الأطرش توقع "رغبات ذاك الخريف"

الأطرش توقع "رغبات ذاك الخريف"
الرابط المختصر

وسط حضور متميز في دائرة المكتبة الوطنية وقعت الروائية ليلى الأطرش آخر رواياتها بعنوان رغبات ذاك الخريف.

وقال المفكر العربي المعروف الناقد د.فيصل دراج أن الرواية تصور عمان بكل تناقضاتها الاجتماعية والاقتصادية بفعل التعددية التي تصطبغ بها الى درجة الاغتراب في كافة المجالات وأنها استطاعت تصوير الحالة بدقة مشددا على ان عمان هي المحرض الفعلي للرواية.

وأوضح الناقد دراج الذي قدم قراءة نقدية للرواية أن هناك العديد من القراءات لهذه الرواية من منظور التاريخ من حيث وجود دعوة للارهاب كحل أساسي لكنه وصف المجتمع في هذه الحالة بانه يعيش خارج السياسة وفي مرحلة ما قبل الحداثة كما ان هناك مدخلا آخر وهو الداعية الذي يهرع اليه الشباب والمتعلمون حيث يعيش المجتمع ايضا في مرحلة ما قبل الحداثة وخارج التاريخ.

ونوه الناقد دراج الى غياب المساواة بين الرجل والمرأة والطائفية والايمان بالسحر والشعوذة التي يقبل عليها جميع الفئات منوها الى أن هذا الامر هو مدخل الاغتراب في الرواية.

وحول مفهوم الحكاية في رواية الأطرش قال أن الروائية أخذت به في أكثر من طريقة لأن لكل شخصية حكاية, فالمرأة السودانية التي تم ختانها فجاءت الى عمان للبحث عن جنين لأنها أصبحت عاقرا واصفا ذلك باللوحة المكتملة كليا التي تقرأ منفصلة.

أما بالنسبة للفتاة المطلقة في الرواية فهي قصة منفصلة مستقلة حيث الرغبة في العشق وهي مختلفة عن بقية الرواية.

وبخصوص اللغة المستخدمة في الرواية قال دراج أن الكاتبة استخدمت لغة ممتازة وكانت بمثابة متواليات بكائية وهي مجموعة حكايات وقصص مترابطة تدور في غالبيتها بعمان بمعنى ان عمان ليست مكانا جغرافيا بل عامل فني منوها الى ان الرواية تترجم كل شيء الى حكاية لكن دون اللجوء الى المباشرة وبدون انتهاج اسلوب الوعظ الارشادي والتوجيه الاعلامي وان أبرز ما في ذلك تلك العجوز الفلسطينية التي تروي التاريخ الفلسطيني منذ النكبة.

أما ما يتعلق بالتعددية المكانية التي تتسم بها الرواية واصطبغت بها بشكل واضح قال د.دراج أن أحداث الرواية تمددت على المساحة ما بين عمان والسودان وبيروت وأمريكا كما انها ارتبطت في كل مناطق عمان وما فيها من معالم.

وحول التعددية الزمانية بين أن هناك تعددية زمانية ارتبطت ما بين العام 1945 وحتى العام 2005 مرورا بالتواريخ السوداء في مسيرة الامة وهي سقوط فلسطين عام 1948 واحتلال بيروت عام 1982 وسقوط بغداد 2003 منوها الى تعددية الاشخاص واللغة مثل لغة الحواري والتزمت والعشق واصفا التعدد بأنه الانفتاح على الحياة والاشياء وهو اللايقين لأن اليقين يقدم شيئا واحدا فقط.

وأبدى الناقد دراج اعجابه بالمرايا المتجاورة في الرواية وهي مجموعة من القصص والحكايات مثل المرأة السودانية المحرومة من الولد والفتاة العاشقة المطلقة موضحا أن توسيع العلاقات من السلط الى ولاية ايوا الامريكية هزه لأن ذلك يعني تحرير المكان الضيق من زمانه واطلاقه لمكان واسع واصفا ذلك بالابداع ونوه الى أن تحرر الزمان يتطلب عقلا حرا.

وفي السياق ذاته كشف الناقد دراج عن أن الرواية تسمح بالالتباس ما يدعونا للتأمل بمستقبل المجتمع الذي يعج بالمتناقضات وبموضوع الحقوق والثقافات.

وبين أن ليلى الأطرش, في عملها ما قبل الأخير: نساء على المفارق قدمت سرداً عفوياً, لا صنعة فيه, يمسك بتفاصيل الحياة, ويحاور القارئ طليقاً, محاذراً التلقين وتكلّف الموعظة.بينما قدمت في روايتها الأخيرة : رغبات ذاك الخريف نصاً جديراً بالقراءة, ظاهره بساطة مخادعة, لأن في ذلك السهل البسيط الممتع ما يسائل وجوه الإنسان المتنوعة وما يقبض على تحولات المعيش العربي, منذ سقوط فلسطين إلى احتلال العراق. أخذت في كتابة هامسة محسوبة العلاقات بشكل رواية الأجيال, من دون ضجة أو إعلان, تاركة حكايتها المتشجرة تقول ما تريد, منتهية إلى نص روائي يحيل على أكثر من جغرافيا وتاريخ, وعلى ألوان شخصيات لها أزمنتها الخاصة المحاطة بأكثر من مأساة, ولها زمنها العربي المجلّل بالصفرة وبشحوب يخالطه الموت.

وأضاف د.دراج أنه لعل التنوّع الحكائي, الذي يربط بين العام والخاص, هو الذي أعطى الفصول الروائية عناوينها المختلفة: عمّان, مخيم الحسين, قصر العدل, الكمالية, مدينة أيوا, الكويت, محاسن الطيراوي, بيروت, صقيع الروح, حي الياسمين..., أمكنة ومصائر, وبشر جاؤوا بمصائرهم من أمكنة رغبوا بها, وجاؤوا بها أكثر من أمكنة فُرضت عليهم, تعبيراً عن هشاشة الإنسان, الذي يلتقي بما سُمح له أن يلتقي به, وإفصاحاً عن ظلم التاريخ الذي يصوغ أقدار البشر ولا يستشيرهم.

وتابع ان الروائية صاغت تعددية الأمكنة والأزمنة وتعددّية النماذج الإنسانية بدقة, إذ لكل نموذج ما يميزه من غيره, ولكل إنسان حكاية خاصة به, أنتجت الروائية من الوحدات الحكائية حكاية كبرى تحتشد فيها وقائع ضيقة وواسعة, كما لو كان معنى الحكاية الكبرى, التي قرأت تحوّلات المعيش العربي في ستة عقود, من معنى حكاياتها المتلاحقة, التي تحيل على فرد ومجموع, وعلى أمكنة عربية وغير عربية في آن.. لا غرابة أن يجتمع في الرواية, بنسب مختلفة, أكثر من أسلوب إذ للعشق لغة جديرة به, ولغات مغايرة للأرواح المتعبة مثلما أن للمرأة الفقيرة, التي تعتاش بجسدها, ما يختلف عن لغة العقل المتزمت القاموسي, وصولاً إلى فصحى تشبه العامية وعامية تشبه الفصحى. تعبّر التعددية اللغوية عن اعتراف بالبشر, كماهم موجودون, وتوطد الإيهام بالحقيقة. الذي تعمل عليه الكتابة الروائية.

وفي ذات السياق قال أن الروائية وصفت البؤس الفلسطيني في سرد حكائي له شكل الوثيقة, وفي مصائر فردية تعكس قدرياً جماعياً محاذرة, مع ذلك, الميلودراما المجردة والتجميل الصناعي. فالفلسطيني المجرد, لا وجود له, فهو يتوزّع على مخيمات الوحول, وعلى الثروة وتقديس المال وهو, في شكليه, مثقل بالنقص وبالوعي الزائف معاً. استطاعت الرواية, بمهارة عالية مقتصدة اللغة, أن تكشف مأساة الخروج بحكايات محدودة واسعة, محوّلة الأسى إلى شخصيات ناطقة, ينتظرها التداعي في محطات قادمة.

ومثلما أن للفلسطيني حكايات لا يشاركه فيها غيره, فإن للمباني حكاية أخرى, لها وجعها الخاص, وللسوداني حكاية ثالثة لا تعرف المسرّة

تتعين رغبات ذاك الخريف بنية حكائية, لها بداية مفتوحة تحتمل بدايات أخرى, ولها نهاية مفتوحة على التأمل والمساءلة والتأويل. والبنية هذه جملة حكايات, تقبل أن تكون مستقلة ومكتفية بذاتها, مثل الحكاية التي عنوانها الحسنات, وهي الفصل الأجمل في الرواية, أو حكاية المرأة السودانية الساعية وراء طفل منشود, تمنعه عنها الطبيعة وإمكانيات الفقراء. تربط الروائية بين الحكايات, التي تبدو مكتفية بذاتها, بتجسير فني رهيف, فالأمكنة المختلفة تجمع بين أشكال مختلفة من البشر, أو ب¯ صدف فنية, إن صح القول, أدواتها الطائرة والمدينة والمقهى, ودروب الإنسان المجهولة البداية والنهاية. مع ذلك, فإن الصدف جميعاً تخضع إلى ضروة فنية, لأن حكايات الرواية متكاملة ومتحاورة وتنتج, في النهاية, خطاباً روائياً عن تعقد الوجود من حيث هو وعن انهدام الإنسان في معيش عربي سمته التدهور.

ووصف رواية رغبات.. ذاك الخريف رواية خصيبة متعددة المستويات, رصدت معنى التاريخ في مساره العربي, وفي بناء معنى الوطن وتفككه, وصعود وهبوط القيم, ورسمت الفاصل الكتيم بين لغة الخطابة الواعظة والعقول المريضة التي تهدم البشر. أعطت الرواية قولها كله بمنظور حواري لا يدعي حقيقة أخيرة. وعن هذا المنظور جاءت النهاية الكثيفة الملتبسة, حيث الموت الواسع المنتظر الذي يقترحه لمختصون في شؤون الأرواح,والذين يئدون الأفراح البسيطة ويبشّرون بالحداد. استولدت الروائية شخصياتها المتنوعة, وقادتها من حكاية إلى حكاية, وجعلت منها شاهداً جماعياً على ما هو محتمل,أو شهوداً بسطاء على صناعة الموت المثابرة, التي تريد أن تكون يد الله على هذه الأرض. موت في الخريف, أو شعب عربي يجاور في خريفه الموت, أو يلتقي بمن يبعده عن الموت ويقوده إلى خيار الحياة.

واختتم أنه في رغبات ذاك الخريف تصل ليلى الأطرش إلى أفضل أعمالها وتبرهن عن اجتهاد كتابي يقرأ المعيش في أحواله المختلفة, ويضعه في شكل كتابي متجدد يبرهن عن وحدة الحرية والإبداع.

من جهتها قالت الروائية ليلى الأطرش التي قدمت ريع الحفل لمؤسسة دار الامان للايتام انها سافرت الى ولاية ايوا الأمريكية مدة ثلاثة أشهرلدراسة المكان واصفة زوجها بالصديق المتحضر لأنه سمح لها بذلك موضحة أنها زارت أيضا كافة أماكن الرواية وان امكنة في عمان زارتها مرات عديدة في الليل والنهار لتجلية الواقع ورسم الموقف.

وقالت: قَدَرُ عمّان أن تكبر وتتمدّد بالاختلاف وتتزين بالتعدّدية, تلك هي دكتاتورية الجغرافيا التي وصفها المفكر المصري جمال حمدان.. عاصمة يتلقّف حضنها ما يسمّى بالمنابت والأصول موضحة أنها بدأت البحث بزيارة أولى للجنة خدمات مخيم الحسين كبداية للخيط.. لتعرف أثر شق شارع الأردن على المخيم.. ثم تكررت زيارتها وحدها.. ليلا ونهارا لتستوعب المكان.. وتربطه بالسلط والكمالية والكرك وباريس وأمريكا لكن عام 2005 بدأ عاما عاصفا مدويا منذ 14 فبراير وتداعيات مقتل الحريري متزامنة مع الهجمات الانتحارية في العراق وفلسطين. لكن خريف عمان 2005 قلب خططها كلها.. فجّروا الفنادق فتفجرت الأسئلة, شخصيات ورغبات تتناحر وتتزاحم, تهاجر من عمان وإليها فتقلب حياتها. مسارات حياة لأبطال من سكان العاصمة وضواحيها, جيوب فقرها وقصور غناها..عقول غاب يقينها فتلحفت بالدين.. وفضائيات تصب فهما قاصرا للدين والسياسة فتهوم العقول في غيبيات لا متناهية..لجأوا إلى الدين والسحر والتشبت بالعلامات الصغرى في ضياع اليقين مع تهاوي القيم وضبابية الرؤيا, وتفسيرٍ لإرهابٍ محتمل قد يكتسح عمان, بعد أن تعددت المحاولات..

وبينت أن رغبات ذاك الخريف.. رصدت هذا القادم العاصف والجارف من خلال مسارات حياة الأبطال أينما ارتحلوا ومن أين جاؤوا, تلاقى بعضهم دون أن يعرف أحدهم الآخر بالضرورة, لكنهم وجدوا أنفسهم في لجّةِ حدثٍ قَلَبَ حياة عمان والأردن, وترك أثره الصارخ عليهم, حين حملتهم رغباتهم المختلفة في ليلة خريفية باردة إلى فنادق الموت, ليكونوا شهودا تتغير حيواتهم بما وضعهم قدرهم أمامه.