حرية التعبير عن المعتقد الديني: حرية الفرد مقابل سلطة المجتمع

الرابط المختصر

سوسن زايدة ومهند صرعاوي لوثائقيات حقوق الإنسان

مسلم، مسيحي، درزي، بهائي، علماني، أو لاديني.. معتقدات دينية تشكل واحدة من مكونات هوية كل منا، تتفاوت أهميتها بين فرد وآخر، تتغير بتغير الزمان والمكان، تتنازع مع قناعات فكرية سياسية، اجتماعية، ثقافية، فلسفية وغيرها، أو مع انتماءات الوطن، المدينة، الجنس، الحزب، الطبقة، المهنة، العائلة، وغيرها الكثير.

لكن ما مدى حرية التعبير عن المعتقد الديني في الأردن، ومن يضع حدودها؟ الفرد، المجتمع، أم الدولة ومؤسساتها الرسمية والأهلية؟ وإن كانت جميعها، ما مدى سلطة كل منها، وهل تتغول إحداها على الأخرى؟

الموضوع "شائك" بالنسبة لمحمد البيطار، وهو شاب مسلم لديه قناعاته الخاصة بتطبيقات الإسلام. ويقول: "الكلام النظري حول احترام الآراء والمعتقدات الأخرى سهل جدا لكن عند التطبيق الواقعي تصطدم بالكثير، مثل طبيعة السلطة الاجتماعية والعادات والتقاليد".

ويلفت إلى أن المجتمع في الدين الواحد لا يسمح لك بأن تنفرد في رأي، فداخل الدائرة الإسلامية مثلا عندما تأخذ رأيا إلى اليسار أو اليمين قليلا، تجد أن العائلة لا تسمح لك بذلك. ويدعو إلى وضع ضوابط في مجتمع متدين لكي لا يعتدي أحد على حرية الآخرين في معتقداتهم الدينية، "لكن الممارسة والتطبيق ليست بالأمر السهل وكذلك وضع الضوابط والحدود ليس سهلا. ولا يكفي أن يبت فيه علماء دين، بل علماء اجتماع وغيرهم"، يقول البيطار.

ويتساءل عن مدى تقبلنا لمعتقدات أخرى، أديان أخرى أو لا دين؟

"على مستواي الشخصي، قد أتقبل أن يكون لي صديق ملحد لكن قد أشعر بالحرج من أن يكون هناك منبر أو سلطة يخاطب بها المجتمع لأنني سأشعر بخطر يهدد أسرتي. وهنا أقع بالتناقض بين السماح بحرية الرأي والتعبير وبين الخوف منها".

ويستدرك البيطار قائلا: "في نفس الوقت تعلمت من عقيدتي أن الإنسان لا يجب أن يقلد في العقيدة بل تكون بالاقتناع ولا يمكن فرضها على أحد. وإذا تعمقنا في الدين نجد أنه يسمح بالآراء المختلفة لكن يبدو أننا أخذنا باتجاه متزمت جدا في الدين لدرجة أننا داخل المذهب الواحد لا نسمح بآراء أخرى".

ريم، شابة مسلمة لديها فهمها الخاص للإسلام ويتلخص في أن "القرآن هو المصدر التشريعي الوحيد للمسلمين"، فهو "المعجزة الوحيدة الباقية بين أيديهم". وهي نظرة تخالف وجهة النظر السائدة بين المسلمين الذين يعتبرون الأحاديث النبوية ثاني مصدر للتشريع بعد القرآن. في حين يرى "القرآنيون" أن "أفعال الرسول، كالصلاة والصيام، وصلت إلى أيامنا عن طريق التواتر (ما نقله جمع عن جمع وصولا للرسول)، خلافا لأقواله التي نقلت عن طريق الآحاد (ما لم ينقله جمع كبير عن الرسول)، وهي محل الإطاعة في الأمر الإلهي.

لكن ريم تجد صعوبة في التعبير عن أفكارها. "أقول رأيي العقائدي ولكني لا أناقش بعد ذلك، لما يولده النقاش من عداوات. فنحن مجتمع نرفض الآخر ونتحول إلى الفكر المركزي الذي يجعل الإنسان صلبا فكريا وغير متقبل لأي فكر مخالف. وترتبط أزمة تقبل المجتمع لمثل أفكارنا بأزمة العقل العربي بشكل عام.

وتحمل ريم مسؤولية رفض المجتمع للرأي المختلف لـ"مناهج التعليم التلقيني التي أدت إلى غياب الفكر النقدي على مدى مئات السنين". وتعزو رفض معظم الناس للآراء المختلفة إلى ما يسمى بـ"حد الردة" وهو حكم، وفقا لريم، "غير موجود في القرآن ووجد للتصدي لجميع الأفكار المغايرة والمخالفة".

مسيحي الدين إسلامي الثقافة

في ظل هيمنة ثقافة دينية أحادية في مجتمع متعدد الأديان قد يظهر لدى الفرد تناقضات بين هويته الدينية وتأثير الثقافة الدينية السائدة عليه. بعض النخب السياسية من الأديان الأخرى فضلت حسم التناقض لخدمة أهدافها السياسية، مثل نائب رئيس الوزراء السابق رجائي المعشر الذي لخص المسألة بقوله في ندوة عامة أنه "مسيحي الدين إسلامي الثقافة".

لكن لا فصل بين الدين والثقافة، وفقا لأحد قادة الكنيسة الإنجيلية، جريس حبش: "أنا أعتبر نفسي مسيحيا دينا، عربيا ثقافة. فثقافتي عربية وإن كانت متأثرة بالثقافة الإسلامية، مع بقاء الخصوصية في هويتي كوني أردني مسيحي".

ويضيف: "عندما يقول مسيحي "أنا مسلم ثقافة"، فإن ذلك أحدث نوعا من الإرباك، فالأردني والباكستاني، على سبيل المثال، لديهم قاسم مشترك بالدين، إلا أنهما يختلفان من حيث الثقافة. وهذا لا ينفي وجود تأثيرات إسلامية على الثقافة العربية، فمن المؤكد أن تترك 1500 سنة تأثيراتها على الثقافة العربية".

"أما المسيحيون الذين يرفعون شعار "أنا مسلم ثقافة"، فقد يكون ذلك عائد لاجتهادات شخصية عن واقع المجتمع الأردني وتركيبته، أو أنه بسبب اتخاذ مواقف سياسية ترى ما ينسجم مع الرأي العام السائد لتحصيل مكاسب سياسية، وربما يكون ذلك لقناعة البعض بأن ثقافتهم إسلامية فعلا"، يقول حبش.

العلمانية المؤمنة

وفي محاولة الأفراد للمزاوجة بين "الإيمان بالإسلام" وبين الاندماج في العولمة وتطور المجتمعات باتجاه توسيع مساحة الفرد وقيمته في المجتمع، ظهر في المنطقة اتجاه فكري أطلق أصحابه عليه "العلمانية المؤمنة". الكاتب سامر خير كتب سلسلة من المقالات في صحيفة "الغد" عرض فيها آراءه في "العلمانية المؤمنة"، ولخص أساس رؤية العلمانية المؤمنة للحياة، بـ"اعترافها بالاختلاف الموجود في هذه الحياة، وبالتالي عدم سعيها لتنميط الناس والمجتمع والدولة من جهة، ورفضها كل مساعي التنميط التي قد يقوم بها آخرون، من جهة ثانية".

ويرى الكاتب محمد أبورمان أن "العلمانية المؤمنة" اتجاه في انتشار وتطور وقد يسود في مرحلة قادمة. "مؤخرا تزايد هذا التيار بتفاسير متنوعة، منها المزاوجة بين العلمانية والإيمان.

وهذا النموذج هو الأكثر تأثرا بالفكر الغربي الذي يعولم على مستوى أوسع وتصبح قيمة الفردية أكبر ويشعر الفرد بقيمته واستقلاليته مع الشعور بعدم التناقض بين إيمانه على المستوى الفردي وممارسته للحياة ضمن النسق الذي يختاره وبين النظام السياسي الذي يعيشه".

ويتابع: "راجت الفكرة في فترة معينة بسبب التأثر بالتجربة التركية لحزب العدالة والتنمية في الحفاظ على النظام العلماني وبقاء الجانب الديني كحق لكل فرد. وبذلك أعاد هذا الحزب تعريف العلمانية على أساس الحرية الدينية". ويقتبس أبورمان عن الكاتب اللبناني توفيق شومان في تفسيره للعلمانية المؤمنة أن "الفرق بين أردوغان وأربكان أن الأول جعل القرآن في قلبه وسار في حين جعل أربكان القرآن أمامه فكان دائما يصطدم به".

في الإعلام

المسألة ليست سهلة ولا متاحة في المجتمع والدولة، يقول الكاتب إبراهيم غرايبة، "يوجد سلطة مجتمعية كبيرة جدا تمنع الناس من التعبير عن اعتقادها أو ممارسة سلوكها الديني وعبادتها وتدينها كما تفهمه ويرتاح ضميرها له. لكن يوجد قدر واسع من الحديث وإبداء الرأي".

ويشير غرايبة إلى أنه يستطيع مثلا كتابة ونشر آرائه التي يصفها بأنها قد "تخالف الرأي السائد". "ربما يستطيع البعض أن يصدر أحكاما تصل إلى الردة أو مخالفة أقل من ذلك. لكن أتوقع أن المناخ العام لدينا الآن يسمح للإنسان بأن يعبر عن آرائه وأفكاره المتعلقة بما يؤمن أو لا يؤمن به، ليست إلى درجة مرضية لكن ليس فيها قهر للضمير".

لكن بوصف عام يرى الكاتب أن التعبير عن القناعات الدينية في الإعلام "صعب جدا، في حين أن التعبير عن الرأي السياسي هو الأسهل". ويضرب مثلا حادثة الرسوم المسيئة للرسول: "لم يكن هناك أي مجال للتأني، ظهرت موجة جماهيرية هستيرية تريد البطش بالآخرين. في صحيفة الغد تعرضنا للهجوم بالرغم من أن الصحيفة كانت ضمن الحملة والهجمة المضادة للرسوم".

ويتفق أبورمان مع غرايبة في أن حرية التعبير عن القناعات الدينية مقيدة، بل و"مقيدة أكثر من الحرية الفردية في الممارسة". ويشير إلى "كتاب في الغد أرادوا نشر مقالات تخالف المعتقدات الفقهية السائدة واجهنا صدام واحتجاجات وسحبت اشتراكات من الصحيفة".

وإذا كان التعبير في وسائل الإعلام عن آراء مخالفة للمعتقدات الفقهية السائدة بين المسلمين من السنة في الأردن يثير جدلا واحتجاجات، فإن التعبير عن قضايا الأديان والطوائف الأخرى تغيب تماما عن وسائل الإعلام، حتى وإن كان في حدود التعريف بهذه الأديان.

"يتجاهل الإعلام قضايا المسيحيين"، يقول جريس حبش، أحد قادة الكنيسة الإنجيلية في الأردن.

ويروي تجربته مع الإعلام عندما طلب منه كتابة مقال في إحدى الصحف اليومية عن أسس اختيار النائب. "كتبت عن أنني أؤيد النائب الذي يقف مع حقوق الإنسان والحريات الدينية، وفوجئت بشطب تعبير "الحريات الدينية" من المقال عند الطباعة. وهو ما يشير إلى أن الصحف اليومية تضع لنفسها خطوطا حمراء عندما يدور الحديث عن الأديان".

ومن الانطباعات والتعميمات الخاطئة عن الإنجيليين، والتي قد يساهم الإعلام في تكريسها، تفسير بعض الإنجيليين بأن ما يجري في فلسطين هو تتمة لنبوءات الكتاب المقدس. "وهذا ليس تفسيرا لعموم الإنجيليين، ونحن كإنجيليين أردنيين نرفض هذا التفسير ونعتبر وجود إسرائيل وجودا سياسيا وليس دينيا.أنا مثلا من أصول فلسطينية ومن حقي العودة إلى بيتي، وهو ما ينسجم مع مفهوم العدالة الإلهية".

ويتابع: "الكنيسة الإنجيلية كنيسة مستقلة، ففي الأردن ليس هنالك أية سلطة خارجية على الكنيسة. وكإنجيلي أردني يتأثر بقضايا الأردن، وكذلك الإنجيلي الأمريكي يتأثر بالقضايا الأمريكية، ومن الخطأ نسبة أخطاء الإنجيليين الأمريكيين إلى إنجيليي الأردن والمنطقة".

وفي ظل غياب الأديان الأخرى في الإعلام الحرفي تصبح المواقع الالكترونية مجهولة المصدر مرجعية لمن يبحث عن معلومات حول الطائفة الشيعية أو الديانتين الدرزية أو البهائية أو غيرها من الديانات الموجودة في الأردن، وتقدر في مجموعها بـ2% من السكان، إضافة إلى 2-3% من المسيحيين، وفقا لتقرير الخارجية الأمريكية لعام 2010، وهو المصدر الوحيد لهذه الاحصائيات التي لا توفرها دائرة الاحصاءات العامة ولا أي جهة رسمية أردنية أخرى.

يقول حازم فياض، شاب يعتنق الديانة الدرزية: "هنالك بعض المواقع التي تدعي أنها مرجعية في المعلومات عن الدرزية إلا أنها لا تنقل معلومات صحيحة، وقد يكون لها دور سلبيي يظهر من خلال التعليقات المسيئة للدرزية وأتباعها".

وكذلك الحال مع الديانة البهائية وتاريخها، والتي "تهاجم وتشوه في عدد كبير من المواقع الالكترونية التي تورد معلومات مغلوطة"، وفقا لفارس النعيمي الذي يعتنق الديانة البهائية. وينتقد بعض التقارير الصحفية التي تنقل "معلومات غير صحيحة عن البهائية، ولا تسعى لأخذ المعلومات من مصادر الديانة نفسها".

وبذلك ظهرت انطباعات خاطئة لدى بعض الناس ضد الديانة البهائية، مثل وصفهم بـ"الكفار" أو مواقف مسيسة ليس لها أساس من الصحة كربط البهائيين بنشأتهم في إيران من جهة، وبمكان قبلتهم في عكا وغيرها من الأماكن المقدسة لديهم في حيفا، واتهامهم بإقامة علاقات مع إسرائيل.

"تتفاوت ردود فعل الناس إزاء البهائيين من حالة إلى أخرى، ولكننا نعتبر أنفسنا جزءا من المجتمع الأردني، وعلاقتنا بشكل عام مع الناس ودية ويتقبلوننا. من الطبيعي أن يكون هناك تخوّف لدى البعض من المجهول، ولكن بعد معاشرتنا يتضح لهم حسن سلوكنا وأخلاقنا مما يزيد من الثقة والعلاقة الوديّة مع جيراننا وزملائنا في العمل ومعارفنا"، يقول فارس النعيمي.

ويقول حازم فياض: "عدم معرفة بعض الناس بالديانة الدرزية، يجعلهم في البداية يتخوفون من التعامل معنا، والنفور والابتعاد عنا. لكن، ومع مرور الوقت وزيادة التقرب والتعرف، يتبين لهم أن تلك الأفكار المسبقة عن الدرزية خاطئة، حيث كانوا يعتقدون أن الدرزي كائن مخيف لا يعبد الله بل أنه يعبد الشيطان".

وكبديل عن الإعلام السائد قرر أمجد الفيومي إنشاء مدونة خاصة به يعبر من خلالها عن فهمه الخاص بالإسلام، لكنها كانت باسم وهمي وليست باسمه الحقيقي لغاية الآن ورغم أن عدد زوارها وصل إلى 45 ألفا. ويقول: "شعرت أن أفكاري ستسبب لي مشاكل لكن أردت نشرها، وهي في معظمها فهم جديد للدين. كثيرون قد يعادونني ويكفرونني بسبب فكرة مثل أن العلمانية أو الديمقراطية لا تتعارض مع الدين، لأنهم يصدرون أحكاما جاهزة على أي فكرة أو تفسير مخالف لما تعودوا عليه، حتى ولو لم يتعمقوا فيها".

ويزيد: "أول المشاكل ستأتي من خسارة أصدقائي. هذا بالإضافة إلى الرقابة السياسية التي تمنعني من إشهار هويتي في مدونتي، خوفا من أن أحاسب على نشاطي السياسي السابق".

وقبل القيود على نشر أفكاره، واجه أمجد قيودا على الكتب التي يسمح أو لا يسمح بقراءتها داخل الحركة التي انضم لها في مرحلة مبكرة من عمره وغادرها بسبب القيود التي فرضتها على حريته في التفكير والتعبير وممارسة حياته.

"في الفترة التي تدينت فيها خلال دراستي الجامعية قاطعت كتب نجيب محفوظ رغم أنني رأيت فيه نصا رائعا لكن سمعت أن الفتاوى في رواية "أولاد حارتنا" التي لم أكن مطلعا عليها، تقول أن محفوظ خرج عن السياق الديني ويجب أن لا نقرأها".

ويضيف: "بعد أن مررت بتغيرات فكرية وخرجت من الدائرة التي كنت فيها، عدت وشغلت عقلي فيما أتلقاه وقرأت الرواية ووجدت فيها على وجه التحديد نصا تطويريا في فهم الدين وفيها طرح محفوظ رؤية علمية للدين متقدمة جدا لكن تم تكفيره واقصاؤه لأن الشيوخ لم يفهموا الرواية ولم يجدوها تتفق مع تيارهم الذي يريدون فرضه".

وتكررت تجربته مع كتب أخرى، مثل رواية حيدر حيدر "وليمة لأعشاب البحر" التي تم تكفيرها ومنعها في حينها. "فلماذا أتبنى أفكارا جاهزة ممكن أن تحرمني من مسائل مهمة جدا؟"، يتساءل أمجد.

ويرجع محمد البيطار إشكالية تكفير كتاب مثل نجيب محفوظ وناصر حامد أبوزيد، إلى ما بعد الطفرة النفطية وتأثير الوهابية السعودية في المنطقة. ويتابع: "لو ظهرت كتب طه حسين الآن، وتحديدا كتابه في الشعر الجاهلي، لتم تكفيره بل ومحاولة قتله".

الحريات الشخصية

حرية التعبير عن القناعات الدينية تتفاوت بين فئة وأخرى، كل حسب معتقداتها ومدى انسجامها أو تعارضها مع السائد في مجتمعها، وبالتالي تختلف في مدى تأثيرها على حياة وحرية أفرادها الشخصية.

ويلفت غرايبة إلى أن "معاناة غير المتدينين في ممارسة السلوك الشخصي بحرية وتعرضهم للتضييق ومواجهة إساءات كثيرة. ومع الصعود الديني يوجد خوف من قوننة التضييق الاجتماعي على غير المتدينين في ممارسة حياتهم الشخصية كما يؤمنون بها أو كما يريدونها".

لكن المسألة نسبية، كما يراها أبورمان. "إذا كان الإنسان غير متدين وله قناعاته الخاصة يرتبط بالمحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه، إذا كان المحيط محافظا فسيعاني وإذا لم يكن كذلك فلن يعاني. لكن حرية التعبير هي التي تصطدم بالثقافة الاجتماعية السائدة".

وهو ما يؤكده غسان يونس الذي يصف نفسه بـ"لاديني"، أي أنه لا يؤمن بأي دين. فيونس يعيش في مجتمع من أسرة وأصدقاء وزملاء عمل وناشطين سياسيين، يشاركونه معتقداته أو يتقبلون تعبيره عنها أو ممارسته لها.

"ليس لدي مشكلة في التعبير عن آرائي بكل صراحة وأمام أي أحد ولكني أحاول الانضباط بحدود اللباقة فقط وذلك بعدم الإساءة لأحد. أما من تزعجه آرائي فله الحرية في ذلك. ويعتمد مدى نفور الناس من مثل تلك الآراء على طريقة الطرح فأنا لا أهاجم أحدا ولا أسيء لأحد، إضافة إلى مدى معرفة الحضور بالمتكلم".

ويضيف: "لدي من الأصدقاء من مختلف التيارات إن كانت دينية غير سياسية أو سياسية لا تلتفت للمسائل الدينية.معظم من يواجهون إشكاليات بطرح أفكارهم يواجهونها مع عائلاتهم أكثر مما يواجهونها مع المجتمع. وتظهر مثل تلك الإشكاليات مع النساء بشكل أكثر وضوحا".

"صحيح أن مجتمعنا ليس مثل المجتمعات الأوروبية في تقبل الآخر، إلا أننا لا نريد ظلم مجتمعاتنا، فالمجتمعات المحافظة في في الولايات المتحدة على سبيل المثل، قد تكون أشد صرامة في عدم تقبل الآخر"، يقول يونس.

الدين منتجا فرديا

الدين بمستوياته المختلفة: الايمان والتدين والتطبيق، وفقا لإبراهيم غرايبة، هو "منتج فردي أولا ومتأثر بالبيئة الاجتماعية والاقتصادية، ثم منتج اجتماعي واقتصادي، بمعنى أن كل فرد ينتج تدينه وإيمانه".

لذلك لا يعتقد غرايبة بجواز وجود معتقد رسمي يطبق على الجميع، "لأن النص الديني ليس خطابا محددا على الجميع، يطبق وفق تعليمات وأفكار، فالدين يأخذ أهميته من تصديقه. ليس هناك سلطة للدين سوى أننا نصدق، وليس هناك أي قوى علمية أو قانونية أو مادية".

ويعرف الدين بأنه "ما جاءنا به الأنبياء وقالوا "أوحي إلينا" ونحن صدقنا ذلك فقط، ولو لم يصدق الناس الأنبياء لما كان هناك دين، وربما هناك أديان ليست موجودة لأن أحدا لم يصدقها ويتبعها. فالدين مستمد من اتباع الناس له. وبعد أن يتلقى الإنسان الرسالة ينتجها وحده بالإيمان والتدين والتطبيق".

"وعلى مستوى الايمان فلا يمكن القول آمنوا بهذا ولا تؤامنوا بذلك لأن الايمان مسألة لا يمكن إجبار الناس عليها، وخارجة عن سلطة القانون والقهر المادي. فالايمان مسألة تخص كل فرد، هو الذي يشكلها ويفهم الأشياء كما يدركها. وهو المسؤول عنها وحده وسيقابل الله يوم القيامة وحده ولن يفيده اعتقاد سائد أو موقف رسمي أو مذهبي"، يضيف غرايبة.

ويفسر غرايبة نشوء الفكرة السائدة تاريخيا أن هناك معتقدات رسمية أو سائدة ومن يخالف هذه المعتقدات يخضع لأحكام قضائية ومجتمعية وإدارية وسياسية، بأن "الاعتقاد الديني أصبح هو السلطة المجتمعية والسلطة المرجعية لرجال الدين الذين تشكلت لهم مع الزمن أفكار وأحكام أصبحت ذات قوة اجتماعية اكثر مما هي قانونية وسياسية".

"وأصبح هناك ما يسمى الشريعة، وهي ليست الدين بل هي تطبيق الدين، وتوسع تطبيق الشريعة التي لا تأخذ أحيانا معنى دينيا. لذلك لا يستطيع أحد أن يلزم الناس دينيا بأن هذا حكم الله، ولا أحد له وصايا أو مقدرة أو نفوذ ليحدد أن هذا يستحق العقوبة من الله أو لا يستحق"، يقول غرايبة.

اضغط على التالي لقراءة الجزء الثانيحرية التعبير عن المعتقد الديني رهينة السلطة الدينية السياسية

.حوار حول حرية التعبير عن المعتقد لبرنامج ناس وناس سلسلة وثائقيات حقوق الإنسان 11-8-2011

 

أضف تعليقك