عندما تكون سلامة الصحفيين على المحكّ
-وثائقيات حقوق الإنسان- منذ بداية عام 2011، طلب أكثر من 60 إعلاميًا يعملون في مناطق متضررة من العنف مساعدة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر. تقوم السيدة "دوروثيا كريميتساس"، نائبة رئيس قسم العلاقات العامة باللجنة الدولية، بإدارة الخط الساخن للصحفيين القائمين بمهام خطيرة. وتوضح السيدة كريميتساس شكل المساعدة التي يمكن للجنة الدولية أن تقدمها.
ما هي التحديات الرئيسية التي تواجه الصحفيين الذين يغطون الأحداث في مناطق النزاعات أو مناطق متأثرة بأشكال أخرى من العنف؟ هل يعد الوضع أكثر أمانًا لهم اليوم مما كان عليه في الماضي؟
إن تغطية الحرب اليوم ليست أكثر أمانًا مما كانت عليه في الماضي. فبالرغم من كافة تدابير السلامة المستخدمة وكافة الاحتياطات المتخذة، فهي لا تزال تمثل عملاً شديد الخطورة.
والمثال الليبي يخبرنا بهذا. "مقتل مصور صحفي مشهور في ليبيا"، "ليبيا تطلق سراح صحفيين محتجزين"، "مراسل مستقل يتعرض لإطلاق النار والإصابة في طرابلس": ليست تلك سوى بعض العناوين التي تحكي القصة ذاتها. فمناطق الحروب تعد أماكن خطيرة للعمل. إذ لم يسلم الإعلاميون العاملون في ليبيا من الإصابة أو الاختطاف أو الموت، بغض النظر عن كونهم صحفيين أو مصوري أفلام أو مصورين فوتوغرافيين أو غيرهم، وسواء كانوا يعملون بشكل مستقل أم لا.
فأعمال العنف المتعمدة ضد الإعلاميين والتي تشكل خرقًا للقانون الدولي الإنساني تتكرر جميعها بشكل كبير جدًّا في حالات النزاع المسلح. إلا أن عمل الإعلاميين قد يتعرض لمعوقات بطرق عديدة أخرى مثل المضايقات أو الرقابة أو التهديدات أو الاختطاف أو الأشكال الأخرى من الاحتجاز التعسفي. ومن الواضح أن هذا الوضع لم يشهد أي تحسن.
ولا يمكن استثناء الصحفيين الذين يغطون الأحداث في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ عام 2011. ففي الواقع تنتشر فكرة مفادها أن الإعلاميين يتعرضون لمخاطر متزايدة. ونحن نشعر بقلق شديد حيال هذا.
هل تحتفظ اللجنة الدولية بسجلات للحوادث التي يتعرض لها الصحفيون المشاركون في مهام خطيرة؟ ما هو الحجم الدقيق للمشكلة؟
لا تقوم اللجنة الدولية بجمع إحصاءات حول الهجمات ضد الصحفيين أو حالات الوفاة بينهم، ولكن هناك عددًا من المنظمات المعنية بالسلامة الإعلامية تقوم بهذا. ففي استطلاع رأي بعنوان "الهجمات على الصحافة في 2011"، أبرزت "لجنة حماية الصحفيين" بعض الاتجاهات المثيرة للقلق.
ومن غير المستغرب أن تتوصل "لجنة حماية الصحفيين" إلى أن أفدح الخسائر في العام 2011 قد وقع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فقد أشار التقرير إلى أن "حالات الوفاة أثناء المهام الخطيرة مثل تغطية الاحتجاجات في الشوارع وصلت إلى أعلى المستويات المسجلة". كما شدد التقرير على أن المصورين الفوتوغرافيين ومصوري الأفلام على وجه الخصوص يتكبدون خسائر فادحة، وأن نسبة مرتفعة من الضحايا كانت من الصحفيين الذين يعملون بشكل مستقل، وأن عدد الضحايا من العاملين في مواقع على الإنترنت قد ارتفع بصورة مطَّردة.
ما نوع الحماية التي يتمتع بها الصحفيون بموجب القانون الدولي الإنساني؟
تؤكد المادة 79 (1) من البروتوكول الإضافي الأول أن الصحفيين يتمتعون بنفس الحماية التي يتمتع بها المدنيون. لذا يتعين احترامهم وحمايتهم ما داموا لم يشاركوا مشاركةً مباشرةً في الأعمال العدائية. وبمقتضى القانون الدولي العرفي، فإن الصحفيين المدنيين القائمين بمهام في مناطق النزاع المسلح يجب احترامهم وحمايتهم ما داموا لم يشاركوا مشاركةً مباشرة في الأعمال العدائية. وتنطبق هذه القاعدة على كل من النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.
وبجانب ذلك، فإن "المراسلين الحربيين" المرخص لهم رسميًّا بمرافقة القوات المسلحة من حقهم الحصول على وضع "أسير حرب" بمجرد أسْرهم رغم كونهم مدنيين (المادة 4 أ (4) من اتفاقية جنيف الثالثة).
ما الذي يمكن للجنة الدولية أن تفعله لمساعدة الإعلاميين العاملين في حالات النزاع المسلح؟
اللجنة الدولية معروفة جيداً بما تقدمه للمدنيين المتضررين من الحروب ومعروفة بدرجة أقل بالنسبة لما تستطيع تقديمه للصحفيين القائمين بمهام خطيرة. ورغم ذلك، تمتلك اللجنة الدولية خبرة في مساعدة الإعلاميين في حالات النزاع المسلح.
في العام 1985 وبناء على طلب 16 مؤسسة إعلامية كبرى، أنشأنا خطًا ساخنًا للصحفيين القائمين بمهام خطيرة.
هل يمكن أن تشرحي لنا الغرض من الخط الساخن؟
يتمثل الغرض الأساسي للخط الساخن للجنة الدولية للصليب الأحمر في تمكين منظمتنا من اتخاذ إجراء سريع وفاعل، كلما أمكن، عند تعرض صحفيين أو طواقمهم للتوقيف أو الأسْر أو الاحتجاز أو الإبلاغ عن فقدهم أو تعرضهم للإصابة أو القتل في مناطق تنفذ فيها اللجنة الدولية أنشطة إنسانية.
وثمة مجموعة متنوعة من الأمور التي يمكن للجنة الدولية القيام بها. فعلى سبيل المثال، قد نتمكن من طلب تأكيد لحالة توقيف أو أسْر تم الإبلاغ عنها والوصول إلى الصحفيين المحتجزين. أو قد نتمكن من تقديم معلومات لأقارب من الدرجة الأولى أو أرباب العمل أو الجمعيات المهنية بشأن مصير صحفي يتم البحث عنه حالما يتسنى الحصول على هذه المعلومات. وفي بعض الحالات، يمكن للجنة الدولية مساعدة أفراد الأسرة في استعادة الاتصال، أو تأمين استمراريته، مع صحفي محتجز، كما المساعدة في إجلاء صحفيين جرحى. وفي أسوأ السيناريوهات، قد تتمكن اللجنة الدولية من استعادة أو نقل الرفات.
هل يمكن للجنة الدولية أن تطلب الإفراج عن صحفي محتجز؟
لا تطلب اللجنة الدولية الإفراج عن صحفي محتجز أو خلاف ذلك من الدعوة إلى حرية التعبير أو حق الحصول على المعلومات لأن هذا يقع خارج نطاق عملها. فالغرض من الزيارات التي تقوم بها اللجنة الدولية إلى المحتجزين إنساني بحت. وتقيِّم اللجنة الدولية الظروف التي يوضع فيها المحتجزون، وتطلب من السلطات تحسينها حين تدعو الحاجة. وقد تفتح حوارًا مع السلطات بغية كفالة احترام الضمانات والإجراءات القضائية المعمول بها. كما تقدم للمحتجزين مساعدات إنسانية في حالات الضرورة.
وفي أغلب الأحوال تتدخل اللجنة الدولية عندما لا يتمكن غيرها من التدخل. ومع ذلك فمن الضروري الإشارة إلى أن الخدمات التي تقدم من خلال الخط الساخن خدمات إنسانية بحتة، وأن اللجنة الدولية لن تستطيع أن تقدم للصحفيين إلا ما تقدمه للمدنيين الآخرين في حالات مشابهة. ولا يمكن للجنة الدولية بطبيعة الحال أن تتخذ تدابير إلا في الأماكن التي لها فيها بالفعل موظفون على الأرض.
كيف يمكن للصحفيين أو أسرهم أو أرباب عملهم الإبلاغ عن حالة من خلال الخط الساخن؟
يمكنهم الاتصال بأقرب مكتب للجنة الدولية أو الاتصال بالرقم المخصص للخط الساخن على مدار 24 ساعة +41 79 217 32 85 أو إرسال رسالة بريد إلكتروني إلى [email protected] من أجل طلب المساعدة والمشورة.
ويجب تقديم معلومات أساسية مثل اسم الشخص، وتاريخ الميلاد، والجنسية، ومعلومات حول الظروف المحيطة بالحادثة، إن توفرت، وأسباب طلب المساعدة. ويتم إرسال هذه المعلومات بعد ذلك إلى موظفين متخصصين باللجنة الدولية في الميدان.
كم عدد الطلبات التي تلقيتموها من عاملين في المجال الإعلامي خلال العام المنصرم؟ وهل تصل كلها عبر هاتف الخط الساخن؟
منذ بداية عام 2011، طلب المساعدة من اللجنة الدولية، أو حصل على أحد أشكالها، أكثر من 60 إعلامياً يعملون في مناطق نزاع أو مناطق أخرى متضررة من العنف، بمن في ذلك 50 إعلامياً في ليبيا وحدها، يعملون بشكل مستقل أو لدى وسائل إعلام.
واتصل أغلبهم ببعثات اللجنة الدولية في الميدان عن طريق الاتصال بمكاتبنا أو زيارتها. وقد وصلت طلبات إجلاء الصحفيين المحتجزين في فندق "ريكسوس" بطرابلس في آب/أغسطس 2011 عن طريق الهاتف والبريد الإلكتروني بل وعن طريق موقع "تويتر". وفي سورية، استخدم صحفيون أيضًا موقع "تويتر" في إحدى الحالات إذ لم يكن ثمة خيار آخر متاح لهم.
هل كنتم تنجحون دائمًا في التعامل مع الطلبات؟ هل يمكن أن تقدمي لنا أمثلة؟
عندما نتلقى طلبًا، فإننا نشرح بوجه عام ما يمكن أن نقوم به: فإن لم نكن قادرين على المساعدة، فإننا نوضح أيضًا أسباب ذلك. ودائمًا ما يتطلب الحصول على نتائج تعاون العديد من الموظفين المشاركين في أنشطة مختلفة مثل زيارة الأشخاص المحتجزين في مراكز الاحتجاز أو البحث عن الأشخاص المفقودين أو تقديم المساعدات الطبية. وقد تكون عملية طويلة ومعقدة، وتحدث غالبًا خلف الكواليس. ولا يوجد على الإطلاق ما يضمن أن ما نقوم به سيكلل بالنجاح.
نجحت اللجنة الدولية خلال العام المنصرم في زيارة عدد من الصحفيين في السجون الليبية، وتمكنت في بعض الأحيان من إتاحة الفرصة للصحفيين لإرسال رسائل لعائلاتهم. وتدخلت اللجنة الدولية في حالات أخرى لدى السلطات للحصول على معلومات. فحتى المعلومة البسيطة قد تكون مهمة. على سبيل المثال، يمكن لتأكيد ما بأن شخصًا محتجزًا كأسير هو على قيد الحياة، أن يساعد بصورة كبيرة في طمأنة عائلات وأرباب أعمال يشعرون بالقلق. وقد ساعدنا الصحفيين في عدد من الدول منذ إنشاء الخط الساخن في عام 1985.
فعلى سبيل المثال، عندما تعرض صحفي سويدي للقتل في حزيران/ يونيو 2006 أثناء تغطية مظاهرة في مقديشو، عرضت اللجنة الدولية خدماتها على السفارة السويدية. وفي اليوم التالي نُقل الجثمان بالطائرة إلى "نيروبي" مع أربعة صحفيين طلبوا إجلاءهم.
وعندما قامت قوات الأمن بتوقيف مراسل كولومبي لشبكة "تيليسور" في مطار "بوغوتا" في تشرين الثاني/ نوفمبر 2006، قام مندوبون من اللجنة الدولية بزيارته بعد يوم من وصوله إلى سجن "برانكيلا". وأُطلق سراحه بعدها بثلاثة أشهر.
وفي آذار/ مارس 2003 وبعد معركة بالقرب من مدينة البصرة قُتل فيها صحفيان كانا يغطيان الحرب العراقية لشبكة ITN ونجح ثالث في الهرب، تم الإبلاغ عن اختفاء صحفي رابع. وكان يُعتقد أنه لقي حتفه رغم عدم وجود دليل على ذلك. وبذلت اللجنة الدولية والهلال الأحمر العراقي جهودًا مكثفة للعثور عليه فور وقوع الحادث وخلال السنوات التالية، دون أن تكلل هذه الجهود، للأسف، بالنجاح حتى الآن.
لم لا تعرض اللجنة الدولية مزيدًا من المعلومات حول الحالات التي تتعامل معها من خلال الخط الساخن؟
لاقت بعض التدابير التي تتخذها اللجنة الدولية تغطيةً إعلاميةً مكثفةً ومنها على سبيل المثال عملية إجلاء أكثر من 30 صحفيًا من فندق "ريكوس" في طرابلس، في ليبيا في آب/ أغسطس من العام المنصرم، إلا أن أغلب الجهود تتم بعيدًا عن الأنظار.
ومن أمثلة ذلك عندما طُلب من اللجنة الدولية زيارة صحفيين محتجزين في ليبيا ومساعدتهم في استعادة الاتصال بأرباب عملهم أو عائلاتهم أو في سورية عندما تم الاتصال باللجنة الدولية للمساعدة في إجلاء صحفيين جرحى.
تتعامل اللجنة الدولية مع حالات الخط الساخن بطريقة سرية، وتتوقع في المقابل أن يتعامل من يطلبون المساعدة مع المعلومات المقدمة إليهم بالطريقة ذاتها. وثمة سببان لذلك: الأول أن تلك السرية تعد أداة أساسية من أدوات عمل اللجنة الدولية، الأمر الذي أثبت فعاليته في مساعدة المنظمة على اكتساب وصون ثقة جميع من تتعامل معهم والوصول إلى أماكن لا يُسمح لغيرها بدخولها. والسبب الثاني لإصرار اللجنة الدولية على السرية هو أنها في أغلب الأحوال تضطر إلى العمل في مواقف شديدة الحساسية- أي في لحظات فارقة بين الحياة والموت.