تجربة الرزاز في "الأعرابي التائه"

تجربة الرزاز في "الأعرابي التائه"
الرابط المختصر

يُعاين د.غسان عبدالخالق في كتابه "الأعرابي التائه- مقاربات في تجربة مؤنس الرزاز الروائية"، الصادر مؤخرا عن دار ورد للنشر والتوزيع تجربة الرزاز من منظور سوسيولوجي، مخصصا فصلا كاملا لتجربة الزمان، وآخر ضمَّ حوارا مع الروائي الراحل، إضافة إلى فصل للمقالات ومثله للصور والرسومات.

ويقول شقيق الراحل د.عمر منيف الرزاز، في مقدمته للكتاب، إن هناك كثيرين كتبوا عن مؤنس الروائي وآخرون كتبوا عن مؤنس المفكر وكاتب المقال والإنسان وصاحب الموقف، غير أن عبدالخالق أمسك بالخيوط كافة التي شكلت مؤنس الحالة (الروائي، المفكر، الإنسان، الموقف).

ويضيف الرزاز أن عبدالخالق أعاد ربط الخيوط بعضها ببعض في هذا "الكشكول" الذي يدعو القارئ إلى التوغل في نتاج مؤنس، وبالتالي إلى التوغل في محاولة لفهم تاريخ الفجيعة العربي الحديث.

ويقول الرزاز إن خيوط مؤنس "الحالة" عديدة ومتشابكة، مبينا أن هناك التشابك بين الفكر والأدب، حيث يسعى مؤنس ومن خلال ابن خلدون وابن رشد ويونغ وولسن وآخرين إلى أن يعرض لإشكالية العصيبة والسلطة، وإشكالية السلطة والمثقف، وإشكالية المثقف والموروث الثقافي السلفي، وإشكالي الموروث الثقافي والثورة الصناعية والتكنولوجية، وكذلك الإنسان العربي، سواء أكان زعيماً سياسياً أم عالماً أم مديراً لبنك أم موظفاً أم صعلوكاً أم محافظاً أم ليبرالياً أم يسارياً.

ويلفت إلى تربع مؤنس على تلك التقاطعات المتشابكة، مشيرا إلى الفصام في القول والفعل، وكيف أننا لا نجد سوى واجهات حداثية تخفي خلفها موروثاً يشكل نقيضها.

ويبين الرزاز أن كل هذا الانفصام انعكسَ على مشروع الدولة العربية الحديثة ذاته، حيثُ يبادرُ الزعيم الملهم الأوحد إلى بناء الدولة العربية القوية الحديثة، متكئاً على العصبية حيناً والبطش والاستبداد حيناً آخر، فيلد مشروع الدولة القوية الحديثة نقيضه - الدولة الضعيفة المشظاة المتفتتة تماماً كما توقع ابن خلدون وكما شاهدنا في تاريخنا الحديث مراراً وتكراراً.

ويقول الرزاز إن مؤنس كتب ما كتب لا ليسلي القارئ بل ليصدمه بواقع واقعي وخرافي في آن واحد، كما كتب لا ليقول إن هذا الواقع قدر محتوم، بل ليؤسس لنقده وتجاوزه نحو وعي تنويري إنساني ديمقراطي، ونحو دولة العدل حيث القوانين والمؤسسات والمواطن.

ويؤكد الرزاز أن عبدالخالق أحاط بكل خيوط مشروع مؤنس، وبيَّنَ كيف حاك الخيوط عبر الروايات والحوار والمقالات، وكيف أخذ بيد القارئ في متاهة الأعراب، ورافقه عبر طوابقها البارزة والمستترة، رائيا أنَّ عبدالخالق امتلك مفاتيح مشروع مؤنس المعرفي، وأبدَعَ في شرحه.

من جهته يقول عبدالخالق إنَّ كشكوله يزاوجُ بين الدراسة والمحاضرة والمقالة والحوار، تماماً كما كان يروق لمؤنس الرزاز أن يفعل حينما كان يكتب رواية أو حينما كان يكتب مقالة.

ويبين عبدالخالق أنَّ مؤنس حرم الكرنفالية الشعبية بحكم الظروف التي أحاطت به طفلاً فشاباً فكهلاً، إلا أنه على صعيد الكتابة يمكن أن يعد كرنفالياً بامتياز؛ إذ ما من أحد أحبَّ وأتقن المراوحة والمزاوجة بين أنماط مختلفة من السرد، أكثر مما كان يحب ويتقن، لأنه كان قادراً على إدراك السخرية العارمة أو الكوميديا السوداء، أو الفلسفة العميقة التي يمكن أنْ تثوى في هذا الضرب من التنويع بين أنماط ومضامين السرد.

ويضيف عبدالخالق أنه حاول في كشكوله أن يوفر الإيقاع الدرامي المتوقع من كتاب يحاول أنْ يقتربَ من عالم مؤنس الرزاز، آملاً أن يتمكن القارئ العزيز من التقاط ذلك الإيقاع بنفسه، ومن خلال قراءته المباشرة لهذا الكتاب الذي ما كان ليصدر لولا الدعم الذي استأثر به من د.عمر منيف الرزاز الذي لم يدخر وسعاً لتقديم الكتاب ولتزويده بنخبة مختارة من صور ورسومات الراحل الكبير.

ويشير عبدالخالق إلى جهود الروائية سميحة خريس التي زودته بنماذج من الكتابات غير المنشورة لمؤنس الرزاز وبخطه الشخصي.

ويرى عبدالخالق في فصل "تجربة الزمان" أن مؤنس الرزاز أكثر من الإضاءات التاريخية والاجتماعية والفلسفية، لا لأن هذا العالم الروائي يبدو فريداً بالمقارنة مع العوالم الروائية الأخرى في الأردن والعالم العربي، وإنما لأنه ينطوي على توق استثنائي لمقاربة حقائق وأشياء كلية عبر نظرة شمولية.

ويقول عبدالخالق "من المتعارف عليه أن ينظر إلى تجربة مؤنس الرزاز، على أنها المؤشر الحاسم على تحطم بنية الرواية التقليدية في الأردن"، مبيِّنا أنه لا ريب في وجاهة هذا الرأي، لولا أنه قد يقلل من أهمية التجربة كثيراً بتسليطه الضوء على الخصوصية الفنية من تقنية وأسلوب.

ويبين أنَّ تلك الخصوصية يمكن أنْ تحجب الخصوصية الأهم، الثاوية في صلب الخطاب الروائي، من حيث هو خطاب يقوم على حوار محتدم مع الذات الحضارية، وهو ما يملي ضرورة تجاوز الكلام على التجربة في سياقها الفني - الروائي، إلى الكلام عليها في سياق آخر تشتبك فيه كثير من المعطيات المعرفية.

ويرى عبدالخالق أنَّ "اعترافات كاتم صوت"، قدَّمَت مقاربة لمشكل السلطة الفاجع عبر الزمن العربي، بدءاً من اللحظة الراهنة، رجوعاً إلى البدايات، مبينا أن الرغبة في إنشاء حوار مع الذات الحضارية التاريخية بلغت حدها الأقصى في رواية "متاهة الأعراب" التي سبق أن بشر بها أبطال مؤنس الرزاز.

وجاءت عملاً استثنائياً: من جهة الطموح لقول التاريخ الجمعي جنباً إلى جنب التاريخ الذاتي، ومن جهة الطموح إلى كتابة نص روائي يتواصل مع الإرث الروائي الحديث ويستوعب الكثير من أنماط السرد في الموروث، ومن جهة التوفر على هواجس ومقولات فلسفية في صلب مشروع الفكر العربي المعاصر والفكر الأوروبي الحديث.