من شرعية الانتخاب الى شرعية الانجاز
في الأنظمة الديمقراطية تتنافس الأحزاب والتكتلات والمرشحون المستقلون على نيل ثقة الجمهور ليمتلكوا شرعية تمثيل الناس، وهذا التمثيل لا يقوم على الفراغ، لكنه يقوم على برامج انتخابية وأفكار خلاقة وحلول واقعية لمشكلات المجتمع الحياتية.
ثم لا يكفي التمترس لممثلي جمهور الشعب في البرلمانات أو الحكومات البرلمانية خلف الشرعية الانتخابية، بل لابد لهم من التقدم خطوة أخرى أكثر عملية تتمثل بشرعية الانجاز، وهذه الشرعية هي الأهم في حياة الاحزاب والحكومات والدول، فهي ترجمة واقعية لتلك الوعودات والبرامج التي أطلقتها.
وهذا ما يحدث بالفعل في دول العالم اليوم القاصي منها والداني - باستثناء عالمنا العربي حسب واقع الحال- بعضها بصورة متكاملة، والبعض منها بصورة اقل، لكنها مطبقة الى حد بعيد وان شابها بعض الخروقات والثغرات والملاحظات هنا وهناك.
الذي يبدوا أن ديمقراطية عالمنا العربي ديمقراطية فريدة من نوعها، لها مذاقها ونكهتها وشكلها الخاصة التي تختلف عن كل ديمقراطيات الدنيا ولا تشبهها الا بالاسم.
بالمناسبة ما اتحدث به افكار حول هذا المفهوم من الشرعية الانتخابية او شرعية الانجاز هو الحد الأدنى الذي لا تقبل اغلبية الشعوب اليوم بأقل منه، واذا أردنا أن نتسلق الى رأس الهرم في هذا المجال فإن شعوب الدول المتقدمة تعدت مرحلة شرعية الانجاز، وباتت تبحث عن "شرعية التميز" ، لضمان بقاء هذه الدول في دائرة التقدم والتطور والتأثير على الساحة العالمية، مما يعطي صفة التنافسية لذلك الانجاز.
اعود للحديث عن واقعنا المحلي في الاردن، واطرح تساؤل مهم: ما هي الشرعية التي تتمتع بها حكوماتنا ؟ وكذلك برلماناتنا؟
هل هي شرعية الانتخاب الحقيقي؟
ثم إذا كانت تتمتع بقدر معقول من شرعية الانتخاب وتمثيل الجمهور، هل ارتقت الى شرعية الانجاز؟
هل هناك انجازات واقعية حققتها للشعب الاردني غير المديونية وغلاء الاسعار وتهالك البنية التحتية ، وسوء توزيع الثروة، وغياب العدالة الاجتماعية، وتفشي المحسوبيات والرشوة حتى بتنا بحاجة إلى الحكومات الإلكترونية للخروج من هذا الحال المتردي،وتراجع في هيبة الدولة؟
ماذا حققت حكوماتنا التي لا نعرف كيف جاءت ولماذا انصرفت ؟
انا لا اعرف ماذا يمكن أن نصف حكومتنا اليوم ؟!
هل هي حكومة برلمانية؟
أم هي حكومة تكنوقراط وكفاءات فنية؟
أم هي حكومة مسيسة تمثل الطيف الحزبي الاردني أو تضم شخصياته الوطنية الوازنة؟
اترك الجواب لكم..!!!
بالرغم من هذا قد يقول قائل بانني سوداوي النظرة، وغير موضوعي، فهناك انجازات في هذا الوطن، وهي ماثلة للعيان لا يجوز إنكارها.
نعم، هناك حد معين من التقدم والتطوير والانجاز، لكنه في تقديري لا يمثل أكثر من ٢٥٪ مما يمكن انجازه. هناك فرص ضائعة كبيرة، وكبيرة جدا. هناك هدر في المال العام.
وهناك تراجع في مخرجات التعليم المدرسي والجامعي يتحدث عنه ويقر به الجميع.
هناك انحدار مرعب في الجانب الأخلاقي العام في المجتمع تغذيه جهات مشبوهة.
هناك ارتفاع في مستويات الفقر والبطالة.
هناك تقلص كبير للطبقة الوسطى التي تحفظ توازن المجتمع وهي الطبقة الفاعلة والمنتجة وهي أهم عوامل استقراره.
هناك سرقات كبيرة وبارقام مذهلة بدأت تتكشف تتعلق بالاعتداء على شبكة الكهرباء وخطوط المياه، وما خفي منها اعظم.
هناك جرأة غير مسبوقة على المبادئ الدينية التي ترتبط بالتدين الفطري " العادي " المعتدل الذي يشكل المزاج العام لمجتمعنا الاردني بهدف التشكيك به والولوج إليه وصولا إلى محاولة تحطيمه.
هناك الكثير مما بتنا نلمسه ونشاهده ونسمع به مما لم يكن موجودا في الاردن من قبل.
باعتقادي أن معالجة الخلل والخطأ يتمثل باستئصال الداء لا بإعطاء المسكنات هنا وهناك.
واصل الداء في ضعف وتراجع الأداء البرلماني والحكومي يتمثل بعدم توافر الشرعية الشعبية بالانتخاب الحر على أساس قانون انتخاب عادل، وبالتالي ومن باب أولى عدم توافر شرعية الانجاز، لان البرلمان والحكومة كلاهما ما لم يخرجا من رحم الشعب وهمومه لا يهمهما بحال رضاه أو سخطه، فهو في نظرهما مسألة تحصيل حاصل، أو بأحسن الاحوال -ان حسب لجمهور الناس حساب- فيكون باسترضائه بأقل التبريرات واسهل العبارات.
باعتقادي ان الوصول إلى حالة شرعية الانتخاب وشرعية الانجاز تحتاج إلى إرادة إصلاح حقيقية تبدأ بالاصلاح السياسي مرورا بالاصلاح الاقتصادي وصولا إلى الإصلاح الاجتماعي.
بغير إصلاح حقيقي وشامل سنبقى نعاني من ضياع الفرص وهدر الطاقات وضعف استغلال الموارد.
لنكون في مضمار السباق العالمي المتسارع اليوم كالسلحفاة التي تسابق الصاروخ، نوهم أنفسنا اننا نتقدم، ولكننا في الحقيقة وواقع الامر متأخرون عن ركب الشعوب والامم، ومتأخرون جدا.











































