update سريع للإحساس

update سريع للإحساس
الرابط المختصر

وصلتُ إلى طريق مسدود في إقناع صديقي "الحسَّاس"، بأنْ يُعيدَ النظرَ في ردود فعله العصبية الحادّة، تجاه ما يُصادفهُ من مواقف في مشيه البطيء وسط رتم الحياة السريع؛ وحذرتهُ مرارا أنَّ وقوفه كشجرة زيتون على رصيف بيْنَ شارعيْن لن يضمنَ له السلامة طويلا، هذا إنْ لم يجفِّف هواءُ الطريق البارد قلبَه!

في الأيام الأخيرة أصبحَ صديقي لا يُطاقُ أبدا، يُهاتفني في منتصف الليل يتذمَّرُ (وهو ألطف فعل مضارع يمكنُ استخدامه قبل استفحال حالته) من أنَّ صديقه (.. وأغلبُ الظن صديقته) لا يردُّ على تحيته الدافئة جدا على "فيس بوك"!

يتخيَّلُ الأمرَ كما لو أنَّه يجلسُ على باب بيت صديقه (أو صديقته) وأنهما يتجاهلان وقوفه المُذِلَّ على العتبة. وها أنا أقرُّ بفشل كلِّ محاولاتي لاختصار المسألة له، إنه مجرَّدُ عالم افتراضي يستطيعُ استبدال أيِّ صديقة مائية المزاج، بعشرين فتاة تقترحُها عليه إدارة "فيس بوك" التي تدركُ حاجته إلى حنان "هوائي"!

صديقي حسَّاس جدا؛ وربما ذلك ما يجعله غير راغب بتصديق شيء، بل إنه مستعدٌّ لإمضاء ربع ساعة شديدة التوتر، يتوهمُ خلالها عشرات الاحتمالات التي تجيبُ عن تساؤله غير المنطقي بالمرة: "لماذا يتجاهلُ صديقي الردَّ على هاتفي"؛ فصديقته (أغلب الظن) كانت نائمة!

ولا يقتنعُ؛ يستمرئُ البقاءَ مرتجفا مثل عقارب ساعة متوقفة، فرُغَ شحنها، فباتَ الهواءُ يحرِّكُ البندول في مكانه قبل الثانية عشرة ليلا، ولا يتقدمُ ثانية واحدة إلى اليوم التالي، ويكتفي بمراكمة أحاسيسه القابلة للاحتراق عندَ ترائيه خيبات ما استوعبَها تراثُ الغناءِ العراقيِّ على شجنه؛ بل أعتقدُ أنَّ كاظم الساهر ما كان سيكتبُ ويُلحِّنُ ويغني "منين أجيب إحساس" لو عرَفَ صديقي..، كان على الأغلب سيلجأ إليه، ويأخذُ منه حُزْمَتي إحساس تكفيان بث الدفء في قلوب قبيلة من نساء الدم البارد!

قلتُ له دُلني على عاشق في العام 2010 يستطيعُ البكاءَ 57 دقيقة وهو يستمعُ إلى "قارئة الفنجان"، بعدما يتأكدُ أنَّ حبيبته "ليس لها عنوان"! أقسمتُ له أنَّ ذلك النوع من العشاق انقرَضَ منذ مجاراة "وردة الجزائرية" و"ميادة الحناوي" للإيقاع السريع مطلع التسعينيات، وأعظم حالة حزنٍ يعيشها العاشق الآن ثلاث دقائق خفيفة الكآبة، يكتشفُ فيها "عمرو دياب" أنَّ الحبَّ كان "كدَّاب كبير"، وفي الدقيقة الرابعة من الأغنية التالية تراه متقافزا (مع عشر فتيات) يجزمُ بإيقاع فائق السرعة، أنه وَصَل إلى درجة حب لم يبلغها أحدٌ قبله!

بتُّ أفهمه الآن؛ لا يريدُ صديقي الخروجَ من "زمن الحب"، ولا أظنه مهيأ لتصور العيش في أيِّ حالة لا تجلعه على قلق دائم، فهو يحبُّ الضجيج في رأسه، وقراءة ردود أفعال الناس (ويُتقنُ ذلك بتفوق لافت)، وأقصى ما يتمناه أنْ يدفعَ الناس للتوقف أمام المرآة، وأنْ تتألمَ للفقدان، ولا تزهدُ بكذب مكابر على ما "ذهَبَ مع الريح"!

لكنه اعترفَ أخيرا أنَّ "الزمن تغيَّرَ"، وجاءني طائعا يطلبُ مساعدتي. قلتُ له إنَّ الناس تمشي في كلِّ اتجاه: العاشق يخرجُ من خيبته إلى زواج سريع، والزوجُ يتركُ أم أولاده للحاق بالمراهقة المتأخرة، والفتاة تحرصُ في منتصف الحبِّ على ادِّخار عاشق آخر عندما تقترب نهاية الأول، والولدُ يُبدِّلُ فريقه الخاسر دوما بآخر يُحْسِنُ جمعَ الألقاب..، والزوجة تستعجلهم الرحيلَ لتدركَ ساعتها الفسيولوجية!

قال:"وكيف يكونُ لهم ذلك"؟! أخبرته أنَّ الإنسان باتَ مُبَرْمَجا مثل جهاز الحاسوب الحديث، إذا ما تعرَّض لعائق ما أجرى عملية update سريعة، يتخلصُ بعدها من أثر أيِّ صدمة!

قلتُ له جرِّب؛ فرنَّ على هاتف صديقه أو صديقته، فلم ينكسر الرنين البارد. نصحته أنْ يُغمضَ عينيه ويجري عملية update. فعَلَ ذلك، لكنه تأخرَ في إغماض عينيه، حتى ظننته قد نام، قبل أنْ يُباغتني بمقلتين دامعتين، ليخبرني أنَّ العملية لم تنجح؛ ففي داخله حاسوب "ماكنتوش" من رعيل الثمانينيات!

أضف تعليقك