تراجع القراءةبسبب الأوضاع الاقتصادية وخطط التعليم
حذر مثقفون ومهتمون بالشأن الثقافي من تدني معدل قراءة الفرد العربي في السنوات الأخيرة؛ فوفق إحصاءات عرَضَها تقرير التنمية البشرية، بلغ متوسط قراءة الفرد في المنطقة العربية 10 دقائق في السنة، أي ما معدله ربع صفحة، مقابل 12 ألف دقيقة في السنة في الغرب، و11 كتاب للأميركي و7 للبريطاني.
وأشارت إحصاءات صادرة عن منظمة اليونسكو (UNESCO) والتنمية التابعة للأمم المتحدة UNDP، إلى تدهور خطير في معدَّل القراءة لدى العرب بشكل عام، حيثُ أنَّ الخط البياني الهابط يكادُ يصلُ إلى أخفض مستوى فى العالم أجمع، أي بمعدل "كتاب واحد لأكثر من 300.000 شخص في المنطقة.
ويعتقد الناقد والكاتب فخري صالح أنَّ معدَّلَ قراءة الفرد العربي المنخفض جدا إلى حدِّ التلاشي يعودُ إلى أسباب كثيرة؛ منها عدم اهتمام الأسرة العربية بتعليم أبنائها فضيلة القراءة، وانحدارُ مستوى التعليم العربي خلال السنوات العشرين الأخيرة، إلى حد بات معه التعليم الثانوي والجامعي فصلاً من فصول محو الأمية الكتابية.
وتساءل صالح: "هل المكتبة جزء من أثاث البيت العربي؟ أم أننا لا نجد في الحي الواحد منزلاً فيه مكتبة شخصية يورثها الآباء لأبنائهم"؟
وأضاف أنَّ الحلَّ من وجهة نظره يكمنُ في إصلاح التعليم الذي يحتاجُ إلى غرفة عناية مركزة في العالم العربي، وذلك بمعالجته من الجذور؛ أي من مرحلة الحضانة إلى تأهيل المعلمين المثقفين الذين يغرسون حبَّ القراءة في نفوس طلبتهم.
وقسّمت الروائية ليلى الأطرش أسباب انحسار القراءة في العالم العربي إلى سببين رئيسيين هما العامل الاقتصادي، ودليل ذلك ما قامت به مصر والأردن والمغرب من مشروع مكتبة الأسرة الذي يقومُ بتوفير الكتاب للقارئ العربي بأسعار رمزية كخمسة وثلاثين قرشاً لكتاب الكبار وخمسة وعشرين قرشا للأطفال.
أما السبب الثاني، فتحدِّده الأطرش في التعليم الذي يحتاجُ إلى إعادة نظر، مبينة أنَّ الخطط التدريسية انتهت منها حصص المطالعة، وانتهى فيها تفعيلُ دور المكتبات. ورأت أنَّ ذلك التراجُعُ ساهَمَ بشكل كبير في انحسار معدَّل القراءة في العالم العربي.
ويُرجعُ مسؤول النشر في وزارة الثقافة الأردنية هزاع البراري ضعف الإقبال على القراءة إلى أسباب عديدة منها: التقنيات الحديثة وما أفرزته وسائل الاتصال في تقديم المعلومات بشكل أكثر سهولة وأقل زمناً، أو في حال اضطر إلى العودة إلى المكتبة ليبحث أكثر وهذا بحد ذاته أوجد ما يعرف بالبحث الاستهلاكي الذي يهدف للحصول على معلومة سطحية وأحياناً غير كافية.
وأضاف البراري أنَّ انتشار الفضائيات والموبايلات التي تعتبر كلها من تقنيات الاتصال، أحرزت حالة من الكسل واستسهال استخدام تلك التقنيات كبديل عن الكتاب المطبوع.
وأشار إلى أنَّ الأوضاع الاقتصادية للفرد العربي وانشغاله بلقمة العيش، جعَلَت من الحصول على الكتاب وقراءته ليست من الأولويات الضرورية، حتى لم يعد من الكماليات، بل صار من الحالات النادرة وربما المستغربة.
وبيَّنَ أنَّ وزارة الثقافة تعمَلُ على عدَّة مشاريع تساهِمُ في رفع مستوى الإقبال على القراءة عند المواطن الأردني، منها مشروع نشر الإنتاج الإبداعي الثقافي الذي يقومُ على تبني ما ينتجه الكتاب الأردنيون من خلال آلية خاصة، وبالتالي نشر تلك الكتب وتوزيعها على شكل إهداءات مجانية، أو بأسعار رمزية، كما تقومُ الوزارة بمشروع رائد في المنطقة، وهو مشروع مكتبة الأسرة الأردنية.
كما أوضَحَ أنَّ الوزارة تنظم برامج قراءات مختلفة في المدارس والتجمعات الشبابية لعمل حلقات قراءة جماعية، معتبرا أنَّ الوزارة لا تستطيع تحفيز الناس على الكتاب ما لم تتعاون كافة الجهات ذات العلاقة مع بعضها البعض.
بينما يرى مدير عام دار الشروق للنشر والتوزيع الكاتب فتحي البس أنَّ معدلات القراءة مبنية على إحصاءات غير معروفة مدى دقتها، مستدركا وفق تقديره كعامل في الثقافة منذ أكثر من ثلاثين عاما، ومشاركته في النشاطات الثقافية داخل الأردن وخارجه، أنَّ معدلات القراءة أقل من عشر دقائق في السنة للفرد الواحد.
وأضاف البس أن تلك الإحصائية تقتربُ من الرقم الحقيقي إذا نسبَ إلى الطلاب وما يقرأونه في المقرَّرات الدراسية، معتبرا أنها "حالة مزرية"، ونتيجة حتمية لعدم اهتمام الدول العربية ومؤسساتها الثقافية بالكتاب والقراءة.
ونوَّهَ إلى أنَّ التعليمَ في الأردن تلقيني والمكتبات المدرسية لا تعمل، ولا توجد لها مخصصات كافية، ولا مشرفون مدربون على التعامل مع المتلقين، إضافة إلى أن العائلة تعاني كثيراً من تدني القدرة الشرائية للكتاب.
وأشار البس إلى أنه في الازدهار الاقتصادي يكون الكتاب في أدنى مستوياته في العائلة والمخصصات للمكتبات العامة والمؤسسات التربوية، وفي حالة الركود فإن أول ما يحذف من قائمة المشتريات والمخصصات هو الكتاب.
في المقابل، تشيرُ مؤسِّسة "بيت حكايا" الذي يعمل على تنشيط عادة القراءة عند الأطفال من خلال قراءة القصص لهم ربيعة الناصر، إلى أنَّ القراءة ما عادت نشاطا يُمارَسُ من المتعلمين أو غير المتعلمين.
وتقول إنَّ الكثير من الأهالي يشتكون لها كأمينة مكتبة في احدى المدارس من عدم قراءة أطفالهم، وأنها عادة تجيبُ بأنَّ ذلك عائد إلى أنَّ الطفلَ لا يرى أحدا حوله يقرأ، وفعل القراءة عادة مكتسبة يكتسبها الطفل من الوسط.
من جهة أخرى يوضِّحُ مسؤولُ البيع في دار الأهلية للنشر سفيان أبو طوق أنَّ هناك ضعفا واضحا في إقبال الناس على الكتاب، وهذا برأيه لا يقتصر على الكتاب فقط، فالأوضاع المادية تمنعُ الناس من شراء الكتب وغيرها من الأشياء.
وأضاف أنَّ الكتبَ أسعارها بارتفاع؛ فأسعار الورق عالمياً مرتفعة وهو ما ينعكسُ على أسعار الكتب، ومن جهة أُخرى بيَّنَ أنَّ توفرَ وسائل بديلة كالإنترنت حدَّ من إقبال الناس على شراء الكتاب المطبوع.
وتمنى على جميع الجهات والمؤسسات الثقافية أنْ تعيد دراسة الأوضاع، ومحاولة تصحيح الأخطاء "لإنقاذ الأجيال القادمة التي سيكون معدل قرائها، إذا بقي الحال على ما هو عليه، دقيقتين في السنة".