سائق تكسي

دفع الجشع سائق التكسي الكوري الجنوبي لسرقة زبون زميله لأنه أجنبي ويدفع بالدولار  ليكتشف بعدها بساعات انه تورط بنقله  لقرابة الساعتين من سيؤول العاصمة  إلى إقليم  غوانجو جنوبا، ليتفاجأ بأنها  تشهد "توترا" كما كانت قوات الجيش تسميها بينما هي في الحقيقة كما يعرفها العالم "انتفاضة غوانجو" 18 مايو/ أيار 1980 ضد الحكم العسكري الذي كان هناك.

من هنا تبدأ المعرفة ما بين السائق والصحفي  في  الفيلم الذي يحمل اسم "سائق التكسي" ويمثل قصة حقيقة  نشأت في الأحداث الدامية في الانتفاضة الشعبية التي استمرت من 18 وحتى 27 أيار مايو، بعيدا عن النقد الفني للفيلم والذي كان مميزا إنتاجا ونصا وحبكات وتمثيل ، يدفعك للتفكير بأن البشر متشابهون في النهاية .

وان فوارق اللغة والجغرافيا والمعتقد ما هي إلا قوالب وضعنا أنفسنا فيها إما لضعف أو جهل أو تجهيل، واننا نكتفي بما نعرف وما اعتدنا عليها وما نرى أنه الأسلم لنبرر تلك الحواجز بيننا وبين الآخر إما لخوف او تعال لأسباب  كثيرا ما نجهلها.

  الصحفي ألماني تسلل من اليابان ليكشف ما يحصل داخل بلدة في كوريا الجنوبية، فسكان عاصمتها أنفسهم لم يكونوا على معرفة بحجم القتل والتنكيل الذي مارسه الجيش ضد طلبة وعمال عزل "تقل أرقام انه خلال أيام الانتفاضة القليلة مات ما يقارب 600 شخص مدني من قبل قوات الجيش والحكومة"

وسائق التكسي أرمل يعيل طفلة وهمه الوحيد جني المال حتى لو كان بالتحايل على زميله وسرقة زبونه الذي كان يعتقد انه رجل اعمال إلا ان حقيقته تكشفت له لاحقا ، بعدما كان يحاول  إقناعه جاهدا  بأن شباب الجامعة متهورين ولا يعرفون مصلحتهم ومصلحة وطنهم وأن قوات الجيش تحرص على مصلحة البلاد فهذا ما يعرفه وما نشأ عليه، هو نفسه كان جنديا سابقا فكيف لجندي أن يخون وطنه!

لكننا نرى التحول معا عندما كان هو نفسه ضحية للتنكيل الجيش  وتهمته فقط لأنه نقل صحفيا أجنبيا خوفا من أن يوصل الخبر للعالم فالصحافة الكورية قمعت حينها وحرقت صحف وامتنعت أخرى بتواطئ رؤساء تحرير معينين عن نقل الحقيقة، ونشرات الأخبار الرئيسية اكتفت بنشر الأغاني الوطنية ولعن المتظاهرين وتخوينهم.

يسرد الفيلم كيف تغيرت لغة سائق التكسي أخيرا وكيف تحولت رغبته من الحصول على الدفعة الثانية من أجرته إلى إنقاذ الصحفي "ليخبر العالم بما يجري" وكيف تأثر بتعاطف جيش سائقي التكاسي  في المدينة مع الطلبة والمتظاهرين حتى ان أصحاب محطات الوقود كانوا لا يتقاضون أجرا منهم تقديرا لجهودهم بنقل المصابين مجانا للمشافي، وهي صورة تتكرر في كل بلد  رأيناها في دول عربية عدة  ذات ربيع  عندما يتآزر الفقراء والمقهورين والمسحوقين  وبواقي طبقة متوسطة انزلقت إلى طبقات الفقراء بفعل سنوات من التضييق الاقتصادي والتجهيل وتدني الحريات.

قمعت الانتفاضة وعرف العالم تفاصيلها بعد نجاح الصحفي بالهروب والوصول إلى المطار بمساعدة سائق التكسي  وزملاءه ، وتغير الحكم ويقال أنه الآن ديمقراطي وأن السلطات الحاكمة هناك أنشأت مقبرة تذكارية لضحايا تلك الانتفاضة، التي أضيفت وثائقها  الموجودة في مبنى بلدية غوانغجو إلى سجل الذاكرة الإنسانية لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة"اليونسكو".

حصل الصحفي على جائزة مرموقة، وكرس سائق التكسي نفسه لمساعدة من يحتاج للنقل مجانا بعدها! هذا ما جاءت به نهاية الفيلم!

ويجبرك الفيلم لتبحث وتكتشف ان تلك الانتفاضة لم تكن الأولى بتاريخ كوريا فسبقها قبل 20 عاما انتفاضة طلبة وعمال دامية أخرى ، احتجو ديسمبر عام  1958 على ما قام به  رئيس الجمهورية آنذاك سيغمان ري  بإضافة تعديل لقانون الأمن القومي بحيث يزيد من صلاحيات الحكومة لتتمكن من تحجيم حرية الصحافة ومنع المعارضين من التصويت.

اندلعت المواجهات الأسلحة النارية من السلطة مقابل الحجارة من الطلبة الذي انضم لهم بعد عام من المواجهات  أبريل عام 1960 أساتذة الجامعة وتحولت إلى  تظاهرة وطنية أجبرت الرئيس خلال يومين التخلي عن السلطة.

لنكتشف دائما دون أن نقتنع ان من يكونوا ضمن تصورنا البشري أصناما آلهة لا تقهر تتهاوى ببساطة عندما  نقوى على قول "كفى"

أضف تعليقك