أن تعمل من منزلك بالبيجامة.. كيف يؤثر العمل الحر على صحتك النفسية؟

أن تعمل من منزلك بالبيجامة.. كيف يؤثر العمل الحر على صحتك النفسية؟
الرابط المختصر

قالوا قديمًا في مدح أهمية العمل الحكومي: «إن فاتك الميري اتمرغ في ترابه»، فهو يضمن لك دخلًا شهريًا ثابتًا، ومعاشًا لك ولأولادك من بعدك، لكن هل تريد عملًا روتينيًا، وزملاء عمل، ومكانًا ثابتًا، أم تريد العمل حرًا من المنزل أو من أي مكان، أنت مدير نفسك، لا أحد يملي عليك قواعده، ولكن في المقابل عدم أمان مادي؛ فدخلك لا يمكن التنبؤ به، هناك قلق دائم من فقدان العمل، بالإضافة إلى أنك لا تترك مكتبك بعد انتهاء العمل لتعود إليه في اليوم التالي؛ فأنت في المنزل في وضع الاستعداد لعمل دائم، لا تستطيع الفصل بين البيت والعمل، بالإضافة إلى أن هذا النوع من العمل قد يكون له تأثير خطير على صحتك النفسية.

 

 

العمل الحر قلق لا ينتهي

تقول الإحصائية إن هناك 5 ملايين شخصًا الآن يشتغلون بالعمل الحر أو الـ«freelancing»، ويتوقع أن تكوننسبتهم 50% في عام 2020. عندما تنظر من الخارج  إلى حياة صديقك الذي يمتهن العمل الحر قد ستجدها مثالية، لا رئيس عمل يلاحظه، يمتلك ساعات عمل مرنة، يستطيع وضع جدول أعماله بنفسه، من لا يريد ذلك؟ لكن على الجانب الآخر  يعترف أحد الصحافيين أن العمل الحر أو العمل من المنزل سبب له معاناة نفسية وقلق، فضغط مواعيد تسليم العمل الحر لا يضاهيه سوى ضغط التحسب للطرد من المنزل في حالة عدم دفع إيجار البيت، ويضيف إنه ذهب لطبيبه بسبب المعاناة النفسية التي يشتكي منها، فنصحه بأخذ إجازة، لكنه تذكر أمرًا هامًا، العمل الحر لا يوفر إجازات مرضية مدفوعة الأجر، ولا إجازة سنوية، ولا راتب تقاعد بالطبع، هنا تكمن عيوب العمل الحر، رغم أن زملائه من الموظفين يذكرونه بغلظة مدرائهم في العمل، وأنه لن يستطيع ترك العمل المكتبي في يوم يعاني فيه من نوبة قلق، بدون عذر مقبول.

 

هناك بالطبع مميزات يقدمها لك العمل الحر: تعمل وقتما تحب، دون التقيّد بساعات العمل الروتيني التي تبدأ في التاسعة وتنتهي في الخامسة، التي يعتبرها البعض غير مثمرة، ولا تتيح لهم العمل بكامل كفاءتهم، لكن صاحب العمل الحر يستطيع أن يعمل صباحًا أو ليلًا بحريّة، حسب الوقت الذي يستطيع فيه الإنتاج بشكل أكبر،هو أيضًا يعمَل من أي مكان يحبه، ولا تُستقطع ضرائب من راتبه، بل يستطيع أن يطلب مصاريف نثرية مقابل التنقل لإنهاء عمل، أو لشراء كمبيوتر لإتمام مهام العمل هناك فرصة لموارد دخل أكبر من العمل العادي.

 

 

لكن على الجانب الآخر، هناك عدة عيوب، أولها الجانب المادي، فمرتب العمل الحر لابد أن يفوق عملك الروتيني الثابت لسبب بسيط أن العمل الحر لن يوفر لك الدخل السنوي الذي يقابل نفس قيمة العمل الثابت، بالإضافة إلى أنه لن يمنحك امتيازات العمل الثابت من الإجازة المدفوعة والتأمين الصحي. العمل الحر أيضًا يتطلب منك عدة مهام أخرى، مثل جمع فواتير وحسابات إذا كنت تتعامل مع عميل يطلب منك ذلك، وقد يتطلب منك أيضًا مهارات إعلانية. سيتطلب العمل الحر منك التعامل مع السيولة المالية غير المناسبة، حتى لو كان منزلك يتطلب دفع إيجارًا شهريًا ثباتًا، إلا لو كنت محظوظًا بما يكفي لكي تجد عملاء بشكل ثابت، ويكون لك دخل شهري ثابت.

 

 

في العمل الحر أنت مسئول عن البحث عن المهام التي تنجزها، فمثلا في العمل الثابت الذي يذهب إليه الناس كل صباح، يكون هناك أعمال مطلوبة منهم، يزودهم بها صاحب العمل، أما أنت فتعمل من المنزل، فلابد أن تبحث أنت عند الموضوع، إلا إذا زودك العميل بمهمة مطلوبة منك، حسب وظيفتك، سواء كنت مصممًا أو كاتبًا أو مترجمًا.

 

وتحكي  ياسمين صحفية في منتصف الثلاثينات،  تجربتها مع العمل الحر، قائلًا لـ«ساسة بوست»: «إن مشكلتها كزوجة وأم أن الأسرة لا تستوعب أن العمل من البيت عملًا من الأساس، فدائمًا ما تكون مطالبة بإنهاء مهام بيتية، في المقابل صاحب العمل يتعامل مع الفريلانسر دائمًا كـ«عبد» فهو يطلب منك مهام عاجلة في أي وقت، ولابد أن تكون على أهبة الاستعداد طوال 24 ساعة.

ياسمين تقول أيضًا إن العمل الحر كما يمنحك المرونة في الوقت، فإنك في المقابل لا تعرف مفهوم الإجازة، فتجد نفسك تسير في الشارع بجهاز الكومبيوتر لإتمام عملك. فلا يوجد إجازة سنوية ولا أسبوعية هناك 365 يوم عمل.

العمل الحر..حرية وعزلة أيضًا

في البداية نريد أن نذكر أن منظمة الصحة العالمية تتنبأ بأن الاكتئاب سيكون على مشارف عام 2030 أحد أقوى أسباب عدم الاستقرار النفسي، وربما سببًا للوفاة أكثر من أي مرض آخر، أكثر من السرطان ومن السكتة القلبية ومن الحرب، ويُعد غياب العلاقات الاجتماعية سببًا قويًا للاكتئاب والإدمان، ومن هنا نمسك الخيط لنقول إن العزلة التي يعمل بها من يمتهنون العمل الحر، تفاقِم من الاكتئاب كما يعترفون هم أنفسهم، مئات الحالات يصيبها الاكتئاب والقلق بسبب هذا العمل؛ إذ أثبتت دراسة ألمانية صدرت عام 2007 أن العاملين بالعمل الحر في مجال الإعلام يصابون بآثار نفسية سيئة.

 

وفي هذا الجانب،  يقول أحمد( 40 عام) كاتب ومترجم:«إن «الفريلانسج» يخلصك من فكرة ابتلاع المؤسسة لك ومن سيطرة رئيس ما عليك، وينتج عن ذلك بالنسبة لي ككاتب إنتاجية أكبر في الكتابة الإبداعية» لافتًا لـ«ساسة بوست»: «لكن من ناحية أخرى العزلة المطلقة على المدى الطويل مرهقة نفسيًا وتفقدك مهارات اجتماعية ضرورية للحياة».

 

وهذا ما يؤكده إسلام (25 عامًا) الذي اضطره «الفريلانسج» للاستعانة بطبيب نفسي؛ لأن معدل إنتاجه كان غير واضح لأن عمله غير منتظم، ولا يوجد إنجاز، لذا قلل ذلك من نظرته لنفسه وإحساسه بالإنجاز وشعر بعدم التحقق، وأشار إسلام خلال مشاركته مع «ساسة بوست» إلى أن العمل الحر أبعده كثيرًا عن الحياة الاجتماعية؛ لم يعد يرى بشرًا كما كان يراه في طريقه من العمل للمنزل.

بجانب التعامل مع العزلة لابد لـ«الفريلانسر» أن يتعامل مع رفض أصحاب العمل له، أو لسيرته الذاتية بالأدق، بالطبع لا أحد يحب الرفض من الوظائف، لكن عليك ألا تأخذ الأمر بشكل شخصي.

إذا كنت تريد أن تمتهن العمل الحر، فعليك أن تعرف أنها حياة وحيدة، حتى لو كنت تعمل مع شركاء في مشروع ما الذين يتشاركون معك في إحساس الضغط والتوتر، فإن عليك أن تجد قوة دفع ذاتية للعمل عامةً، لن يوجد أحد حولك يحفزك أو يدفعك للعمل، مثل أي وظيفة مكتبة ثابتة، ترى فيها رؤسائك يوميًا.

في هذا الصدد يحكي محمد (29 عام) الذي عمل بشكل منتظم وحر في مجال تكنولوجيا المعلومات، عن تجربته في هذين الشكلين في العمل ويقول لـ«ساسة بوست» إنه يرتاح في العمل مع مجموعات لأنه يعطيه فرصة لتعلم أشياء جديدة، على عكس «الفريلانسر» الذي ينمي – بحسبه – قدرات مختلفة نسبة كبيرة منها سمات شخصية مثل أن تعتمد على نفسك من الألف للياء دون انتظار مساعدة من أحد مثل أن تنفذ مشروعات بالكامل.

إذًا.. ماذا نفعل؟

ينصحك المتخصصون بالاسترخاء، وتخصيص وقت يومي للمشي، والبعد لفترة عن الإيميلات ومهام العمل، حدد وقتًا يوميًا تبتعد فيه عن وسائل التواصل الإجتماعي، وازن بين عملك وعائلتك، إخلق روتين يوميًا، مع ضرورة الذهاب لأخصائي نفسي إذا لزم الأمر.