيئة في فلسطين والذي ينص على إقامة حفرة صماء غير مسربة للمياه العادمة ويقوم بسحب المياه مرة أخرى وإلقائها بمكان تخصصه البلدية.

مشكلة حاضرة غائبة

وعلى الرغم ان كلمة "خسف" من الكلمات الجيولوجية الرائجة بين المواطنين وطريقة شائعة الاستخدام، إلا أنها غير دراجة ضمن المصطلحات البيئية المستخدمة في الوثائق والنشرات والدراسات البيئة ما أثار صعوبة في تناول القضية ومناقشتها.

فأكد مدير عام الإدارة العامة للسياسات والتخطيط في وزارة جودة البيئة زغلول سمحان على أن مصطلح "الخسف" غير دارج في المصطلحات البيئة المعتمدة في الوزارة، وقد يكون ترجمة لمصطلح جيولوجي أجنبي.

وقال سمحان،" التخلص من المياه العادمة يجب أن يتم في محطات المعالجة التي تصلها المياه العادمة عبر شبكات الصرف الصحي، والتخلص منها في غير ذلك يعتبر مصدر تلويث للبيئة عامة وللمياه الجوفية بشكل خاص"، مضيفا،" عندما يتم التخلص من المياه العادمة بطريقة عشوائية في البيئة الطبيعة من خلال تفريغها في الأودية والسيول، تجتاز طريقها عبر الفتحات والشقوق وتتسرب إلى المياه الجوفية فتلوثها وتهدد جودتها".

ويبين سمحان أن "الخسف" هي تشققات عميقة في الصخر الجوفي يستخدمها المواطنون بطريقة مباشرة للتخلص من المياه العادمة جاهلين أنها تشق طريقها بخبث لتتسرب إلى المياه الجوفية، ويقول سمحان،" إن نوعية الصخور والتربة وطبيعة التضاريس تلعب دور في تسهيل تسرب المياه العادمة عبر "الخسف" ووصولها ونفاذها إلى المياه الجوفية".

وأوضح سمحان أن المياه العادمة أثرها ليس سلبي فقط على المياه وإنما تدمر التربة وتزيد نسبة الملوحة فيها وتغير من جودة المعادن التي تحتويها.

من جهة أخرى، أشار سمحان إلى أن المياه العادمة مشكلة تواجهها كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، وقال،" تعاني قطاع غزة من المياه العادمة ونقص المياه الصالح للشرب والتي وصلت إلى ( 5% ) بسبب ارتفاع نسبة النيترات والفلورايد بسبب تسرب المياه العادمة إلى الخزان الجوفي".

آفة اجتماعية

لا تختصر مشكلة التخلص الغير الشرعي من المياه العادمة عبر حفر الامتصاص على تلويث البيئة فقط، لتمتد لتخلق مشاكل اجتماعية وعائلية في داخل المجتمع الفلسطيني، فيقول مدير دائرة الصرف الصحي في سلطة المياه الفلسطينية عادل ياسين،" إن التخلص من المياه العادمة عبر حفر الامتصاص المقامة على الخسف تخلق مشاكل اجتماعية بين الجيران والأقارب تفاقت إلى شجار وعنف

وأدت في بعض الأحيان إلى القتل"، مضيفا،" تسرب المياه العادمة إلى آبار المياه القريبة وتلويثها أثار مشاكل بين الجيران كما أن حفر الامتصاص تمتلئ وتفيض على الشارع مما يسبب إزعاج للمواطنين".

وبين الياسين أن حفر الامتصاص تشكل خطورة كبيرة على أساسات المنازل، وقال،" إن المياه العادة تتسرب عبر الخسف إلى أساسات المنازل وتقوم بحتها وتسارع في تآكلها مما قد يؤدي إلى انهيار المنازل مع مرور الوقت".

ولا يقتصر المواطنين تفرغ المياه العادمة في حفر الامتصاص الغير قانونية فقط، بل يتعمدون نضحها في فصل الشتاء بالشوارع وإلقائها بشكل عشوائي في الأودية ظنا منهم أنها ستذهب مع المياه .

في ذات السياق، أوضح الياسين أن (40 مليون متر مكعب) من الحفر الامتصاصية تتغلغل سنويا إلى التربة والمياه الجوفية، داعيا السلطة الفلسطينية إلى الإسراع بإنشاء شبكات صرف صحية تصب في محطات معالجة لضمان التخلص من المياه العادمة بطريقة صحيحة.

النضح الغير شرعي

يقوم المواطنون في البلدات والقرى الفلسطينية بنضح حفر الامتصاص بعد امتلائها، وإلقائها في الأودية والسيول بطريقة عشوائية دون معالجتها أو الحصول على ترخيص من الجهات المعنية، ولا يختلف ذلك عن إقامتها على الخسف، فكلاهما غير قانوني يهلك البيئة ويدمرها.

فيقول عدي حامد أحد ساقي سيارات النضح،" أقوم حسب طلب المواطنين بنضح حفرة الامتصاص وإلقائها في المكان الذي خصصته بلدية سلواد، وهو مكب نفايات كفر عانة في بلدة سلواد شرق رام الله"، مضيفا،" يقيم بعض المواطنين حفرة الامتصاص على خسف ما يوفر عليه نضحها لخمسة أو عشرة سنوات".

وفي ذات السياق، يفسر سائق سيارة نضح محمد العداسي الخسف بأنها،" حفر عميقة في الصخر تمتد لأعماق الأرض وتسرب المياه العادمة لوحدها لعشرات السنوات دون الحاجة لنضحها"، مضيفا،" يقوم عشرات المواطنين باقامة حفر الامتصاص على هذه الخسف ليوفروا على أنفسهم تكاليف نضحها".

ويبين العداسي أن لا يوجد أماكن محددة لإلقاء المياه العادمة بعد نضحها، وخاصة في ظل الافتقار لمحطات المعالجة وشبكات الصرف، ويقول،" أقوم بالقاء المياه العادمة في أماكن مفتوحة تحددها البلدية، على الرغم أن ذلك يؤذي الطبيعة ولكن لا يوجد حفرة تستوعب ما ينتجه المواطنين من مياه عادمة"

شبكات الصرف تخدم 30% من السكان

يقول مدير دائرة الصرف الصحي في سلطة المياه الفلسطينية عادل ياسين،" معظم المدن الفلسطينية باستثناء أريحا فيها شبكات صرف صحي تغطي (60 -90%) من مجمل سكان المدن، ولكن القرى والبلدات الفلسطينية تقوم بالتخلص بطرق تقليدية من المياه العادمة عبر الحفر الامتصاصية أو إلقائها في الأودية والسيول".

مبينا أن نسبة السكان الذين تغطيهم شبكات الصرف الصحي (30 %) من مجمل السكان العام، مؤكدا على أنه من النادر أن يستخدم باقي المواطنين الحفر الصماء المنصوص عليها بالقرارات البيئية الفلسطينية.

وأشار ياسين إلى أنه تم ملاحظ ارتفاع نسبة النيترات الكلي في بعض الآبار الجوفية في طولكرم وقلقيلة كنتيجة لتسرب المياه العادمة إلها، وخاصة أنه يتم التخلص منها في أودية مفتوحة،

وقال،" تم مشاهدة البكتيريا القولونية البرازية في الآبار الجوفية واليانبيع في قرية عين قينا شمال شرق رام الله والطيرة في غربها، والبلدة القديمة في نابلس، كنتيجة لتسرب المياه العادمة من الحفر الامتصاصية.

وأوضح ياسين أن نسبة المياه العادمة التي تنتج في الضفة الغربية ( 50– 70 مليون متر مكعب ) يتم معالجة اثنين مليون متر مكعب في محطة معالجة البيرة ، و(13 – 15 مليون متر مكعب ) تم معاجلته في اسرائيل، وقال،" إن باقي المياه العادمة يتم إلقائها في وادي الساجور /نابلس، وادي الزومة/ طولكرم ، وادي جبل النار / بيت لحم، وادي السمن / الخليل، وادي رباح / قلقيلة، وادي المطوة/ سلفيت".

وعن استخدام المياه العادمة بعد معالجتها، يقول ياسين،" يتم القاء المياه العادمة بعد معالجتها في الأودية ولا يتم استغلالها في الزرعة.

من جهتها، أكدت مهندسة الصرف الصحي في بلدية البيرة لمياء حمايل على أنه أقل من 1% من المياه العادمة المنتجة من محطة معالجة في البيرة يتم استخدمها، وقالت،" يدخل يوميا على محطة المعالجة خمسة آلاف متر مكعب من المياه العادمة التي يتم معالجتها ثم إلقائها في وادي العين".

فوسط انعدام شبكات الصرف الصحي ومحطات المعالجة في القرى والبلدات الفلسطينية، أصبحت الخسف وحفر الامتصاص إحدى الطرق الشائعة للتخلص من المياه العادمة كنتيجة لغياب استراتيجة بيئة فلسطينية تضمن مياه جوفية نقية تسد ظمأ الفلسطينيين وسط الانخفاض المستمر لمستوى المياه الصالحة للشرب، لتنتظر من يدق ناقوس الخطر يوما ما ويضع حدا لتجاوزات قد تفقدنا يوما ما مصادر المياه المحدودة المتوفرة لدينا.

أضف تعليقك