5 حزيران

5 حزيران
الرابط المختصر

ألحّت علي، وقد تنبهت أن غدا هو الخامس من حزيران، الكتابة عن ذكرى "النكسة"، مع أننا توقفنا منذ زمن عن هذه العادة. فكرت كم من الدروس تراكمت على تعاقب المراحل من دون جدوى، والمخاطب بهذا أولا هو الجيل الذي عاش تلك المحنة الرهيبة ونحن نتحدث عن تاريخ عمره 43 عاما.

كنت في الصف الثالث الإعدادي؛ لكن كشخص تسيس مبكرا، عايشت الحدث بعمق. وبعد عامين كنت مواليا لمفهوم "الحرب الشعبية طويلة الأمد"، بوصفها البديل لحرب الجيوش النظامية المهزومة. وكان هذا الدرس هو الموضة، وقد جسدته المقاومة الفلسطينية ولم يحتج الأمر لوقت طويل حتّى يظهر أن هذا كان بديلا نظريا غير مجد، والتجربة الكوبية نفسها (حرب العصابات في الارياف) فشلت في أول تجربة لنقلها إلى بلدان أخرى في أميركا اللاتينية (بوليفيا)، على يد الثائر الأسطوري آرنستو تشي غيفارا. لكن موضوعيا فالمقاومة الفلسطينية كانت أداة ضغط لقبول الفلسطينيين ككينونة وطنية وطرفا في تسوية، تعطيهم دولة مستقلّة. وحتّى هذا الدور تعثّر بإخراج المقاومة من آخر ساحة لها في لبنان، فجاءت النجدة على غير توقع من الانتفاضة الأولى "انتفاضة الحجارة" في فلسطين. ومع ذلك كان ينبغي وقوع حرب الخليج الثانية لكي تقود أميركا مشروع المفاوضات ودخول منظمة التحرير إليها تحت "المظلّة الأردنية"، حتى حصلت على اعتراف رسمي باتفاق أوسلو.

في حزيران 67 كان قد مرّ 19 عاما فقط على النكبة، وكانت تبدو لنا تاريخا سحيقا لا يخصّنا، فما هو حزيران بالنسبة لأجيال اليوم؟ نحن لم نورث كل جيل لاحق الدروس الصحيحة. كنّا نتوق أساسا للرد على النكسة، وقد كانت أقسى إهانة في التاريخ العربي. وقد رأيت في حرب تشرين 73 أقصى ما كان ممكنا للعرب، وفي أفضل الظروف، تحقيقه عسكريا وبمساعدة عربية على رأسها سلاح النفط. لم تكن موازين القوى في أي وقت لاحق على الإطلاق بأفضل مما وصلنا له عام 73. وبقيت أتعجب كيف يطيش الناس على شبر ماء في كل مواجهة لاحقة. كان الإعلام والخطاب السياسي عموما يصعد بالناس إلى السماء ثم يهوي بهم إرضا.

لنقل درسا صغيرا على الهامش: الخطاب السياسي والإعلامي منذ حرب 67 وحتّى الساعة لم يكن (في الغالب) الا مضللا ومنافقا، وبالنتيجة لم نكن مؤهلين لوضع أفضل. في حرب الخليج واحتلال الكويت ساد خطاب مجنون ثم خطاب منافق، وهكذا في الانتفاضة الثانية. وفي حرب لبنان وفي حرب غزّة، لم نتعلم شيئا منذ النكسة وثابرنا على هذا الخط بلا انقطاع وحتّى اليوم وبالتبعية لم نتقدم شبرا.

أضف تعليقك