طفأ محمد آخر سيجارة بعد 37 عاما من التدخين بعد أن تغلبت إرادته على هذه العادة التي كلفته الكثير ،صحيا واجتماعيا واقتصاديا.
ويروي محمد قصة إقلاعه عن التدخين "إن إطفاء آخر سيجارة أشعلتها منذ أن كنت يافعا والتي أثرت على إحدى النعم العظيمة التي وهبني الله إياها وهي التنفس الطبيعي، ما كان له أن يتحقق رغم الرغبة التي كانت تنازعني بين الحين والآخر للإقلاع عنها، دون مساعدة عيادة الإقلاع عن التدخين التابعة لوزارة الصحة في مركز عمان الصحي الشامل، بعد أن نصحني مقربون بزيارتها".
وقال "ان الجلسة الاولى في العيادة كانت نصائح وإرشادات من قبل الطبيب المختص، ثم تحديد جلسات خلال الأسبوع، وصرف أدوية تساعدني على نسيان هذه العادة والابتعاد عنها وهو ما كان"، مشيرا الى مضي عدة شهور على اقلاعه عن التدخين اضافة الى نيته التوجه الى بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج هذا العام .
ويقول : "مستحيل محمد يترك الدخان" بهذه العبارة يعيد محمد ما كان أصدقاؤه يرددونه له خلال رحلة علاجه ، مشيرا الى ان المدخن هو الوحيد القادر على ترك العادة السيئة المؤذية ولا يحتاج الا لمن يساعده ويحقق رغبته ويقف مع إصراره، فيما يصف حالته بعد شهور على إقلاعه عن التدخين وكيف انعكس ذلك على صحته وأسرته، قائلا أصبح "نومي مختلفا جدا، وخرجت رائحة الدخان من بيتي وملابسي، وبدأت أستعيد الهواء النقي إلى رئتي، وأصبحت اوفر ثمن 50 سيجارة يوميا لأسرتي ونفسي، وتخلصت من مشكلة الصداع الذي يصيبني إنْ تأخرت بإشعال السيجارة.
"256 شخصا قرروا طواعية الإقلاع عن التدخين وحضروا الى العيادة منذ بداية السنة" يقول الطبيب المختص في العيادة الدكتور كامل الرواشدة، مضيفا أن العيادة تستقبل جميع من أدمنوا هذه العادة ولديهم إصرار على تركها، مشيرا الى أنه لا إجبار لمن لا يرغب بذلك، فالعلاج يعتمد على المدخن فقط.
ويضيف الرواشدة المسؤول عن هذه العيادة، منذ ان تم افتتاحها قبل سنتين تقريبا، تتمثل الخطوة الاولى باستقبال المريض، وفتح ملف خاص به، وتعامل المعلومات كافة بالسرية، ويتم تحديد جلسات وعلاجات خلال أشهر المراجعة حتى اكتمال الشفاء، ويتم التواصل مع بعضهم بشكل مستمر والاطمئنان على عدم العودة للتدخين.
ويضيف الرواشدة "نستقبل المدخنين اليافعين وغالبا يأتون مع امهاتهم"، مؤكدا أن لا ادوية تصرف لمن هم أقل من 18 عاما، ويتم اعطاؤهم ارشادات وأساليب خاصة بهم للتخلص من هذه العادة، وان المراجعة المستمرة تجعلنا ندرك أن الشخص أقلع عن التدخين وأن لديه إصرارا كبيرا على ذلك.
ويروي الرواشدة قصص المدخنين ومعاناتهم مع هذه العادة، بأن منهم من يدخن 30 - 40
سيجارة في اليوم وهي نسبة كبيرة، وتشكل ضغطا على كل أجهزة الجسم، ومنهم من استطاعت العيادة تخفيض تدخينه الى سيجارتين في اليوم ان التزم بتعليمات الطبيب، وهناك 85 بالمئة من المدخنين يملكون الرغبة في الإقلاع عن التدخين، لكن 5 % فقط هم من يملكون الإرادة على ترك هذه العادة وان العلاج يعتمد على الإرادة أولا، موضحا أن العلاج مجاني في العيادة ولا تتقاضى وزارة الصحة أي مبالغ لذلك.
"الصغار يتعلمون دخان الأرجيلة في المنزل وليس في المقهى" يؤكد الرواشدة، مبينا أن صنعها في المنزل وتكليف الأبناء بإعدادها هو أحد أكثر الأسباب لتعلم تدخين المعسل الاكثر خطورة على اليافعين، وهو ما يتطلب من الآباء أن يكون لهم موقف حازم من التدخين وعدم التهاون في ضرره خاصة وأن دخان الأرجيلة لمرة الواحدة يعادل ضرر 20 سيجارة تقريبا.
"لدينا 4 عيادات ونفكر بفتح المزيد" يقول الناطق الاعلامي باسم وزارة الصحة حاتم الأزرعي، والعيادات الأربع موزعة على ثلاث محافظات، هي اربد والكرك اضافة الى اثنتين في عمان، وتقوم الوزارة بجهود كبيرة لمكافحة هذه العادة ومساعدة الكثيرين على تركها، وهناك 30 % ممن يراجعون العيادة الخاصة بالإقلاع عن التدخين يتركون هذه العادة، وتنجح الوزارة بإطفاء دخانهم القاتل إلى الأبد، مشيرا ان النسبة العالمية لمراجعي هذه العيادات تبلغ 27 % وأن الأردن في المستوى العالمي.
المتخصص بالإرشاد الأسري والتربوي، خليل محمود يقول "العنف والعقاب لا يمنعان الابن من التدخين"، مؤكدا أن "العناد هو المهماز لرغبات الأطفال في الإقبال على الممنوعات وتجريبها".
ويضيف "أن الحوار بين الأبوين بشكل مستمر، والمتابعة الحثيثة لابنهما عبر سنين عمره، حول الآثار الخطيرة التي يتسبب بها التدخين تسهم بشكل كبير في تكوين صورة نمطية سيئة عن القيام بهذه العادة".
ولفت إلى أن على الأبوين، أن تكون لهما طريقة ومنهجا في تنفير الأبناء من التدخين، خاصة وأن المدخن يقرر استبدال الهواء النقي، والدم الصحي داخل الجسم بهواء ودم فاسدين وملوثين، وأن على الفرد أن يحافظ على أعضائه من الضرر الذي قد يعجل بوفاته.
ويضيف "إطلاقا لا يمكن اعتبار التدخين معيارا للتحضر" ، مؤكدا أن على المجتمع أن لا يروج لمثل هذه الشعارات، وأن مكافحة التدخين تحتاج إلى ثورة مجتمعية بالحوار والنقاش وتحجيم هذه الظاهرة والسيطرة عليها والوقاية منها لحماية الاجيال القادمة.
يشار إلى أن الأردن صادق على الاتفاقية الإطارية لمنظمة الصحة العالمية لمكافحة التبغ عام 2004، وكانت هي الدولة الثانيةٌ من بين الدول العربيةٌ بعد دولة قطر، والدولة رقم 29 من بين دول العالم في التوقيع عليها في خطوة تدل على المحاربة الجدية والفاعلة لمثل هذه العادة السيئة والمؤثرة على الاقتصاد والصحة العائلية.