العتوم توقع "أشبه بأحلامها"
وقعت الشاعرة د.مها العتوم أول من أمس في مقر رابطة الكتاب الأردنيين، ديوانها الجديد وهو بعنوان "أشبه بأحلامها"، الصادر بدعم من وزارة الثقافة دار أزمنة للنشر والتوزيع - عمان.
وشارك في الحفل الذي أدارته د.امتنان الصمادي، الشاعر حكمت النوايسة، د.سهى النعجة، التي قدمت شهادة، أكدت أن ديوان العتوم "بوح حائر للمرأة المهرة التي تحاول أن تصهل فيه في عز النشيج؛ في أوج جزرها إذ ينشغل خيلها عن تفاصيل أنوثتها".
وأشارت سهى، إلى أن قصائد العتوم "صوت المكان والفضاء الذي يراودها: الأرض والبحر والسماء"، مبينة أن الشاعرة أخذت القارئ في قصائدها إلى حدائق لغوية.
وأشارت سهى إلى أن حضور النبي يوسف في قصيدة العتوم، وذلك مجازا، بما يدل عليه من دوال لغوية مسيسة به كـ "الذئب، والجب، والقميص".
وكذلك استحضرت العتوم، وفق سهى، في قصائدها التراث الإنساني العالمي، مشيرة إلى قصة "ليلى والذئب" التي تحضر بصوت الشاعرة الشعري، في قصيدة "أحدث نفسي"، لتغدو "عنقود خمر متمرد جريء يبوح بغجرية الفجر حين يلوح للأنثى ويتمكن منها في طريق شوكها غزير ووردها ضئيل".
سهى رأت أنّ العتوم تثور على العرف السائد عن فطرة الجوع في الذئب "الرجل" المحترف في نصب الفخاخ، واقتناص دروب الفراشات الغريرات، وفتنتهن بالورد حقيقة ومجازا، ليصير مغويا.
وخلصت إلى أنّ إصدار العتوم الجديد هو: "الحلم العذري المزركش، والمرأة التي لا يشظيها عتم الليلك، وحزن البنفسج، الوقوف على النوافذ والجلوس على العتبات أملا في حلم سافر ليعود".
من جانبه رأى الشاعر حكمت النوايسة أن تجربة العتوم الشعرية هي "تجربة مثيرة وصعبة، ولا يدرك صعوبة الوضوح إلا من حاوله، ولا يقدر على تفكيك الغموض إلا من استطاع أن يعرف، ويوجه فانوسه إلى ما يريد".
وأكد النوايسة أن الشعر إرادة، وحالات وتمرين صعب، في الطريق إليها، تلك التي تخرج منا لكي نخرج منها القصيدة، مشيرا إلى تتبع تجربة العتوم قبل إصدارها الأول "دوائر الطين"، إذ كانت تتلمس شعرا جديدا مختلفا.
وقال النوايسة إن العتوم تمتلك من الأصالة ما يؤهلها لأن تفترع طريقها الخاص في الكتابة الشعرية.
وبيّن النوايسة الفرق بين القول الشعري والكتابة الشعرية، فالقول الشعري العربي هو "إرث طويل من الفحولة تتخلله بعض الالتماعات الأنثوية، لكنها خاضعة بصورة أو بأخرى إلى فضاء الفحولة"، لافتا إلى شعر الخنساء الذي إذا ما بحثنا فيه وجدنا ما يؤول في النهاية إلى الفضاء الفحولي وإن كانت قائلته امرأة.
وأشار النوايسة إلى تجارب بعض النساء الشعرية التي تتنفس وتشرب من معين الرجل القبيلة/ رب البيت، منوها إلى تجارب أخرى ارتهنت إلى فضاءات النسوية الثأرية، فتأدلجت بالمخالفة هاربة من الرمضاء إلى النار، تلك التجارب التي غادرت إلى مناطق ما يشبه الراديكالية السياسية المتسلحة بأدوات الرجل لارتياد المناطق التي كانت حكرا على الرجل.
وأكد أن العتوم لم ترتهن لتلك الحرب وخياراتها، وإنما ارتهنت إلى روح المرأة، التي تأتلف روحا وجسدا، لافتا إلى أن العتوم عندما كتبت قصيدة "الوصايا" فإنها تعدل بها الخلل الذي اعتور الميزان، فهي تدعو المرأة إلى أن تترمز ليعرف هو جنايته.
فعندما كتبت العتوم قصيدة "ساعة رمل" فإنها تعيد تشكيل الأسطورة بالروح المعافاة نفسها التي تعيد فيها التوازن إلى الأرض، لكي لا تصبح عرجاء:"رجلا بلا امرأة، أو امرأة بلا رجل".
تبدأ العتوم القصيدة بالرمل وتختم بالماء، وفق النوايسة، الذي يرى أن اتحادهما هو ما تتشكل منه الصورة والأسطورة، "نرسيس"، فإذا كانت مأساة نرسيس أنه نظر في صورته، فإن المخالف تأتي في نرجسة لا تعبد نفسها، وإنما تنتظر أن يكون الآخر/ الحبيب غديرا لتكسر صورتها في مرآته.
ورأى النوايسة أن كسر الصورة في المرآة هي نقل للصورة من الذات إلى عالم الاكتمال -الاتحاد، وهذه أجواء مشوبة بصوفية العتوم التي عرفناها في ديوانها الأول "دوائر الطين"، وفي ديوانها "نصفها ليلك".
وذكر أن ترميز الرجل لا يتأتى بتذلل العاشق الذي كان شرطا في النسيب، وإنما باكتمال العاشق في معشوقه، وفق مرجعية معرفية ترى أن النقص أساس الحركة وأن الاكتمال لا يتم إلا بخطوتين مقبلتين متقابلتين:"لم لم تكن لي مرة، لأكون لك".
وخلص إلى أن العتوم لم تنجرف في تيارات الوهم، فقصائدها جاءت تقف عندما تقف، وتنطلق عندما تنطلق، هي القصائد، لا اعتسافها أو امتشاقها في سباقات الوهم، تسبح القصائد وتكتمل في تلك المنطقة البيضاء قصائد غير بيضاء، مليئة بكل ما هو مدهش، ومغرب، تنفض عنه غلالات الألفة، وتلمعه بلغة رشيقة، وإيقاع مقتصد حتى إن القارئ يخرج من القصيدة وهو يريد أن لا تكتمل.
وقرأت العتوم، وهي عضو في الهيئة الإدارية في رابطة الكتاب الأردنيين، وصدر لها ثلاث مجموعات شعرية هي: "دوائر الطين" في العام 1999، "نصفها ليلك" في العام 2006، ولها كتب نقدية منها "تحولات المكان في شعر محمود درويش بعد خروجه من بيروت 1984-1995"، "تحليل الخطاب في النقد العربي الحديث"، مجموعة من قصائد الديوان "نخلة الأشواق، كم قال لي، شارع أول أقل" الذي تقول فيها:بيننا شارع..
لا ممر لسيارة
أو لأقدام ناس حقيقية
بيننا خضرة الشعب لا العشب
أو رقة البحر لا البحر
ما بيننا شارع أو أقل".
ثم قرأت قصيدة بعنوان "سروة ليل"، تصف فيه أحلام من يريد التعبير في الكلام إلى جهة أقل غموضا، تقول العتوم:سأعبر منه إلى جهة في الكلام
"
وإن فسر الصبح لي حلما
أتنصل منه
وأحلم حلما بغيم سواه
أنا حلمي
أتشكل مثل الجنين
على نطفة
لا يضيف لها الكون لحما وعظما
فتكبر في الحلم شعرا ونثرا".
"