ارتفاعات فلكية لأسعار الأراضي والعقارات في قطاع انهكه الحصار

غزة – حسن دوحان - مضمون جديد

على مدار خمسة سنوات متواصلة، والمواطن صبحي حسن من مدينة رفح يحاول شراء قطعة صغيرة من الأرض في إحدى القرى أو الأحياء الجديدة في المدينة، لكن من دون جدوى.

ما أن يدخر حسن - 45 عاماً - مبلغا من المال كان سابقاً يساوي ثمن الأرض التي أراد شراؤها، يصطدم بوحش ارتفاع أسعار الأراضي إلى أن وصلت لمستويات قياسية لم يعهدها قطاع غزة من قبل.

هو موظف بسيط يقطن في مخيم بشيت برفح في منزل متواضع مساحته لا تتجاوز 60 متراً مكون من غرفتين وصالة منافعهما، ولديه أسرة مكونة من تسعة أفراد عبارة عنه هو وزوجته وثلاثة أبناء وأربعة بنات، وبالكاد يتنفس الهواء في منزلهم الصغير والضيق..

ضيق الحال، ارتسم على معالم وجهه تجاعيد رغم صغر سنه. يقول انه هربا من طلبات أسرته وإلحاح زوجته بتوفير مكان أوسع لهم للسكن يقضي معظم وقته في نادي خدمات رفح القريب من منزله مع بعض الأصدقاء أو في التجول بين الأراضي لعله يجد قطعة ارض ملائمة للسكن وسعرها يناسب إمكانياته المتواضعة.

ويقول حسن نفذ صبري، وأصبحت قليل الحيلة في نظر أبنائي وزوجتي، فمنذ سنيين أعدهم بشراء قطعة ارض، لكن إرتفاع أسعار الأراضي لم يعد يطيقه سوى الأغنياء والقادرين، وكأن غزة لم تعد فيها مكان سوى للأغنياء والقادرين".

ويضيف، قبل خمسة أعوام ذهبت لشراء قطعة ارض مساحتها 300 متر في منطقة مصبح شمال رفح كان سعرها 20 ألف دينار أردني، والآن أصبح سعرها 55 ألف دينار أردني أي ما يقارب الضعفين، وهناك أمثلة كثيرة لغلاء أسعار الأراضي صادفتها، وحتى إن بعت منزلي لن أتمكن من شراء قطعة الأرض،

وكان تخطيطي أن اجمع ثمن الأرض وابني منزلاً لأولادي بثمن البيت الذي اقطن فيه، ولكن الآن لا اعرف ماذا أفعل. وحالة حسن ليس فريدة فهناك عشرات آلاف الحالات التي تعاني من الفقر والبطالة.
وحسب تقديرات رسمية فان ما نسبته 65% في قطاع غزة يعيشون دون معدل الفقر، بينما تتراوح نسبة البطالة في قطاع غزة ما بين 38% إلى 44% ، والبطالة في صفوف الشباب 63% .

لا أرض ولا شقة

احتار المواطن عبدو احمد كثيراً وهو يتنقل بين الأراضي في غزة لشراء قطعة ارض منها لارتفاع أسعارها المخيف، وعندما أعجبته قطعة ارض مساحتها 240 متراً في حي تل الهوا صعق من الثمن الذي طلبه صاحبه الذي تجاوز 300 ألف دولار رغم أنها بعيدة عن مركز الحي، فيما سعر متر الأرض في بعض مناطق حي تل الهوا قد يصل ما بين 1000 – 1200 دينار.

حالة الذهول التي أصابت المواطن احمد 39 عاماً دفعته للبحث عن شراء شقة سكنية ليصطدم مجدداً بارتفاع أسعارها التي باتت تراوح بين 60- 120 ألف دولار وفقاً لمواصفاتها.

يقول: لست قادراً على شراء قطعة ارض بهذه الأسعار الفلكية، والغريب أن قطعة الأرض التي ذهبت لشرائها تم بيعها بـ 330 ألف دولار أي أكثر من الثمن الذي طلبه صاحبها، فهناك فئة تشتري وتتحكم في أسعار الأراضي وترفع أسعارها.

ويضيف احمد "قراري الآن شراء شقة سكنية للانتقال من منزل العائلة الضيق في حي الشيخ رضوان إلى تلك الشقة، فقد أصبح تعداد أسرتي 7 أفراد والغرفة التي اقطن بها لا تتسع لي ولأسرتي، ومضطر للتوسع والشراء بأي ثمن، لقد كنا ننتظر أن تدخل مواد البناء لتنخفض أسعار الأراضي والعقارات ولكن هذا لم يحدث".

وبعد تعرض قطاع غزة للحصار منذ سنوات طويلة منعت اسرائيل بموجه إدخال مواد البناء إلا لصالح مشاريع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين والمشاريع التي ترعاها مؤسسات دولية، بينما مواد البناء التي نجح العاملون في إدخالها منذ ثلاثة أعوام أسعارها مرتفعة للغاية.

ورغم استقرار السعر عند حدود مقبولة منذ عام مما شجع أهالي غزة لبناء بيوتهم أو التوسع بالبناء أفقياً وعمودياً.

أراض يهجرها أهلها

في شرق وشمال قطاع غزة، اضطرت الآلاف العائلات الفلسطينية لهجر بيوتها وأماكن سكنها لتعرضهم المستمر للنيران الإسرائيلية بعد استشهاد العشرات منهم، الأمر الذي ساهم في ارتفاع أسعار الأراضي ووصولها لمستويات فلكية.

أما في جنوب قطاع غزة ورغم انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي فلم يعد أصحاب الأراضي لها لأنها منطقة حدودية خطرة تتعرض باستمرار للقصف الإسرائيلي.

يقول المواطن رمزي سالم "اضطررت لترك منزلي في منطقة زلاطة شرق رفح لقربها من حدود قطاع غزة مع إسرائيل، لأنها تتعرض لإطلاق شبه يومي للنيران، كما أنها منطقة معرضة للاجتياح الإسرائيلي، والآن ابحث عن بيت أو قطعة ارض لبنائها وحتى منزلي في تلك المنطقة لا أجد من يشتريها".

ويضيف سالم "أسعار الأراضي والعقارات يؤرقني، ولا استطيع الاستمرار في الإيجار لأنه يهضم ثلث راتبي".

أراضي متنازع عليها

غلاء أسعار الأراضي اضطر عدد كبير من المواطنين لشراء أراضي حكومية أو متنازع عليها لرخص ثمنها على أمل أن يتم تسوية أوضاعها أسوة بتجارب سابقة كما حدث مع سكان حي البراهمة في رفح.

فهذا المواطن إبراهيم مقبول 33 عاماً إشترى قطعة أرض مساحتها 400 متر في حي البراهمة بسعر زهيد وعملت الحكومة المقالة على تسليمها لهم وإلزامهم بدفع ثمنها على أقساط، وقد وصل سعر المتر فيها 150 دينار رغم أنها منطقة بعيدة نسبياً عن حركة السكان والمناطق السكنية.

ويقع حي البراهمة غرب مدينة رفح بجوار حي كندا بتل السلطان. يقول مقبول: "ضاقت الدنيا بنا، وعندما سمعت ببيع تلك الأراضي دفعت ما كان لدي وهي 6000 الآلاف دينار أردني لشراء تلك الأرض والتي أصبحت ملكنا بعد صراع طويل..

وتبلغ مساحة قطاع غزة 360 كم مربعا ويعتبر صغيراً نسبة لتعداد السكان والذي يبلغ حسب إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني قرابة المليون وستمائة المليون نسمة، ويعد من أكثر مناطق العالم اكتظاظا بالسكان.

الأغنياء الجدد

وترتبط ظاهرة غلاء أسعار العقارات والأراضي بظاهرة الأغنياء الجدد التي طفت في المجتمع الفلسطيني بعد إحداث الرابع عشر من حزيران عام 2007، ونتيجة للحصار الإسرائيلي على قطاع غزة التي أدى إلى لجوء أعداد من المواطنين للعمل في الأنفاق على الحدود الفلسطينية المصرية بعد ان اصبحت مصدر دخل مهم لهم.

ويبغ تعداد الأغنياء الجدد حسب إحدى الدراسات العلمية ما يربو عن ستمائة مليونير إضافة إلى الآلاف ممن باتوا يملكون دون المليون دولار.

يقول إسماعيل مصطفى "منذ نحو عدة أعوام اشتريت دونم ارض في غزة بنحو مليون دولار، وبعته قبل أشهر بثلاثة ملايين دولار لأحد الأغنياء الجدد.

بينما يقول المواطن زياد جبر "اشتري الأراضي لأنه لا يوجد مجالاً للاستثمار غير الأراضي، ورغم ارتفاع أسعارها إلا أنها تعتبر ادخاراً للفلوس، ويشير إلى أن الله وفقه في عمله وتمكن من جني المال لكنه لا يعرف أي مجال غير مجال الأراضي للاستثمار فيه.

ويرجع صاحب مكتب الوحدة للعقارات وتجارة الأراضي عادل زعرب ارتفاع أسعار الأراضي إلى وجود دخل لدى بعض الناس، إضافة إلى الكثافة السكانية الكبيرة في قطاع غزة، بينما مساحة الأراضي محدودة، واتجاه ممن لديهم أموال للاستثمار في الأراضي لعدم وجود مجالات أخرى، كما أن ارتفاع أسعار الأراضي ليس في فلسطين فقط وإنما على مستوى العالم.

يقول زعرب "وصل سعر متر الأرض في مركز مدينة رفح ما بين 1500-1700 دينار أردني، والأراضي العادية يتراوح سعرها بين 80-250 دينار للمتر الواحد، وتوقع مزيد من ارتفاع أسعار الأراضي".
غسيل الأموال

وتربط الخبراء ظاهرة ارتفاع أسعار الأراضي مع ظاهرتي الأغنياء الجدد وعمليات تبييض الأموال التي تجري في قطاع غزة.

يقول أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر د. معين رجب لـ "مضمون جديد": إن الأغنياء الجدد يقومون بعمليات تبيض الأموال الاتجار بالأراضي والعقارات والسيارات وغير ذلك.

ويضيف "أضرت ظاهرة ارتفاع أسعار الأراضي والعقارات بالمواطن البسيط الباحث عن سكن وبيت يؤويه".

أما رئيس قسم الاقتصاد في كلية التجارة بجامعة الأزهر د. سمير أبو مدللة فقال لـ "مضمون جديد": "الأثرياء الجدد في قطاع غزة أو أمراء وأباطرة الأنفاق التي يبلغ عددها ما بين 900 – 1200 نفق أدت إلى ظهور أكثر من 600 مليونير في قطاع غزة حسب دراسة علمية أجريتها..

ويضيف د. أبو مدللة "احتكار الأراضي من قبل تجار الأراضي أدى إلى رفع أسعارها بشكل مخيف وفلكي في إطار عمليات غسيل الأموال، فمنزل في جباليا مساحته 100 متر في شارع الترنس أصبح يباع ب 400 ألف دينار أردني.

ويشير د. أبو مدللة إلى أن الارتفاع غير الطبيعي لأسعار العقارات والأراضي له علاقة بسماسرة وتجار أراضي الذين باتوا يحددون ويرفعون أسعارها في إطار عمليات غسيل وتبيض الأموال، حتى
وصل سعر دونم الأرض في مدينة غزة ما بين أربعة إلى خمسة مليون دولار (4 – 5) مليون دولار.

بينما سعر الشقق السكنية في المخيمات أصبحت تتراوح ما بين 60 او65 ألف دولار. أما الشقق في مدينة غزة فأصبح سعرها 120 ألف دولار، والشقة غير المشطبة سعرها 110 ألف دولار لا يستطيع أي من أفراد الطبقة الوسطى شراؤها.

ويؤكد أبو مدللة انه في مقابل ظاهرة الغنى الفردي ترتفع نسبة البطالة في قطاع غزة لتصبح تتراوح ما بين 38% إلى 44%، ونسبة الفقر المطقع 63%، والبطالة في صفوف الشباب 63%.
بالنسبة الى الخبراء فان ظاهرة ارتفاع اسعار الاراضي والشقق باقية طالما بقي الحصار، والاحوال السياسية في القطاع. فهل على المواطن البسيط الانتظار حتى هدوء الحال؟ والى متى؟

أضف تعليقك