النساء أكثر من الرجال استهلاكا للمهدئات

الرابط المختصر

 

سوسن زايدة لوثائقيات حقوق الإنسان

 

تفاقمت مشاكلها، فقدت السيطرة، لم تعد تقوى على ممارسة حياة طبيعية. لم تنفع نصائح صديقتها والمقربين، فلجأت لطبيب نفساني طلبا للمساعدة لكن سمية لم تتوقع أن يكون العلاج حبوب دواء.

 

عشر دقائق كانت كافية للطبيب لطرح بضعة أسئلة ووصف دواء مهدئ، وقال: "عودي بعد ثلاثة أسابيع لنرى تأثير الدواء". لكن سمية لم تعد وهي تخرجت حديثا من الجامعة ولا تملك "كشفية الطبيب الباهظة"، فأخذت على عاتقها المضي في تناول الحبات المهدئة.

 

وعندما اعتادت سمية على المهدئات وضعف تأثيرها زادت الجرعة. ولم تعد من دونها تقوى على التركيز نهارا ولا النوم ليلا، لكنها لا تعلم إن كانت مدمنة عليها أم لا.

 

أما منى فتعرفت على الحبوب المهدئة عن طريق نصيحة زميلتها في العمل التي لجأت لها بعد الضغوط النفسية نتيجة أعباء العمل والبيت والواجبات الاجتماعية، المتراكمة بعد إنجاب طفلها الأول، فالثاني والثالث.

 

دخلت منى الأربعين من عمرها وقد أضيف عبئ جديد على أعبائها، فهي أدمنت على المهدئات لكنها هذه المرة لجأت لذوي الاختصاص، المركز الوطني لتأهيل المدمنين.

 

قرابة عشرين طبيبا نفسانيا وصيدلانيا ممن يصفون أو يبيعون العقاقير المهدئة أفادوا أن نسبة النساء الأردنيات اللاتي يلجأن للأطباء أو الصيادلة بحثا عما قد يخفف من الضغوط النفسية تفوق نسبة الرجال.

 

لكن للصيدلاني محمد الخفش رأي آخر. "فمن الصعب الحكم على أن النساء أكثر استهلاكاً للمهدئات من الرجال لأن من يأتي لصرف الوصفة ليس بالضرورة أن يكون من سيتناولها. كما أن الكثير من الصيادلة يرفضون صرف بعض الأدوية دون وصفة طبية فيلجأ طالب الدواء لصيدلاني آخر، فيبدوا أكثر عددا مما هم في الواقع".

 

وتفيد دراسة أعدها عام 2003 الدكتور جمال الخطيب، اختصاصي الطب النفسي ورئيس قسم الصحة النفسية والرعاية الاجتماعية في مركز الحسين للسرطان، أن نسبة إصابة النساء بالاضطرابات النفسية تتجاوز نسبة الرجال وتحديدا فيما يتعلق بالقلق والكآبة، حيث تصل إلى الضعف.

 

"قد يفسر ذلك بسبب الظلم الواقع على المرأة في المجتمع، فهي عرضة لضغوط الحياة مضاف إليها ضغوط الرجل. واللافت في بلادنا أن مراجعات النساء المصابات للعيادات أقل من مراجعات الرجال،  ولعل هذا يعكس الطبيعة الذكورية للمجتمع وحالة الظلم الواقعة على المرأة، فهي الأكثر إصابة والأقل رعاية"، يقول الخطيب.

 

وتشير الدراسة التي شملت عينة 500 من مراجعي عيادة الخطيب أن النسبة الأعلى من المراجعين هي بين الفئة العمرية من 20 إلى 40 التي تزداد فيها معدلات القلق والكآبة، وتبلغ 60% من مجموع المراجعين.

 

وتقاربت نتائج هذه الدراسة مع دراسة قام بها الدكتور وليد سرحان والدكتور بهجت عبد الرحيم، أستاذا الطب النفسي، على عينة من ألف مريض، وقدمت لمؤتمر الطب النفسي العربي الحادي عشر 1994.

 

ولا يقتصر تعاطي المهدئات، بحسب مشاهدات الأطباء والصيادلة، على فئة عمرية، اجتماعية أو اقتصادية واحدة من النساء، وإنما يشمل أمهات، ربات بيوت أو عاملات، شابات طالبات أو عاطلات عن العمل، من فئات اقتصادية متنوعة.

 

توصف المهدئات عموما في الحالات التي يترافق معها اضطراب النوم أو التوتر أو العصبية، وهي أعراض قد تحتاج إلى وصف مهدئ بشكل مؤقت لكي يغطي المدة الزمنية التي يحتاجها العلاج الرئيسي لبدء الفعل، يوضح الدكتور الخطيب الذي يرى أن "المهدئات ليست ضارة وإنما المشكلة بإساءة استعمالها. فيجب أن تؤخذ بوصفة وبإشراف طبي لأنها قد تؤدي إلى الإدمان بسهولة".

 

لكن مدير المركز الوطني لتأهيل المدمنين، الدكتور جمال عناني، يرى أن الأولى أن يتم "تشخيص ومعالجة المشكلة الرئيسة من وراء صعوبة النوم، والتي قد تكمن في الاكتئاب أو القلق أو الصدمة النفسية أو المرض العضوي".

 

المهدئات قانونية ومتوفرة في الصيدليات ويصفها الطبيب النفساني أو العام، ويمكن الحصول عليها بسهولة. "لكن الطبيب هو المسؤول عن وصف المادة وكمية الجرعة والمدة اللازمة ويجب أن يشرح للمريض الأعراض الجانبية، وتحت إشرافه يتناولها المريض أو يتوقف عنها. ويقع الخوف من إساءة استخدامها"، يقول عناني.

 

وهناك أيضا من يتناول المهدئات دون وصفة طبية، ويرجع عناني السبب إلى الفضول وحب التجربة، أو في الأغلب نصيحة من صديق جربها واستفاد منها. وبدافع الصداقة والنصيحة نصبح أطباء لبعضنا الآخر. ومع الاستعداد الشخصي وعدم تقبل الجسم للمادة يمكن أن يحدث الإدمان من أول جرعة".

 

لكن الصيدلانية مروى أبو حنش تؤكد أن "صرف أدوية المهدئات بالمجمل لها محاذير ولا تصرف للجميع إلا بوصفة مختومة من أطباء معروفين لدى الصيدلية، وإذا لاحظ الصيدلاني على المريض آثار الإدمان يعتذر عن بيعها بحجة أنها غير متوفرة.

 

ومن أكثر أنواع المهدئات رواجا بين النساء، سواء كان بوصفة طبية أو بدونها، برومازيبام أو ما يعرف باسمه التجاري ليكسوتانيل، وألبرازولام واسمه التجاري "زناكس"، اللذان ثبت أن تعاطيهما لمدد زمنية تتفاوت من شخص لآخر يسبب الإدمان. أما أكثر المهدئات تسببا في الإدمان فهي مركبات الفاليوم، مثل البرازين، ألترازولام، الريفوترين والوراتيبام، وفقا للصيدلانية أمل يوسف.

 

ويبين عناني أن خطورة العقاقير المهدئة تكمن عندما يصفها الطبيب للمريض الذي قد يستمر بتعاطيها، أو حتى يزيد جرعتها، دون الرجوع للطبيب، مما يسبب الإدمان وما يصاحبه من أعراض إنسحابية جسدية ونفسية إذا انقطع المدمن عنها بصورة مفاجئة. وكأي إدمان آخر يؤثر الإدمان على المهدئات على الجسد والحالة النفسية والمادية.

 

ومن أعراض الإدمان، كما يوضحها عناني، "رغبة المدمن بترك العقاقير وعدم قدرته على ذلك، أو شعوره بأنه واقع في مشكلة لا يقوى على حلها، أو حاجته لأخذ العقاقير يوميا ولا يقوى على تركها، وشعوره بالذنب من تعاطيها بالإضافة إلى قضائه مراحل من عمره باحثا عن هذه المواد باستمرار وتعاطيها تخوفا من الانقطاع عنها ومحاولة توفيرها من الأردن أو خارجه".

 

ولا يمكن، بحسب عناني، انقطاع المدمنة أو المدمن عن المهدئات دون إشراف طبي حثيث، خوفا من الأعراض الجانبية التي قد تصل إلى الصرع أو حتى الوفاة.

 

ويشكل المدمنون على المهدئات النسبة الأكبر من مراجعي المركز، يليهم المدمنون على الكحول، ثم الأفيونات وأخيرا المواد الطيارة المستنشقة، وفقا لعناني.

 

ولا يملك المركز التابع لوزارة الصحة إحصاءات حول أعداد أو نسب المدمنين على المهدئات في الأردن. لكن المركز استقبل 25 حالة إدمان على المهدئات من أصل 47 حالة إدمان بكافة أنواعه. ويستقبل المركز النساء من سن 18 إلى 45، ويحتوي على عشرة أسرة مخصصة للنساء.