خطاب كراهية أم حرية تعبير ؟

 

في خضم ما نشهد ونقرأ  و نتابع في التقارير المحلية والدولية حول مساس للحق في حرية الرأي والتعبير في الأردن وما تبعه من تراجع في تصنيف الأردن في المؤشرات الدولية ذات العلاقة، وهو امر نعمل بكل  جد وجهد وإخلاص بالتعاون مع كافة الجهات الحكومية و الوطنية والدولية لتحسينه والنهوض بحالة حقوق الإنسان وتعزيز حالة الحريات العامة في الأردن، يشهد الأردن كما في دول أخرى ظاهرة من الخطاب الذي يفرض علينا كحقوقيين أن نأشر عليه ونلفت الانتباه له ومعالجته على صعيد التشريعات و السياسات و الممارسات و لا يمكن في بعض المناسبات الا ان نضعه في اطار الكراهية المرفوضة و المنبوذة قيميا و اجتماعيا و اخلاقيا.

اصدرت المفوضية السامية لحقوق الانسان في الامم المتحدة  قبل ايام و تحديدا في السادس من الشهر الحالي ورقة موقف  تعبر عن رأي مجموعة من الخبراء الحقوقيين تحت عنوان "حرية التعبير ليست حرية لنشر الكراهية على مواقع التواصل الاجتماعي". واشارت هذه الورقة الى الانتشار الهائل لخطاب الكراهية على اغلب مواقع التواصل الاجتماعي و دعت الى ضرورة الاسراع في التعامل الجاد و الحازم مع خطاب الكراهية الذي بات يؤثر سلبا على المجتمعات و خاصة مجتمع الشباب الذي يقضي وقت طويل على مواقع التواصل الاجتماعي. و ذكرت الورقة ان المفوض السامي لحقوق الانسان كان قد وجه رسالة مفتوحة للمدير التنفيذي في منصة تويتر تحدث فيها ان" حرية التعبير ليست تصريح مرور مجاني لنشر المعلومات المضللة و الضارة التي تحدث اضرارا حقيقيا في العالم الحقيقي" . كما حذرت الورقة في عدة سياقات ان السماح بالتحريض على الكراهية والتعبير عن الكراهية او الدعوة الى الكراهية من خلال منصات التواصل الاجتماعي يشكل مصدرا للأذى المجتمعي الذي من الممكن ان يتطور الى ما لا يحمد عقباه.

نتفق كأردنيين و نشطاء حقوقيين و مدافعين عن حقوق الانسان ان الحق في حرية الرأي و التعبير هو حجر الزاوية للحقوق الاساسية التي اسس لها و اقرها الدستور الاردني و الاتفاقيات الدولية لا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية والذي صادق عليه الاردن في العام 2006 و الذي بدوره اكد على الحق في حرية الرأي و التعبير باعتباره حقا اساسيا من حقوق الانسان , لا بل ان اللجنة المعنية بحقوق الانسان اقرت في احد تعليقاتها ان الحق في حرية الرأي و التعبير هو الاساس الذي تنطلق منه ممارسة مجموعة كبيرة من الحقوق المدنية و السياسية. و في ذات السياق و لدى الحديث عن حرية الرأي و التعبير لا بد من الحديث عن قيمتين اساسيتين مترابطتين و هما قدسية الحق في حرية الرأي و التعبير و حق الاخرين في الحفاظ على سمعتهم و شرفهم و كرامتهم الانسانية و قيمهم المجتمعية لا بل يذهب من يتبنى هذه القيمة الى ضرورة الحد من اي خطاب غير مقبول اجتماعيا باعتباره خطاب كراهية يمس بكرامة الاخرين و يمس بالأمن المجتمعي.

مؤخرا في الاردن ظهر خطاب الكراهية في خضم بعض المناسبات و الاحداث السياسية و الاجتماعية و كان اخرها ما حصل في مدينة الفحيص, و بدأ يتداول البعض ملاحظات حول ما قيل و ما تم التعبير عنه في بعض مواقع التواصل الاجتماعي حول مصطلح و مفهوم خطاب الكراهية. مع وجود مؤيدين لتنظيمه من جهة , و الحكومة كما يظهر هي احدى تلك الجهات الداعية للتنظيم حيث تبنت في احد تعاميمها مؤخرا دعوة صريحة لمحاربة خطاب الكراهية, و بين معارض لفكرة التقنين و التنظيم من جهة اخرى و اثير الجدل ما بين مؤيد و معارض و مرد هذا الجدل حقيقة ان الحد من خطاب الكراهية و تقنينه او تنظيمه قد يكون بابا للمساس بحرية الرأي و التعبير و الذي نرى انقضاضا عليها بين الحين و الاخر.

و بذات الوقت فلا يوجد حتى الان تعريف عالمي متفق عليه لخطاب الكراهية في القانون الدولي لحقوق الانسان, ولا يزال هذا المصطلح و المفهوم محل نقاش لا سيما ان تأطير مفهوم خطاب الكراهية من الممكن كما ذكر سابقا ان يؤثر على حرية الرأي و التعبير و المساواة و عدم التمييز و غيرها من القيم التي قامت على اساسها الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان . وبهدف توفير اطار عمل موحد للأمم المتحدة لمعالجة خطاب الكراهية فقد عرفت استراتيجية وخطة عمل الامم المتحدة بشأن خطاب الكراهية على انه" اي نوع من الاتصال في الكلام او الكتابة او السلوك يهاجم او يستخدم لغة تحقيرية او تمييزية ضد شخص او مجموعة على اساس العرق او اللغة او الجنس او الدين او اللون او النسب".

ومع نمو المحتوى الذي يحض على الكراهية على بعض المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي والذي اصبح يشكل تحديات غير مسبوقة للمجتمعات و نزوع بعض الحكومات لفرض القوانين في نطاق العالم الافتراضي اقرت خطة عمل الرباط و منظمة المادة(19)  تعريف لخطاب الكراهية في سياق ما بات يعرف بمبادئ كامدن و التي ساهمت بها منظمة المادة(19) مع مجموعة من الخبراء و القانونيين والاعلاميين في العالم . كما اقرت وجوب تبني الدول سياسات و تشريعات من شأنها الحد من خطاب الكراهية و ضرورة ان تكون هذه التشريعات و السياسات تتفق مع ممارسات فضلى بما لا يمس الحق في حرية الرأي و التعبير ضمن مبادئ و ضوابط شكلية و موضوعية لمعالجة العلاقة بين حرية الرأي و التعبير و بين خطاب الكراهية و مكامن الخلط بينهما بما يعود بالفائدة على الدولة ككل بما في ذلك تعزيز التماسك المجتمعي.

يتوجب علينا العمل بكل شفافية و صدق لمحاربة خطاب الكراهية من خلال الوسائل التشريعية والسياسية من جهة ومن خلال الحملات المجتمعية من جهة اخرى للحد ان لم يكن التخلص من خطاب الكراهية و نشره، ولا يكون ذلك الا من خلال حوار وطني يكون اطاره العام تعاون و اشتباك ايجابي بين المؤسسات الرسمية الحكومية و السلطة التشريعية و المجتمع المدني على حد سواء و بما لا يمس حرية الرأي والتعبير.

منظمة محامون بلا حدود

أضف تعليقك