يرتجل المقالات رغم شلل أطرافه
لم تمنعه أطرافه المشلولة التي حرمته من تعلم القراءة والكتابة من ممارسة هوايته في ارتجال الكلمات التي تشكل خواطر ومقالات تحليلية للقضايا المختلفة .
يقضي باسل الشريف الذي أصيب بشلل دماغي رباعي في أطرافه الأربعة منذ ولادته قبل 28 عاما لنقص وصول الأكسجين إلى الدماغ اوقاته بتلاوة القرآن الكريم ومتابعة نشرات الأخبار التي تبث عبر التلفاز وتقليب صفحات الانترنت لمتابعة ما يجري من أحداث حول العالم .
يدهشك باسل وانت تتبّع الحروف وتلتقط الكلمات من صوته المختنق ، ويتحدث لوكالة الأنباء الأردنية ( بترا ) " امنيتي أن أصبح صحفيا ، ولن ادع حالتي تمنعني من ممارسة هذه المهنة التي أحبها ، فانا أتابع الأخبار واستمع إليها بأذن المحلل " .
وتصغي له أكثر حين تخرج الكلمات من صوته ليشكل منها مقالات أو خواطر ، وما أن تكتمل الفكرة في ذهنه يمليها على احد أفراد عائلته، لينقل فكرته على الورق بحسب قوله .
يفسر استاذ علم النفس بجامعة البلقاء التطبيقية الدكتور محمود الخوالدة حالة الشاب الشريف ، بأنه يسعى إلى إثبات الذات والبحث عن مكانة له في المجتمع من خلال تطوير قدراته المعرفية أكثر من الآخرين مركزا على استيداع وتخزين المعلومة لتكتمل في الذهن .
ويؤكد أن الشخص الذي يشعر بالنقص الجسدي يعوّض ذلك بالاعتماد على كفاءة جزء فعال من الجسد وهو ما يعرف بعملية الإحلال والتعويض .
تشير الدراسات وفقا للخوالدة إلى أن هؤلاء الأفراد أكثر قدرة على المعرفة والتخزين وسرعة الاسترجاع .
يطمح باسل لأن يجد لمقالاته مكانا للنشر في الصحف ، اذ " تتنوع المقالات التي اكتبها بين السياسي التحليلي ، والاجتماعي , والاقتصادي والواقع المحلي اليومي " بحسب قوله .
وهو الابن البكر لاسرة مكونة من ستة أبناء ، يتسابق اشقاؤه وشقيقاته وكلهم جامعيون مع والدتهم -خاصة أثناء نقله من السرير إلى الكرسي الذي تحول إلى سرير إضافي - لرعايته ومساعدته لاعوجاج في حوضه حرمه من الجلوس عليه بشكل سليم .
ويقول : ان اجمل يوم في حياتي هو عندما اختارت شقيقتي وزوجها يوم ميلادي للاحتفال بزفافهما مع جميع الأهل والأحبة حيث "غنوا ورقصوا لي وفاجأوني بكعكة الميلاد " .
رغم إعاقة ابنها وحاجته للعناية والرعاية إلا أن ذلك لم يمنع والدته من استكمال تعليمها حيث قدمت الثانوية العامة وتخصصت بمادة التربية الخاصة من احدى كليات المجتمع , وتسعى الى استكمال تعليمها الجامعي من خلال التجسير لإحدى الجامعات.
يأمل باسل بأن تتمكن والدته التي أصيبت بالدسك جراء قيامها بحمله من مكان لاخر على مدى سنوات طوال من اعطاء وقت اكبر للعمل التطوعي الذي تقوم من خلاله بتقديم العون لذوي الاحتياجات الخاصة في المراكز التي تطوعت عن طريقها لخدمتهم .
تجد والدته وفاء القواسمي لذة وهي تقوم برعاية ابنها , لكن أكثر ما يضايقها حين تقوم بنقله من مكان الى آخر حتى لا يبقى حبيس المنزل خاصة عندما يشاهد البعض من سائقي (التاكسي) الكرسي المتحرك فانهم لا يتوقفون لهم وفقا لقولها .
وتضيف والدته " لقد حرمنا من الاستفادة من الإعفاء المخصص لاصحاب الحالات الخاصة لإحضار سيارة تساعدنا على نقل باسل ، لان الإعفاء مخصص لأصحاب هذه الحالات وليس لذويهم ، حيث انه لا ينظر لحاجات هذه الفئة المتمثلة بالانتقال لتلقي العلاج الطبيعي وضرورة استثنائهم من القوانين الوضعية ".
تشير التعليمات الصادرة عن دائرة الجمارك الاردنية المتعلقة بالإعفاءات الخاصة بسيارات المقعدين من الرسوم الجمركية والشروط الواجب توفرها في الشخص المقعد للحصول على سيارة معفاة من هذه الرسوم الى انه لا يحق إلا لمن أصاب اطرافه السفلية الشلل التام أو أحدهما بحيث لا يستطيع الاعتماد عليهما ، أو بتر الطرفين السفليين أو أحدهما أو جزء منهما شريطة أن يعطل هذا البتر وظيفة الطرفين السفليين أو أحدهما .
يفخر باسل بما حققه في مجال الكتابة , وقرأ جزءا من احد مقالاته التي يختزنها في ذاكرته حول حبه لمهنة المتاعب اذ يقول : " الصحافة مرآة للمجتمع وهي مهنة المتاعب وأشق المهن حيث يتطلب من الصحفي تغطية الأحداث ومتابعتها وأحياناً عرضها على المسؤولين لإيجاد الحلول المناسبة ، فالصحافي حلقة الوصل بين المسؤول والمواطن .
، وكم من صحفي عرّض نفسه للخطر في سبيل إيصال الحقيقة بكل أمانة وصدق ، رحم الله الشهداء من الصحافيين الذين ضحوا بحياتهم في سبيل تأدية الواجب ، تحية لهؤلاء المبدعين الذين يسعون للحقيقة، والحقيقة فقط".
حرمت التعليمات المعمول بها في مراكز الإعاقة ، باسل من الالتقاء بصديق عمره الوحيد محمد سلايمة المصاب بشلل دماغي أيضا ، والذي كان يلتقيه في احد هذه المراكز " التي توقفت عن استقبال من هم في مثل حالتنا بعد إتمامنا سن الثامنة عشرة من العمر , والمدارس الحكومية والخاصة ترفض استقبالنا " وفقا لما يقوله باسل .
لا تفارق لسانه كلمات " الحمد الله على كل شيء" ويقول عندما انظر الى اعاقة غيري اردد" انأ أحسن من غيري " ولا تفارق محياه تلك الابتسامة البريئة الهادئة .
رغم انه خضع لأربع عمليات تم خلالها زراعة صفائح وبراغ في حوضه وقدميه ، دون فائدة ، الا ان لديه تفاؤلا ، ويفضل ان يطلق على نفسه لقب (متحدي الإعاقة ) .