من "غُرزة" في البَقَعة إلى "بُقعة" عالميّة
مع مرور أكثر من عام على العدوان الغاشم على غزة، ازداد وعي المواطنين بأهمية دعم المنتجات المحلية والابتعاد عن كل ما يدعم الاحتلال. وقد برزت العديد من الشركات الناشئة والمنتجات المحلية التي ملأت الفراغ ووفرت بدائل مميزة. اللافت أن العديد من هذه المشاريع تم تأسيسها بأيادي شابة، حيث تحدى هؤلاء الشباب الخوف والمخاطرة للدخول إلى السوق، متمكنين من منافسة المنتجات المحلية والأجنبية على حد سواء.
من بين تلك العلامات التجارية التي تحمل في طياتها رسالة، كانت "بُقعة"، وهي علامة تجارية تستهدف نشر التراث الفلسطيني، وخصوصاً فن التطريز اليدوي، ولكن بطريقة معاصرة تناسب جميع الأعمار وكلا الجنسين. المشروع يهدف إلى جعل الملابس المطرزة جزءًا من الحياة اليومية، وليس فقط للمناسبات الخاصة أو حكراً على النساء.
بداية الفكرة
بدأ مؤسس المشروع، فارس طاهر، رحلته في هذا المجال من حبه للتطريز والملابس التي تعكس الهوية والشخصية. لاحظ فارس جمالية التطريز ورمزيته، حيث لكل لون وشكل دلالة معينة. في عام 2023، اقترح صديق فارس عليه فكرة إطلاق مشروع في لندن، يركز على التطريز في الملابس اليومية العملية لكلا الجنسين. بدأ فارس بتنفيذ الفكرة بعد تعرفه على سيدة متخصصة في التطريز الفلسطيني، والتي شرحت له أهمية الألوان والأشكال المستخدمة في هذا الفن، مثل ارتباط اللون الأحمر بالتراب في جنوب فلسطين، واللون الأزرق بالمناطق الساحلية.
هذه السيدة ربطت فارس بمجموعة من السيدات في مخيم البقعة، حيث أصبحت هذه المجموعة، التي تضم 25 سيدة، هي التي تقوم بتطريز الملابس ضمن مشروع "بُقعة", الذي يهدف لتمكينهن اقتصادياً، وتوفير فرص عمل دون الحاجة لمغادرة المنزل.
الانطلاق إلى العالمية
أول مجموعة من "بُقعة" كانت تحمل اسم "البداية"، واحتوت على ثمانية تصاميم تم تصديرها إلى لندن. كانت هناك مخاوف من عدم تقبل السوق المحلي لهذه القطع بسبب تكلفتها المرتفعة نوعاً ما، ولكن مع دخول السوق المحلي في ديسمبر 2023، ظهرت نتائج إيجابية وغير متوقعة.
بالإضافة إلى التمكين الاقتصادي، يسعى المشروع إلى ترك أثر اجتماعي إيجابي، من خلال تدريب الفتيات في المخيم ليكنّ جزءًا من المشروع. ويشير اسم "بُقعة" إلى ارتباطه بمخيم البقعة، الذي يحتضن العديد من قصص الصمود والمقاومة.
القبول المحلي والدولي
شهد المشروع زيادة في حجم المبيعات بعد أحداث 7 أكتوبر، حيث بدأ الناس بالبحث عن كل ما يرمز إلى التراث الفلسطيني والمقاومة. كما تغيرت ثقافة الشباب الذكور، حيث أصبح هناك توجه أكبر نحو ارتداء الملابس المطرزة التي أصبحت تناسب الجميع، بفضل التصميمات البسيطة التي تحمل دلالات ورمزيات فلسطينية عميقة.
التحديات والإنجازات
رغم النجاح، واجه المشروع تحديات، مثل ارتفاع الأسعار وأجور الشحن بسبب الأحداث العالمية، مما أثر على أسعار المنتجات في الدول التي يتم التصدير إليها. وبالرغم من ذلك، حافظت "بُقعة" على أسعارها في السوق المحلية.
تعتمد نقاط بيع "بُقعة" على وسائل التواصل الاجتماعي والموقع الإلكتروني الذي يروي قصة كل قطعة ويقدم نبذة عن السيدة التي قامت بتطريزها.
بالإضافة إلى بيع الملابس، ينظم المشروع ورشات عمل لتعليم فن التطريز، يقودها نساء مخيم البقعة. يشارك في هذه الورشات أشخاص تتراوح أعمارهم بين 16 و65 عامًا.
رسالة للشباب
في ختام حديثه، يشجع فارس الشباب على بدء مشاريعهم وأفكارهم دون تردد، قائلاً: " ابدأ، أفضل وقت للبدء هو الآن، إذا فشلت ستتعلم. ما تعلمنا نمشي إلا لما وقعنا كتير".
فارس طاهر، الذي يحمل شهادة جامعية في تخصص هندسة الجينات ويعمل في مجال التسويق، يمثل نموذجاً للشباب الذين يتجاوزون الصعاب ويحققون النجاح في مجالات غير تقليدية.