نساء القطاع الزراعي بعد كورونا: غياب عقود العمل يفاقم خسائرهن الوظيفية

الرابط المختصر

"تعددت أسماؤهنَّ واجتمعنَ، بالمأساةِ ،وتردي الظروف الاقتصادية، وغياب الحقوق  ، معاناةٌ أخرى تضاف لسيدات الاغوار العاملات في قطاع الزراعة اللواتي  آثرن الحياه على لقمة العيش بعد الجائحة وبغياب عقود العمل."

مع تفشي جائحة كورونا التي اجتاحت العالم منذ عام 2020، تضررت العديد من القطاعات الاقتصادية، وكان للقطاع الزراعي في الأردن نصيب كبير من هذه الآثار. إلا أن الأضرار لم تقتصر على أصحاب الأعمال فحسب، بل امتدت لتشمل العاملات في هذا القطاع، خاصة اللواتي فقدن وظائفهن نتيجة غياب العقود القانونية التي تحمي حقوقهن في مثل هذه الظروف الاستثنائية والذي برز كتحدٍ جديد أمام السيدات في الاغوار الجنوبية في الكرك.

 

التأثير على العاملات في القطاع الزراعي 

يعتبر القطاع الزراعي في الأردن من القطاعات التشغيلية الأكبر للعمالة غير التنظيمية، وبلغت نسبة النساء العاملات فيه بشكل غير رسمي 16% للنساء ،مقارنة ب 5% للرجال ،وبحسب التعداد الزراعي لعام 2017 المنفذ من قبل دائرة الاحصاءات العامة ،بلغت نسبة حيازة النساء 6% , من عدد الحائزين المستغلين الذين يحوزون حياة زراعية واحدة أو أكثر .

وتعد النساء العاملات في الزراعة أحد الأعمدة الأساسية لهذا القطاع في الأردن، حيث يعتمد العديد منهن على العمل الموسمي لتأمين معيشتهن ومعيشة أسرهن وخصوصاً في فصلي الصيف والربيع . ومع ذلك، فإن غياب العقود القانونية يعرضهن لفقدان مصدر دخلهن بسهولة تامة دون أي ضمانات أو تعويضات. العديد من العاملات لم يكنّ مسجلات في أنظمة الضمان الاجتماعي أو التأمينات، ما جعلهن عرضة للفقر والبطالة.

 

شهادات من العاملات

تحدثت العديد من السيدات العاملات في قطاع الزراعة في الاغوار الجنوبية عن معاناتهن بغياب عقود العمل التي اضاعت حقوقهن في فترة الجائحة ولكنهن طلبن  الالتزام بالإفصاح عن هذه المعاناة مع التحفظ على  الاسم الصريح خوفا من أصحاب المزارع وطردهن من العمل لاحقا .

تحدثت سعاد (اسم مستعار )،وهي امرأة تعمل في إحدى المزارع في الاغوار الجنوبية ،بقولها : انا من السيدات العاملات في الزراعة ولست مشتركة في الضمان هذا الأمر تسبب لي بالكثير من المشاكل بعد الجائحة مثل عدم استطاعتي على  توفير  بعض المصاريف وعدم قدرتي على الاستفادة من رواتب التعطل .

وتقول سيدة اخرى فضلت ايضا عدم ذكر اسمها خوفا من صاحب العمل ،للأسف لا يوجد عقود عمل بيننا وبين صاحب العمل وغير مشتركين في الضمان الاجتماعي وهذا تسبب لي بتراكم فواتير الكهرباء والماء في فترة الجائحة .

أما هدى، (اسم مستعار )انا اعمل ايضا بالقطاع الزراعي ولم يكن هنالك عقد عمل  بيني وبين  صاحب العمل ،ولم يشركنا في الضمان الاجتماعي ايضاً ،وترتب على ذلك عدم قدرتي على توفير مصروف  لدراستي الجامعية.   

 

التحديات القانونية

غياب العقود القانونية وعدم الالتزام بتسجيل العاملات لدى الجهات المعنية يشكل أحد أكبر التحديات التي تواجه النساء العاملات في القطاع الزراعي. فالعاملات غالباً ما يعملن بشكل غير نظامي، وهو ما يجعل من الصعب عليهن المطالبة بحقوقهن في حال حدوث أزمات أو توقف العمل، ولضرورة العمل بالنسبة لهن نظرا للظروف الاقتصادية الصعبة.

وفي هذا السياق، تقول الصحفية المتخصصة في العمل والعمَّال رزان المومني فيما يخص الحقوق القانونية التي يفقدنها النساء العاملات في القطاع الزراعي عند غياب عقود العمل الرسمية ، غالباً المرأة العاملة في الزراعة تعمل بعقد شفوي وهناك غياب واضح للعقد المكتوب ، وعند غياب العقد تفقد المرأة العاملة في الزراعة  تحديد الأجر المحدد والعادل وعدد ساعات العمل ما يجعلها عرضة للاستغلال وتقاضى أجور أقل من الرجال.

ولا تحصل على أي نوع من الإجازات بما فيها إجازة الأمومة ما يعرض صحتها للخطر ويؤثر على قدرتها على العمل بانتظام، وتحرم المرأة العاملة في الزراعة من الحمايات الاجتماعية مثل التأمين الصحي والضمان الاجتماعي وفيما ما بعد من التقاعد، مما يجعلها غير قادرة على الحصول على الرعاية الصحية اللازمة أو تأمين مستقبلها المالي.

بالإضافة إلى أن غياب العقد يجعل من الصعب محاسبة أصحاب العمل في حالة حدوث إصابات عمل أو حتى العلاج ويصعب الانضمام إلى النقابات العمالية والمشاركة في المفاوضات الجماعية للدفاع عن حقوقها.

وأضافت حول كيف يؤثر غياب العقود على إمكانية النساء العاملات في المطالبة بالتعويضات أو الحقوق المالية نتيجة فقدان الوظيفة بعد جائحة كورونا ، تقول إنَّ غياب العقد يعني غياب تفاصيل واضحة حول الأجر، وساعات العمل، والإجازات، وغيرها من الشروط التي تحدد الحقوق العمّالية ويصعب على العاملة في الزراعة إثبات أنها كانت تعمل بالفعل في مزرعة معينة، وبالتالي يصعب عليها إثبات حقها في الأجر والتعويض حال حدوث إصابة أثناء العمل

فيما تعتبر العقود المكتوبة بمثابة دليل قانوني يحمي الحقوق العمّالية في غيابها، تكون المرأة أكثر عرضة للاستغلال، وقد تواجه المرأة العاملة في الزراعة صعوبة في رفع دعوى قضائية للمطالبة بحقوقها.

وأيضاً فيما يخص  الإجراءات القانونية التي يمكن اتخاذها لضمان حصول النساء في القطاع الزراعي على عقود عمل رسمية تحمي حقوقهن ،تشير إلى إمكانية تقديم شكوى لوزارة العمل أو إحدى مكاتبها الموزعة في المحافظات أو ربما اللجوء إلى نقابة العامة للعاملين في الصناعات الغذائية والتي تتبع لعمال الزراعة أو نقابة عمّال الزراعة تحت التأسيس.

 

الحلول الممكنة

تتطلب حماية حقوق العاملات في القطاع الزراعي تطوير تشريعات واضحة تلزم أصحاب المزارع بتقديم عقود عمل للعاملين والعاملات، وتسجيلهم في أنظمة الضمان الاجتماعي. كما يجب تعزيز الوعي بين العاملات بحقوقهن القانونية، وتشجيعهن على المطالبة بتوفير عقود تضمن حقوقهن في ظروف الطوارئ أو الأزمات وأن تكون هنالك رقابة حكومية على التنفيذ  وخصوصاً على قانون عمال الزراعة والذي تم اقراره في العام 2021 والذي بموجبه اصحب معترفاً بعمال الزراعة وحقوقهم .

أبرزت جائحة كورونا العديد من الثغرات في سوق العمل الاردني ، لا سيما فيما يتعلق بالعاملات في القطاع الزراعي. ومع استمرار التحديات الاقتصادية، يبقى تعزيز التشريعات وتطبيق القوانين ضرورة لضمان عدم تكرار هذه المعاناة في المستقبل. إن حماية العاملات ودعمهن في الأوقات الصعبة لا يصب فقط في مصلحة الأفراد، بل في استقرار القطاع الزراعي ككل وحماية حقوق العاملات فيه.

يأتي هذا التقرير في إطار الشراكة بين شبكة الإعلام المجتمعي- راديو البلد و جمعية معهد تضامن النساء الأردني لمشروع متحدون في مواجهة العنف ضد المرأة والفتيات أثناء وما بعد جائحة كورونا الممول من صندوق الأمم المتحدة الاستئمانيUNTF.