التنمية الاجتماعية العربية للغرايبة
يرى د.فيصل محمود الغرايبة أن من الأمور الأساسية التي تشغل بال المعنيين بالتنمية أن نجاح أي مشروع من المشروعات التنموية يتوقف إلى حد كبير جدا على درجة اشتراك الأهالي فيه.
ويلفت الغرايبة، في كتابه "أبعاد التنمية الاجتماعية العربية في ضوء التجربة التجربة الأردنية"، الصادر أخيرا عن دار يافا العلمية للنشر والتوزيع، إلى استبعاد السكان وخاصة في الأرياف حتى اليوم من التفكير في سياسات التنمية ووضع المخططات في ضوئها، واتخاذ القرارات بشأنها، مبينا أن هذا القطاع من الناس هو الذي يبقى عاجزا عن تأمين الغذاء لنفسه بشكل كاف، فضلا عن الكساء المناسب والسكن الملائم، مشيرا إلى أن هذا الاستبعاد يكون جيوب الفقر في المجتمع والتي تؤثر على الانسجام والوئام الاقتصادي والاجتماعي بين مختلف فئات السكان.
ويقول الغرايبة إن التجارب التنموية في العالم عملت على المشروعات الصغيرة التي يمكن أن تنبثق بإرادة هؤلاء السكان وبقناعتهم لأنها توفر أجواء مناسبة وميادين فسيحة لاكتساب الناس للخبرات وقدرات الإنتاج، بل وفي تولي مسؤوليات متقدمة وواسعة في تنفيذ ومتابعة المشروعات القائمة في مجتمعهم المحلي.
ويرى الغرايبة أن هذا النهج الذي يركز على المشاركة الأهلية على المستوى المحلي في عمليات التنمية لا يعفي الدولة من دورها في إقامة ما يوصل بين هذه المجتمعات من ضرورات تتمثل بالمشاريع الكبيرة التي تتطلب موارد مادية وفنية أكبر وقدرات وصلاحيات أوسع، مبينا أن الطرق التي توصل المدن بالقرى وتوفر الصلة بين مختلف الأنحاء- مثلا- تقضي على عزلة القرى عن المدن وكذلك شبكة الهاتف والمذياع والتلفاز وتبقي أهالي القرى القريبة وحتى النائية على صلة بالمستجدات وبالثقافة وبأسباب الوعي التي تأتي بها وسائل الصلة والاتصال، وكذلك القول بالنسبة للمدارس وخاصة الثانوية ومراكز التدريب المهني والمستشفيات.
ويشير الغرايبة إلى أن توفر شروط النجاح لبرامج التنمية يبدأ من الوحدة الصغيرة.. من القرية.. وبجهود أهلها؛ تفكيرا وتخطيطا وتنفيذا، وبالتالي جنيا لثمار التنمية الملبية للحاجات، والمعبرة عن الرغبات، والقائمة على القناعات، وبعكس ذلك تبقى قوالب جامدة معزولة غريبة لا تستهوي الناس من حولها، ولا يقبلون على التعامل معها بود وحماس وتفاعل، وما على الجهود الحكومية إلا أن تصل بين هذه الوحدات الصغيرة المنتشرة المتقاربة أو المتباعدة، وتوثق الصلة فيما بينها بالمشروعات الكبرى التي يشارك أهالي تلك الوحدات الصغيرة بالاستفادة منها، وبما يكمل لديهم السلسلة المتصلة في تلبية الحاجات الأساسية.
ويقول الغرايبة: عندما نطرح مثل هذا النسق في التنمية الذي يقوم على بدء الجهود من القرية، وبالاعتماد الرئيسي على أهالي القرية قد تقفز إلى الأذهان أفكار شتى؛ مثل الشك في قدرة الأهالي على إنجاز تنمية حقيقية، أو مثل عدم الارتياح إلى الدعوة إلى التخلي عن الدور الكامل للجهود الحكومية في إتمام عمليات التنمية، مبينا أن أصحاب الأذهان التي تقفز إليها مثل هذه الأفكار على حق، وذلك لأن الفلاح البسيط بمهاراته والفقير بإمكاناته بحاجة إلى من يعينه.
ويؤكد الغرايبة أن حقيقة الكرامة الإنسانية لا تقبل من الإنسان أن يتخلى عن تحقيق ذاته بممارسة العمل المنتج، أو أن يهمل نفسه بالخمول والكسل مكتفيا بالأخذ دون عطاء.
ويتساءل غرايبة هل جف ضرع العطاء الإنساني حتى عجز الفلاح أن يستنبت الأرض ويربي الدواجن؟ وهل حقا قد ضمرت سواعد الإنتاج إلى هذا البعد حتى تقاعس ابن القرية إلى حد عدم قدرته على أن يوفر مستلزماته من صنع يده؟
ويقول إن من الأكرم للإنسان أن يعتمد على نفسه، ومن الأنبل للشعوب أن تأكل ما تزرع، وأن تلبس ما تنسج، وبهذا يقاس رقي الشعوب وتعين درجة ابتعادها واقترابها من نقطة التحرر والاستقلال، وتحقيق الذات، وبعكس ذلك تظل أسيرة لغيرها حتى برغيف خبزها وكأس حليبها وسطل مائها، فضلا عن قماش ردائها وإسمنت بيتها.
ويدعو الغرايبة أصحاب الكلمة الصادقة من إعلاميين ومثقفين وأساتذة ومعلمين ووعاظ لحشد جهودهم في أصغر وحدات نشاطاتهم في القرية الصغيرة وفي الحي المتواضع وفي الحارة المحدودة التي يثبت فيها كل هؤلاء متكافلين متضامنين بأنهم قادرون على تحديد حاجاتهم، ووضع تصوراتهم لتلبيتها وحشد مواردهم واستكمالها من خارج حدود منطقتهم، سواء كانت من مصادر حكومية أم شعبية، وتنفيذ مشروعاتهم وإخراجها إلى حيز الوجود مشاهد خير وقمة عطاء تتاح الاستفادة منها للجميع.