خلف التسول.. أطفال بظروف قاسية يفتقدون حقوقهم الأساسية

حكمت المحكمة مؤخرا بتجريم أحد المتهمين بجناية الاتجار بالبشر الواقع على حدث لم يكمل الثامنة عشرة من عمره من قانون منع الاتجار بالبشر، نظرا لقيامه باستغلال طفليه وتشغيلهما في أعمال التسول على الإشارات الضوئية المختلفة.

وفي تفاصيل تقرير المحكمة تبين أن المتهم استغل سلطته عليهما وأرغمهما على ترك المدرسة والتوجه للتسول على الإشارات الضوئية بذريعة مواجهة الظروف المعيشية السيئة ومن ثم يقوم بأخذ حصيلة الأموال التي يجمعها القاصران من أعمال التسول.

هذه الحادثة ليست جديدة على مجتمعنا، حيث تتماشى مع نتائج الدراسة التي أجرتها مؤسسة إنقاذ الطفل والتي حملت عنوانا "بين الطرقات: أصوات الأطفال المستغلين في التسول"، تشير إلى أن غالبية الأطفال انخرطوا بالتسول بتأثير من المحيط العائلي، وفقدان أحد الوالدين، وتخلي المعيل عن مسؤولياته في توفير الرعاية.

وتظهر الدراسة أن أكثر من 70 % من هؤلاء الأطفال خارج المدرسة، وأن نحو 86 % من الأطفال المتسولين دخلوا مراكز رعاية المتسولين أكثر من مرة، وأن 59 % من عائلات الأطفال المتسولين فيها حالات زواج أطفال، الأمر الذي يتطلب وجود أنظمة وقاية وتدخلات فاعلة ضمن البيئات الأكثر هشاشة.

 

22 % غير مسجلين رسميا

بحسب ذات الدراسة تبين أن نحو 22 % من الأطفال المستغلين في التسول، سواء بأنفسهم أو أفراد عائلاتهم، ليسوا مسجلين في السجلات المدنية، مما يعرضهم للحرمان من حقوق أساسية مثل الحق في الاسم والتعليم والصحة والحماية الاجتماعية.

الخبير في مجال حماية الأطفال والأسرة الدكتور سيد عادل الرطروط يشير إلى أن ذلك يعني أن هناك أطفالا يعيشون خارج إطار التسجيل الرسمي، وبالتالي لا تتوفر لديهم بيانات رسمية خاصة مثل وقت ومكان الولادة، مما يدل على احتمالية أن يكونوا ولدوا في المنازل دون إبلاغ أو تسجيل رسمي.

هذا الأمر، بحسب الرطروط يؤدي إلى عدم تمتع هؤلاء الأطفال بحقوقهم الأساسية، كعدم تلقيهم الرعاية الصحية اللازمة والتحصينات الضرورية، مما يعرضهم لمخاطر مثل انتقال الأمراض والإصابة بأمراض خطيرة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن هؤلاء الأطفال يكونون هشين ومعرضين لمشاكل صحية جسيمة.

 

آثار التسول

أظهرت الدراسة التي أجرتها "إنقاذ الطفل" أن استغلال الأطفال في التسول غير مقتصر على تحول الطفل لمصدر للدخل، ولكن الطفل المستغل في التسول يعيش في دائرة من العنف والاستغلال، والإساءات التي تؤثر بشكل كبير على صحته العقلية والنفسية وعلى نظرته للمجتمع ونفسه.

يوضح الرطروط أن هناك أسرا تدير هؤلاء الأطفال، وبالتالي إذا لم يتم تسجيلهم في البداية، فإن عملية التحاقهم إلى المدرسة وتوفير الرعاية الصحية غير ممكنة، وبالتالي، يفقدون فرصة بناء مستقبلهم من خلال التعليم، مما يؤدي إلى استمرار حياتهم في التسول، ويتم تسويتهم في إطار اجتماعي يقلل من حقوقهم، مما تصبح عملية المطالبة بحقوقهم غير ممكنة بسبب عدم وجود بيانات رسمية لهم.

وفيما يتعلق بأهمية دور المواطن والشعور بالمسؤولية في مكافحة التسول، يشير الرطروط إلى أهمية تقييم الحملات التي تحث على عدم إعطاء المتسولين المال، والتأكد مما إذا كانت تؤثر على المزاج العام للشارع الأردني وعلى استجابة الأفراد لها.

ولتحقيق المزيد من التأثير والتغيير، يجب على الحكومة تعديل وتعزيز التشريعات للحد من هذه الظاهرة وضمان حقوق الأطفال، بحسب الرطروط.

الدور الحكومي

تقوم وزارة التنمية الاجتماعية على مكافحة التسول من خلال التدخلات والإجراءات التي وفرتها والمتمثلة بزيادة عدد الحملات اليومية وتكثيفها في جميع أنحاء المملكة، وزيادة نطاق المسارات المخصصة للحملات في عمان، والحد من تكفيل المتسولين المضبوطين.

وبينت الوزيرة وفاء بني مصطفى أن إجراءات الوزارة تضمن كذلك تفعيل الأحكام ذات المدد الطويلة لضمان عدم عودة المتسولين إلى الشارع خلال مدة قصيرة، وضمان إتمام إجراء التدخلات المطلوبة أثناء تواجدهم بالتعاون مع الشركاء الإستراتيجيين، وخاصة السلطة القضائية والأمن العام والهيئات ذات العلاقة.

وتشير بني مصطفى إلى تغليظ العقوبات المتعلقة بالتسول في المادة 389 من قانون العقوبات الأردني، وتشكيل لجنة تنسيقية عليا بالتعاون مع المجلس القضائي لمناقشة المعوقات والتحديات التي تواجه تطبيق القوانين ومحاولة تذليلها والسير بتوحيد إجراءات الضبط الخاصة بالأحداث في كافة أنحاء المملكة، فضلا عن وجود خطط سنوية وشهرية لمكافحة التسول.

وتؤكد أن هذه الإجراءات ساهمت في انخفاض واضح وملموس في أعداد المكررين لعمليات التسول، والمضبوطين من البالغين والأحداث منذ بداية العام الحالي والأعوام 2023-2022.

 

مخرجات الدراسة

أوصت نتائج الدراسة بضرورة تعزيز إجراءات جمع الأدلة والتحري والاستدلال في جرائم التسول، وإجراء مراجعة لقانون مراقبة سلوك الأحداث، وربط ملف الطفل المحتاج للحماية والرعاية في أوضاع التسول مع منظومة العدالة الجزائية للبالغين، وتعزيز فعالية تدابير الحماية في حالات التسول، وتفعيل دور قاضي تنفيذ الحكم لمتابعة تنفيذ تدابير الحماية.

كما أوصت بضرورة تعزيز الحماية التشريعية للحدث العامل خلافا للتشريعات، وتوسيع نطاق الحماية من التسول في قانون العقوبات، وتعزيز المشاركة المجتمعية في مكافحة التسول.

وتوصي أيضا إلى تحليل الإطار القانوني لحماية الأطفال في أوضاع التسول، بمراجعة شمولية لإجراءات العمل الحالية والأدلة الصادرة، بما يتوافق مع الأدلة المتعلقة بإدارة الحالة وتعزيز آليات المساءلة وضمان حقوق الأطفال المستغلين في التسول، وإنشاء مراكز متابعة نهارية في مواقع متعددة، وفقا لمناطق تمركز الأطفال والأسر الممتهنة للتسول.

ودعت إلى أتمتة قاعدة البيانات الخاصة بالأطفال وأسرهم لضمان صحة المعلومات، وضمان توفير التدخلات اللازمة وتطوير آلية تنفيذ برامج الرعاية الوالدية ...

أضف تعليقك