ترامب والثورة على النظام

ترامب والثورة على النظام
الرابط المختصر

لقد فجر الأمريكيون " السيستم" بانتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، فمنح أكثر من  60 مليون ناخب أمريكي صوته، لرجل جاهل سياسيا، حاد المزاج، خطابه عنصري، تطارده شبهات التحرش بالنساء، والتهرب من الضرائب، والتحايل على القانون، والكذب على الجمهور.

 

فلماذا صوتوا له على حساب ابنة "السيستم" هيلاري كلينتون السياسية المخضرمة، ووزيرة الخارجية، وسيدة البيت الابيض سابقاً؟

 

إنها الرغبة العارمة بالتغيير، هذا هو السبب وراء المزاج الحاد للناخب الأمريكي في التصويت لترامب، ثورة بيضاء على نظام الحكم، وسدنته، مهما كانت الكلفة، وحجم القفز في المجهول.

 

قبل الانتخابات بأيام قليلة، كنت في واشنطن العاصمة، وتحدثت مع رجال بارزين في الإعلام والسياسية الأمريكية، قالوا إنها أسوأ انتخابات في تاريخ أمريكا، والحديث على مستوى المرشحين، فالاختيار يصعب بين السيء والأسوء، والخطاب السياسي هزيل، والبرامج الانتخابية غير مقنعة، وتغطية الإعلام متحيزة.

 

في هذا الاجواء، اقترع قرابة 55% ممن يحق لهم الاقتراع، وجدت الطبقة الوسطى، وعمال المصانع من البيض، وسكان الأرياف ترامب الأقرب إليهم، وإلى همومهم.

يشير تحليل خصائص الناخبين الذي نشرته نوريوك تايمز، إلى إن 58% من المقترعين البيض صوتوا لترامب. والتفسير ببساطة يعود لشعورهم بالخوف على هويتهم في مجتمع غزاه المهاجرين، واستحوذوا على فرص العمل، وسكنوا المدن بينما سكنوا هم الأرياف، هذا ما لعب عليه ترامب، في خطابه المعادي للمهاجرين، ووعوده بترحيل 11 مليون مهاجر، وإغلاق الحدود أمام المسلمين، وبناء جدار مع المكسيك، وإلغاء اتفاقيات التجارة. 53% من الذكور المقترعين صوتوا له أيضا، ربما يستغرب البعض ذلك في مجتمع معولم، لكن هناك مجتمعات أمريكية لديه ميول ذكورية، وخاصة الأرياف، فالمرأة في رأي الكثيرين منهم غير قادرة على القيادة، وينظر إليها بنظرة أقل من شقيقها الرجل.

 

هذا ما أفقده ثقة المقترعين  الليبراليين والحاصلين على الدراسات العليا فحظوته كانت هشة بينهم، وهي نتيجة طبيعة لخطابه الشعبوي، واليميني، وغير المنطقي في كثير من الأحيان، لذلك لم يغازلهم في حملته الانتخابية، فهو يعلم أن الناس تميل إلى الآراء التي تتطابق مع وجهة نظرهم.

 

وبينما فاز ترامب بقيادة الدولة العظمى في العالم، نجح الناخب بتغيير وجه أمريكا، فسدد ضربة قوية للمؤسسات السياسية والعسكرية السيادية، الغاضب منها بانتخابه أول رئيس من خارجها.

 

ترامب الفائز الأول من خارج عباءة الوول الستريت الذي يُصنع زعماء أمريكا على عينه، وهو الأول من خلفية رجال الأعمال، والترفيه، هكذا رد 60 مليون ناخب على فساد النخبة في التشريع، والسياسة، واللعب باقتصاد البلاد، وعيش العباد.

 

لقد خابت آمال وأحلام أغلبيتهم المعلقة على الرئيس الأمريكي باراك أوباما، فشل في محاولات التغيير المنشودة، وإصلاح المؤسسة الحاكمة، ومعالجة الاقتصاد الهيكلي، فـ 46% من الناخبين الأمريكيين غير راضين عن أداء أوباما خلال ثمان سنوات من جلوسه في البيت الأبيض، بحسب استطلاع أجرته شبكة CNN.

لقد أسس ترامب صلة عاطفية مع جمهوره، خطابهم بخوفهم، بمشاعرهم وأحاسيسهم، وهذا لم تخلقه كلينتون مع قاعدتها، على عكس زوجها بيل، صاحب الجملة الشهيرة "أنا أحس بآلامكم". ومن المفارقة أن ترامب استخدمها بأسلوبه الغاضب، هذا ما يقوله البعض، "لقد جاء من يشعر بنا".

 

امتزج الغضب بين خطاب ترامب وشعور الجماهير. إنها العاطفة أقوى من لغة المنطق والتحليل، فكانت المحرك، لقد تحسس شكواهم من قلة فرص العمل، وتدني الأجور، والشعور بضعف العدالة.

 

يقول البعض، إن أغلب الناس أخذوا ترامب حرفياً، صدقوه، رغم كذبه في الكثير مما قاله، صدقوه رغم أنه غير واقعي، في تسفير المهاجرين عندما يجلس على كرسي الرئاسة، ومنع دخول المسلمين، وبناء جدار المكسيك، لقد خاطب الناس بطريقة فعالة، كسب خلالها الجماهير، صدقوه في إحداث هذه الثورة، رغم تعارضها مع القيم الديمقراطية، لأن الغريق يتعلق بقشة، قشة التغيير، وإذا تعثرت القشة في إنقاذه، فالغريق لا يخشى البلل.

 

ليس "السيستم" فحسب ما أراد الناخب الأمريكي "تفجيره"، بل طال ملحقاته، وأدواته الفعالة، وهي سوق الإعلام، شعروا أن أغلب وسائل الإعلام الكبيرة، فقدت حيادها في الحملة الانتخابية، وتحيزت لصالح كليتنون ضد ترامب، فثقتهم به ليست كبيرة أصلا، وفي تراجع مستمر، في 2015 كانت نسبة الأمريكيين الذين يثقون بإعلام بلادهم 32%، مقابل 44% في 2013.

 

لقد لقنوا الإعلام درساً مراً. يحتاج سنوات من العمل الموضوعي والمحايد، ليسترد عافيته.

 

"الرفض للسياسات التقليدية الليبرالية الفاشلة"، هي الجملة التي قالها رئيس مجلس الممثلين "النواب" الأمريكي بول راين، تعليقا على فوز ترامب.

 

باختصار، هي صرخة استياء، صرخة غضب أولية من طبقة أنهكتها وعود النخبة الحاكمة في واشنطن، فضلوا مُقامرا، هاويا، ربما يقذفهم والعالم في المجهول على استمرار البيئة السيئة برتابتها، وأناقتها، خياران أحلاهما علقم.

أضف تعليقك