تحقيق إستقصائي: أطباء يحترفون السمسرة ويُوقعون المرضى في شباك استغلالهم (جزء 1)

الرابط المختصر

-وثائقيات حقوق الانسان- تحقيق مصعب الشوابكة بدعم من شبكة اريج والوحدة الاستقصائية في راديو البلد..ما أن فتحت الخمسينية أم أحمد، جزائرية الجنسية، فمها أمام الطبيب، حتى ولول حزنا على حالتها: “وضعك مأساوي يا حجة!! كيف ساكتة كل هالمدة على هالحال!! لو طولتي ما أجيتيني كان سنانك نزلو بأيدك!!!”.

تملكها الرعب، من هول وصف الطبيب، لكن رعبها تضاعف حال معرفتها بكلفة العلاج.

فقد أوصاها الطبيب في مركز الإسراء لطب الأسنان، بإجراء زراعة بواقع 20 زرعة، وتركيب 28 تاج بورسلان بكلفة 30 ألف دينار، وهو ما أكده تقريره الطبي الذي زود به أم أحمد وحصلنا على نسخة عنه.

حَال من تصفهم أم أحمد “بولاد الحلال” دون استكمال العلاج لدى المركز المذكور، بعد تحذيرها من “مبالغة المركز في تشخيص حالتها وتقدير كلفة علاجها”.

عرضنا تقرير المركز والمبلغ المطلوب على رئيس لجنة الأتعاب والأجور في نقابة أطباء الأسنان الدكتور عماد الزعبي، الذي أكد أن “إجمالي الحد الأعلى لجميع الإجراءات الطبية المذكورة في التقرير، وفق لائحة أجور النقابة تبلغ نحو 13 ألف دينار، أي أن قيمة الزيادة على فاتورة المريضة بلغت 16.080 ألف دينار.

حاولنا الاتصال بالمركز، والطبيب المُوقع على التقرير أكثر من مرة؛ لأخذ رده، كما بعثنا برسالة مكتوبة عبر الفاكس، لإدارة المستشفى الذي يتبع له المركز لمعرفة موقفها من تقرير الطبيب، لكننا لم نتلق أي رد.

نتائج استطلاع رأي علّمي مُحكم أجري لصالح التحقيق، أشارت إلى أن 45.2% من المرضى تعرضوا لاستغلال مادي من قبل عيادات ومختبرات طبية. وأن30.7% من المرضى تعرضوا لسمسرة علاجية، تقوم على تجيير مرضى بين الأطباء أنفسهم ومختبرات وسائقي تكسي مقابل عمولات مالية.

يبلغ عدد أطباء القطاع الخاص في المملكة 4057 طبيباً، يعملون في 2866 عيادة خاصة، و61 مستشفى خاص، فيما يبلغ عدد المختبرات الطبية الخاصة قرابة 400 مختبر.

كشف هذا التحقيق، الذي ينشر على جزئين، وعبر رحلة بحث استمرت قرابة عام، جَشع بعض العيادات الطبية والمختبرات الخاصة، بزيادة أجورها مخالفةً بذلك لائحة الأجور الطيبة الصادرة عن نقابة الأطباء الأردنيين، علاوة على جلب مرضى بالاتفاق مع بعض سائقي التكاسي مقابل عمولة يدفعها لهم بعض الأطباء بعد اقتطاعها من جيوب المرضى بطريقة غير مباشرة، إضافة لإجراء فحوصات طبية، مخبرية، إشعاعية، وتداخلات جراحية، وصرف أدوية لا يحتاجها المرضى، تهدف فقط لتعظيم أرباحهم، وتبادل المنافع بين الأطباء، ما يضر بالمريض مادياً وصحياً، ويضع سمعة الخدمة الطبية الأردنية على المحك.

يحدث هذا وسط ضعف رقابة ومتابعة وزارة الصحة، ونقابتي الأطباء وأطباء الأسنان لمخالفات من هذا النوع؛ إذ لم تتجاوز الشكاوى التي وصلت الوزارة بين الأعوام 2008-2012 ، 19 شكوى، غالبيتها تتعلق بمخالفة لائحة الأجور المعتمدة وبفروق وصلت في إحدى الحالات لأكثر من 20 ألف دينار. في حين كان أقصى إجراء اتخذته الوزارة بحق العيادات أو الأطباء المخالفين “إعادة المبلغ الزائد”، أما نقابة الأطباء الأردنيين، فكان مجموع ما تلقته من شكاوى خلال آخر خمس سنوات 126 شكوى، حفظ أكثر 80 منها وبنسبة بلغت 68%.

تجرية حية

ما أن خَرجت حنان(22 عاما) من غرفة فحص الطبيب أحمد دحبور الذي يملك عيادة في شارع الخالدي ” ابن خلدون” بعد أن شَكت لهُ سُمنتها، حتى طالبتها السكرتيرة بـ 60 ديناراً بدل كشفية، في مخالفةٍ صريحة للائحةِ أجور الأطباء الصادرة عن نقابة الأطباء، التي حددت أتعاب الكشفية في عيادة الطبيب الاختصاصي بـ20 دينارا؛ يضاف إليها في الحد الأقصى 4 دنانير، “لمن أمضى أكثر من 20 سنة على حصوله على شهادة الاختصاص”.

حنان لم تكن سوى زميلة كاتب التحقيق الذي تخفى كسائق تكسي، كان قد اتفق معها على لعب دور المريضة لاستكمال اتفاق مسبق مع الطبيب، يقوم على جلب مرضى لعيادته مقابل عمولة 20 دينارا.

” أنا بعطيك على بركة أيدي 10/20/30/40 دينار” عن كل مريض بتجيبو للعيادة”. بهذه الكلمات كان الطبيب قد لخص الاتفاق، بعد أن أطمئن لكاتب التحقيق المتخفي؛ “فكرتك أمن وقائي… يا خُوي أحنا بنخاف من البحث الجنائي والأمن الوقائي”.

بعد انتهاء التشخيص، طلب الينا الطبيب أن نرسل حنان إلى مختبر شحاتيت لإجراء ستة فحوصات مخبرية، تبلغ كلفتها 175 دينارا. حيث رصدت الكاميرة السرية لكاتب التحقيق أكثر من 3 تقارير مخبرية داخل مختبر شحاتيت، مروسة باسم الطبيب دحبور.

كان اتفاقنا مع الطبيب دحبور ولقاءاتنا المتكررة مصورة بكاميرة مخفية.

اكتشفنا في زيارتنا تلك أن حنان ليست المتضررة الأولى للطبيب، ويبدو أنها ليست الأخيرة أيضا، فخلال انتظارنا في القاعة المجاورة، جلس رجل سعودي ينتظر خروج أسرة شقيقه من غرفة دحبور.

الأسرة السعودية التي تتعالج من العقم، جاءت هي الأخرى لعيادة دحبور برفقة سائق تكسي يدعى أبو راشد. حين قدم كاتب التحقيق نفسه لأبي راشد ك”زميل مهنة” سارع الأخير للتحدث عن هموم وأحوال السمسرة للأطباء، ليختم حديثه هامسا: “هذا الدكتور بدفع كويس” ثم مد يده إلى جيبه وأخرج كرتا يحوي أرقام هواتفه وصفته “خدمة تكسي”.

وحرصا على التوازن والموضوعية والتزاما بحق الرد، واجهنا الدكتور دحبور بالحقائق التي أثبتها التحقيق، وعبر رسالة تسلمها باليد عَبّر أحدى شركات البريد المستعجل، تلقينا بعد أيام اتصالا هاتفيا من مسؤول حكومي رفيع المستوى، يستفسر عن الموضوع مادحاً دحبور ومهنيته، طالبا منا عدم ذكر اسم الطبيب، لأن ذلك يعد”تشهيرا”.

ما هي إلا ساعات، حتى حضر الدكتور دحبور بشخصه إلى مقر راديو البلد، نافيا تجاوزه على لائحة الأجور، وسمسرته مع سائقي التكاسي، ومؤكداً أن ما دفعه لكاتب التحقيق أثناء تخفيه كان من باب “الشفقة” لا أكثر، رافضا التسجيل معه، زاعماً أنه قام بطرد كاتب التحقيق فور رؤيته لأول مرة، خلافاً لما وثقته كاميراتنا السرية، التي تظهر حفاوة الترحيب والاستقبال لكاتب التحقيق المتخفي.

طريق مغلق !

في لقاء سجلته الكاميرا المخفية، سوق الدكتور دحبور نفسه باعتباره قادرا على علاج نحو 18 مرضا، ابتداءً من الروماتيزم، المفاصل، السكري، المسالك البولية والتناسلية، مرورا بالعقم ، الخصوبة والجهاز الهضمي، الرئتين والحساسية، وأمراض القلب، الصدر والضغط.

المادة (17) من قانون المجلس الطبي الأردني:
أ- يحظر على أي طبيب أن يمارس أي اختصاص طبي أو أن يعلن عن نفسه بأي وسيلة على انه اختصاصي إلا بعد تقويم شهادته واجتيازه الامتحان المقرر من المجلس وحصوله على شهادة اختصاص وفقا لأحكام هذا القانون2005
طَرق كاتب التحقيق باب المجلس الطبّي الأردني المؤسسة الوحيدة المعنية بتدريب وتأهيل الأطباء والاختصاصيين، والذي يمنح أعلى شهادة اختصاص “البورد” أو يعترف بها؛ للتأكد من اختصاص دحبور، إلا أن المجلس الطبي رفض الطلب المقدم له وفق قانون ضمان حق الحصول على المعلومات لعام2007.

ولدى التظلم عند مجلس المعلومات الأردني المعني بتطبيق قانون ضمان حق الحصول على المعلومات، اصدر المجلس قراره رقم(6/2012) برد شكوانا، باعتبار المعلومات المطلوبة ” وثائق محمية” استناداً للقانون.

مقاولة طبية

في عيادة طبيب التجميل زياد الكيالي حصل الامر ذاته، فقد اتفق الكيالي مع كاتب التحقيق، المتستر كسائق تكسي، على أن يمنحه عن كل1000 دينار يدفعها المريض لعملية التجميل، 150 دينارا عمولة (15% )، بالإضافة لـ 5 دنانير عن كل مريض يجيره كاتب التحقيق لعيادة الكيالي.

حنان، رافقتنا لعيادة الكيالي لاختباره أيضا، أوهمته هذه المرة برغبتها إجراء جراحة تجميلة لأنفها، فخَيرها الطبيب بين عدد من المستشفيات التي يتعامل معها ” وفق نظام البكج “، وهو نظام يقوم الطبيب بموجبه باستيفاء كافة أتعابه مضافا إليها أجور المستشفى سلفا وبالنيابة عن المستشفى. تكلفة العملية التي اقترحها الطبيب على حنان تراوحت بين 1500 دينار – 2000 دينار.

يعتبر نظام البكج مخالفة صريحة لنظام الأجور الطبية رقم (46) لسنة1989 الذي نص صراحة “لا يجوز للطبيب أن يقاول المريض عن مجموع أتعابه وأجور المستشفى سلفاً بالنيابة عن المستشفى”.

حاولنا أخذ رد من الكيالي على هذا الموقف عبر اتصالنا به، ورسالة بعثنا بها إليه عبر أحدى شركات البريد المستعجل، إلا أننا لم نتلق ردا.

وعند مراجعة مستشفى الخالدي الذي يتعامل بنظام البكج، برر المدير الطبي للمستشفى د. جمال الأحمد ذلك، بقلة عدد المرضى وحجم العمل.

يضيف الأحمد”المستشفى لا يستطيع أن يمنع الطبيب من ذلك؛ لان الطبيب زبون المستشفى كما المريض” متسائلا:”ما ذنب المستشفى إذا اتفق الطبيب مع المريض خلافا للأسعار المقررة”.

لم تقتصر السمسرة على بعض العيادات، فقد اتفقنا مع مختبر شحاتيت الطبي على إعطاءنا 30- 50 % من إجمالي ما يدفعه المريض الذي نأتي به لمختبره.

وحين واجهنا مدير المختبر وليد شحاتيت بحقيقة ما وثقناها بالكاميرا المخفية، عَبر رسالة بريدية لم نتلق منه أي رد.

المرضى أطباء وسائقي تكسي

كاتب التحقيق، كشف ايضا بكاميرته السرية عن استعداد 22 عيادة طبية ومختبر من اصل 29 زارها في شارع الخالدي “ابن خالدون”، لتجيير مرضى لهم مقابل عمولة ترواحت بين 5 دنانير و50% من إجمالي ما يدفعهُ المريض لطبيبه.

بحسب الدستور الطبي الأردني؛ يحظر على الطبيب ” إقامة أي نوع من العلاقات على أساس السمسرة أو المكافئة الطبية، سواء مع زملائه الأطباء، أو مع المؤسسات الطبية، أو مؤسسات المهن الطبية الأخرى وأفرادها، أو استخدام من يقوم بهذا العمل”.

في تعليقه على ما رصدناه، يرى رئيس جمعية المستشفيات الخاصة د. فوزي الحموري أن ظاهرة التاكسي “انتشرت في الماضي لكنها معدومة الآن، لان المستشفيات والأطباء اصحبوا قادرين على الوصول إلى المرضى في بلدانهم دون وسطاء، فالانترنت قلل من هذه الظاهرة عبر سهولة وسرعة الوصول إلى الأطباء والمستشفيات”.

رئيس لجنة التكسي في نقابة أصحاب سيارات العمومية أحمد دويلة، نفى من طرفه تلقي النقابة أي شكوى تفيد بوجود سمسرة بين أطباء وسائقي تكسي على مدار عمر النقابة البالغ 35 عاما.

صعوبة الحصول على فواتير تفصيلية

يرى وزير الصحة عبد اللطيف الوريكات أن جزءا من المسؤولية يتحمله المريض؛ الذي عليه أن يحصل على فواتير تفصيلية للبنود التي دفع المال مقابلها ليتسنى للوزارة متابعة الأمر في حال الشكوى، ومعاقبة المخالفين من الأطباء.

قمنا بدورنا، بالاستفسار من 20 مريضا على نحو عشوائي، فيما إذا كان الأطباء الذين راجعوهم، يسلمونهم وصولات تبين قيمة ما يدفعونه لهم مقابل الطبابة، فأفاد 17 منهم بعدم حصولهم على إي فواتير أو وصولات تبين ذلك، فيما أجاب الثلاثة الآخرون بأنهم يحصلون عليها بعد طلبها من الطبيب.

ومن خلال مراجعتنا لعشرة فواتير من أطباء مختلفين، خمسة منها كانت عبارة عن اختصارات باللغة الانجليزية بحيث لا يفهم مكنونها. وأربعة لا تحتوي على أي تفصيلات عن المبلغ المدفوع.

عيادات بلا لوائح

تعتبر لوائح الأجور الطبية لعام 2008 والصادرة وفق نظام الأجور الطبية رقم (46) لسنة 1989وتعديلاته؛ وسيلة مثلى لتوثق المرضى والمراجعين من قيمة العلاج، فبحسب نظام أجور الأطباء رقم 46/لسنة 1989 والذي ينص “على الطبيب أن يعلن في مكان بارز في عيادته عن الأجور التي يتقاضاها وفق التعرفة المقررة”.

لكن واقع الحال يكشف عن عدم التزام بعض الأطباء بإبراز تلك اللوائح في عياداتهم. فقد زار كاتب التحقيق 55 عيادة اختصاص من أصل 700 في شارع الخالدي وجبل الحسين، وكشف عن عدم التزام أي منها بإبراز لائحة الأجور والأتعاب الطبية.

ويعتبر ذلك مخالفة تأديبية بالمعنى المقصود في قانون النقابة والأنظمة الصادرة بمقتضاه. بحسب المادة 8 من نظام أجور الأطباء. حيث تنص على ما يلي “تعتبر مخالفة الطبيب لأحكام هذا النظام بما فيه ذلك عدم الإعلان عن التعرفة المقررة وفقاً لأحكامه والتعليمات الصادرة بمقتضاه مخالفة تأديبة بالمعنى المقصود في قانون النقابة والأنظمة الصادرة بمقتضاه”.

يُقر رئيس لجنة تقدير الأتعاب في نقابة الأطباء د.رائف فارس بمخالفة الغالبية العظمى من العيادات للنظام من خلال عدم إبرازهم للائحة الأجور، في الوقت نفسه يؤكد أن النقابة ليس لديها كادر للتفتيش على العيادات لضعف الإمكانات المادية للنقابة، إضافة إلى عدم وجود شكوى واحدة في هذا السياق.

المادة 39 من قانون نقابة الأطباء الأردنية -
أ – إذا نشأ بين الطبيب والمريض او القائمين على أمره خلاف على مقدار الأتعاب وكان هناك اتفاق سابق بشأنها فان الفصل في هذا الخلاف يعود إلى المحاكم المختصة وفي حالة عدم وجود مثل هذا الاتفاق يعود الفصل في الخلاف إلى لجنة تدعى (لجنة تقدير الأتعاب).
ب- تؤلف لجنة تقدير الإتعاب من رئيس وعضوين من الأطباء المسجلين في جدول النقابة.
ج- يعين مجلس النقابة هذه اللجنة فور تشكيله.
قانون نقابة الأطباء الأردنيين رقم 13 لسنة،1972 أناط مهمة الرقابة على أتعاب الأطباء وأجورهم بمجلس النقابة ولجنة تقدير الأتعاب النقابية، إضافة إلى الفصل في الخلافات التي تنشأ بين الطبيب والمريض أو القائمين على آمره على مقدر أتعاب الأطباء.

مديرية التراخيص والمهن في وزارة الصحة المعنية بالرقابة على تراخيص”العيادات الطبية” فقط، تؤكد أنه ليس من مهامها التفتيش والرقابة على التزام الأطباء في العيادات الخاصة بلائحة الأجور الطبية المقرة من النقابة أو إبرازها، وان صلاحيات المديرية تقتصر على ترخيص العيادات، والتأكد من حصولها على موافقة النقابة والأمانة، والتزامها بالنظافة والمتطلبات الأساسية، علاوة على التأكد من صحة الإعلانات والأرمات، وان صلاحيات التأكد من انضباط الأجور الطبية يقتصر على النقابة فقط. بحسب مدير التراخيص والمهن في وزارة الصحة د. قاسم الرحاحلة.

يضيف الرحاحلة، أن الوزارة تخاطب نقابة الأطباء في حال ورود أي شكوى للوزارة، أو ضبط مخالفات للائحة الأجور الطبية.

لدى محاولتنا بممارسة دورنا الرقابي كسلطة رابعة، والتأكد من رقابة نقابة أطباء الأسنان على قطاعها ومنتسبيها؛ تقدمنا بطلب للحصول على المعلومات من نقابة أطباء الأسنان بتاريخ 30/5/2012، تضمن أربع أسئلة عن دور النقابة الرقابي على قطاع أطباء الأسنان، والتزامهم بلائحة الأجور الطبية وإبرازها في عياداتهم، وكيفية حمايتها لحقوق المرضى، وذلك لتعزيز وتدعيم التحقيق، وبرغم أيضا من زياراتنا واتصالاتنا المتعددة مع النقابة لمتابعة ما طلبنا، لم تستجيب النقابة ذلك.

كل ذلك، دفعنا للتظلم لمجلس المعلومات الذي اصدر قراره بتاريخ 29/8/2012، بقبول تظلمنا والطلب من مجلس نقابة أطباء الأسنان بتزويدنا بالمعلومات المطلوبة. إلا أن النقابة لم تستجيب لكل هذه المحاولات، مما حال دون الحصول على المعلومات المطلوبة.

كشفية عيادات خاصة تصل 80 ديناراً

رافقنا المريض اليمني صالح في زيارة لأحد أشهر أطباء القلب في عمان، حين سأل سكرتيرة العيادة عن قيمة الكشفية، أجابته:” 80 دينارا، لكل المرضى بغض النظر عن جنسياتهم”.

نتائج استطلاع رأي علمي محكم اجري لصالح التحقيق، اشارت إلى ما يلي :-
- أن 48% من المرضى يرون أن الطبيب أو المركز الطبي يوصيان بمختبر طبي أو مركز إشعاعي معين دون غيره.
فيما يرى 37% من المرضى، أن الطبيب يوصى بصرف العلاج من صيدلية معينة دون غيرها.
في رصد عشوائي، قام به كاتب التحقيق، لـ 20 عيادة طبية في عمان، للاستفسار عن قيمة الكشفية التي تتقاضاها من المرضى، خرجنا بنتيجة مفادها أن تسع عيادات منها تراوحت قيمة الكشفية فيها بين 30 و80 ديناراً؛ فيما كانت قيمة ست منها 25 دينارا، والخمس الباقيات تراوحت قيمتها بين 10-20 ديناراً.

تنص لائحة أجور الاطباء الصادرة عن نقابة أطباء الأردنيين على أن لا تتجاوز الكشفية بحدها الأعلى 24 دينارا للطبيب الاختصاصي الذي مضى على حصوله لشهادة الاختصاص أكثر من 20 سنة.

ما رصده كاتب التحقيق من مخالفات ترتكبها بعض المستشفيات الخاصة بحق بعض مرضاها يبدو أمراً ليس جديداً أّذا تكشف دارسة الخبير في المسؤولية الطبية الدكتور محمد شريم والصادرة قبل عشر سنوات، أن 19.7% من مجموع الشكوى المقدمة من المرضى على الأطباء تتعلق بأجور زائدة، عبر تحصيل مبالغ أكثر من التسعيرة المقررة.

أشكال أخرى لاستغلال المرضى

“عملية كيّ عنق الرحم” أسهل الحلول واقصرها، فكل من دخلت عيادة الطبيبة النسائية، التي نمسك عن ذكر اسمها لعدم وجود دليل مصور لدينا، وجبت عليها هذه العملية لقاء 70 دينار تدفعها للطبيبة، سكرتيرة العيادة، أكدت لأم احمد بعد وقوع “الفأس برأس” بأجراءها للعملية، أن هذه العملية تخضع لها كل المراجعات/ المريضات، بحسب أم احمد.

أخصائي الباثولوجي الدكتور عماد إبراهيم، يؤكد أن هناك بعض الأطباء يقوم بإجراء عمليات للمرضى ليسوا بحاجة لها وخاصة عمليات المرارة وعمليات دوالي الخصية وتنظير المعدة، وهناك الكثير من القصص والشواهد على ذلك. يتفق مع ما ذهب إليه إبراهيم الطبيب أديب صالح.

يضيف إبراهيم قائلاً ” طبيب يتعاون مع طبيب جراح، يوصي له بإجراء عمليات لا يحتاجها المريض، يقوم عندها الجراح بجرح المريض دون إجراء عملية حقيقية، ثم الجرح، لإيهام المريض أنه عالجه وأجرى له التدخل الجراحي اللازم “.

من جانبه؛ يعتبر رئيس جمعية المستشفيات الخاصة ومدير عام مستشفى الشميساني الدكتور عوني البشر، الأمر حالات فردية لا ترقى لمستوى الظاهرة، “فالأبواب مفتوحة والكل يستطيع أن يقدم شكوى”. يضيف البشير أن نسبة الخطأ بسيطة جدا وتتركز مع المرضى السودانيين واليمنيين، الذين يحضرون إلى الأردن دون ترتيب مسبق.

رقابة ضعيفة وحفظ الشكوى سيد الموقف

لدى مراجعة كاتب التحقيق لسجل الشكاوى في وزارة الصحة خلال الفترة بين 2008-2012، تبين أن 19شكوى فقط وصلت الوزارة على أطباء لمخالفتهم لائحة أجور الأطباء، تراوحت إجراءات الوزارة بمخاطبة نقابة الأطباء الأردنيين في 7 شكاوى لأخذ إجراءاتها، والمطالبة بإعادة المبالغ الزائدة عن القيمة الصحيحة للفاتورة في 5 شكوى تراوحت الزيادة بين 120دينارا و29 ألف دينار، فيما 3 شكاوى قيد الإجراء، و3 أخريات تم حفظهن، وشكوى أمام القضاء.

بلغ عدد شكاوى المرضى على أطباء لدى نقابة الأطباء الأردنيين لمخالفتهم للائحة أجور الأطباء لآخر خمس سنوات بـ 126 شكوى، حفظت منها 86 شكوى بنسبة 68% من مجموع الشكاوى، في حين طالبت النقابة 9 أطباء فقط بإعادة المبالغ الزائدة، فقد تراوحت قيمة هذه المبالغ بين 320 – 1310 دينار.

يرى وزير الصحة السابق د. زيد حمزة أن كل من وزارة الصحة ونقابة الأطباء مقصرة في الجانب الرقابي، داعيا النقابة لمواجهة المريض بالحقيقة، بأنها لا تستطيع أن نأخذ له حقه من الطبيب، خاصة وأن عقوبات النقابة تقتصر على التحذير والتأديب والتنبيه.

” نقابة الأطباء قادرة على القيام بدور أفضل، والمشكلة أن الأحزاب مسيطرة على العمل النقابي، وإذا وقع خطأ من احد أفراد الحزب الذي يسيطر يصعب محاسبته، والسبب في ذلك إلزامية العضوية في النقابات، وهذه مخالفة للمواثيق الدولية”، بحسب وزير الصحة الأسبق زيد حمزة.

وزير الصحة د.عبد اللطيف وريكات، يوضح أن مخالفة أطباء القطاع الخاص، ومتابعة قضاياهم هي من مسؤولية نقابة الأطباء بتشارك مع وزارته التي تستطيع إغلاق أي عيادة أو مستشفى مخالف.

نقابة الأطباء، وعلى لسان نقيبها الدكتور أحمد العرموطي تنفى تواطؤها مع أي من منتسبيها، مؤكدة أنها على مقدرة بمعاقبة أي طبيب مخالف، وتقوم بواجبها لحماية حقوق المرضى.