وُلدت ميتة يا دولة الرئيس
مع اعتذاري من الذوات والاصدقاء المحترمين ، الذين يشكلون لجنة الحوار الوطني ، فان اللجنة ولدت ميتة ، ولن تصل ببساطة الى اي توافق حول صيغة لقانون انتخاب موحد.
الاختلاف في الدنيا رحمة ، وفي السياسة دليل تنوع ، غير انه في حالة لجنة الحوار الوطني يقول لك ان بذور الخلاف الحاد تم زرعها بين اعضاء اللجنة ، اذ يستحيل اتفاق اغلبهم مع اغلبهم ، على صيغة قانون انتخاب واحد.
الذي يحلل الاسماء والاتجاهات يكتشف ان هذه صيغة للفشل ، وليس للنجاح ، لان التلوينات حادة ومتناقضة جداً ، وسنسمع غداً عن خلافات بين اعضاء اللجنة ، لان كل اسم يقول لك عنواناً لا يمكن ان يتطابق مع توجه آخر ، الا فيما ندر.
طاهر المصري رئيس مجلس الاعيان ، ورئيس اللجنة سيجد نفسه امام لجنة غير توافقية ، وقد كان من الممكن ان تتفق اذا كانت التباينات معقولة ، غير انها "حادة جداً" الى الدرجة التي لكل اسم في اللجنة تصوره الخاص ، ومشروعه المناقض لمشروع الاخر.
رصيد المصري من جهة اخرى مهدد بكل صراحة ، فهذا الرجل الذي بنى اسمه وارثه السياسي على التوافق ، وعلى كونه جامعاً ومقبولا ، قد يجد نفسه امام مشكلة كبيرة تتعلق بالوصول الى "معجزة" للخروج بصيغة موحدة لقانون الانتخاب.
هذا ليس انتقاصاً لاحد ، بل ان اغلب اعضاء اللجنة ذوات مؤهلة ، فردياً ، للادلاء برأيها ، لكن السؤال يبقى حول قدرتهم على التماسك الجمعي والخروج بصيغة موحدة لقانون ، وعدم حدوث صدامات او استقالات او انسحابات ، خصوصاً ، اذ تبدت اشارات تناقض.
تركيبة اللجنة تقول لك ايضاً اننا كما لم نتفق على مفهوم محدد للاصلاح ، او مفهوم محدد للقانون الانتخابي الذي نريد ، فاننا لن نتفق في هكذا لجنة على القانون المطلوب ، والمؤكد ان بعض الاعضاء سيلتقط هذا التناقض ، ولن يحمل على عاتقه كلفة لايرضاها.
يقول المثل العامي "شو لم الشامي ع المغربي" وبتسييل هذا المثل سياسياً ، هل يمكن ان نقرأ ان تشكيلة اللجنة قابلة للاستمرار اساسا؟، في ظل المناددة السياسية التي تم بذرها في ارض القانون الجديد منذ اليوم الاول؟،.
السؤال: ما هي معايير اختيار هذا الاسم او ذاك؟ وهل سيقبل معارضون كثر ، ومن قطاعات كثيرة ، ان يتم اختيار وكيل سياسي يمثلهم وابلاغهم بالوكيل في اللجنة عبر الاعلام ، ولماذا غابت اسماء وحضرت اسماء؟، ومن تولى ترشيح الاسماء؟،.
كان مقرراً ان يتم الاعلان عن اسماء اعضاء لجنة الحوار الوطني يوم السبت الماضي ، الا ان التأخير مرده امران ، الاول عدم حسم الاسماء ، وانتظار تغيير مفاجئ على موقف جماعة الاخوان المسلمين الرافضين لدخول اللجنة.
دخول الاسلاميين مقدر ، ويثبت مرونتهم السياسية ، لكنه سيثير قطاعات اخرى ستقول لماذا يتم تعميد الاسلاميين ، والفكرة تقودك الى منحى آخر يتعلق بغياب اسماء مهمة كان مفترضاً ان تكون في اللجنة.
اسوأ ما يمكن ان نكتشفه هو ان اختيار الاسماء جرى بطريقة "لا تنسونا من المكاتيب" اي اختيار الاسم لارسال اشارات ودلالات معينة ، الى اطراف معينة داخل البلد ، والى خارجه ، والاصل ان يتم اختيار اسماء عليها اجماع عام ، وليس محل خلاف ، او جدل.
يقال هذا الكلام مسبقاً حتى لا نكتشف ، ايضاً ، ان اختيار الاسماء ستكون له دلالة وظيفية ، بحيث تؤدي الى تصدع في معسكرات المعارضة ، او المعسكرات التي تقابلها ، على اساس اعادة خلط الاوراق في الوكالات ، ومن يمثل من ، ومن لا يمثل من؟،.
ما جدوى اي قانون جديد اذا كانت المعادلات الاساسية العلنية والسرية في صياغة قانون الانتخابات ستبقى كما هي؟،.
بصراحة.. اشك في قدرة احد على تغيير هذه المعادلات ، لاعتبارات كثيرة ، وعلى هذا فان رصيد رئيس مجلس الاعيان طاهر المصري قد يواجه محنة او تأثراً او اختباراً لرصيده في توقيت غير حميد ايضاً.
سؤال آخر: اين ذهبت مئات المداخلات الحزبية والشعبية والدراسات القانونية ، واوراق البحث حول تعديلات قانون الانتخاب المحفوظة في مكاتب رئاسة الوزراء ومجلس النواب وديوان التشريع ، وهل الحوار المفتوح بديل عن كل هذه المشاركات؟،.
سؤال ثانْ من بطن سابقه: اين ذهبت توصيات لجنة الاجندة الوطنية ، وتوصيات اللجان المتخصصة ، وغير المتخصصة؟ ولماذا نبدأ من الصفر؟وما قدرة مجلس النواب اساساً على توليد قانون قد يهدد مصالح افراده؟.
الاسماء فردياً عظيمة وُمسّيسة ، لكنها مع بعضها البعض تخبرك مسبقا انها وصفة للفشل ، والارجح ان تنجح اللجنة في قانون الاحزاب ، وتفشل في قانون الانتخاب ، لان الثاني يخضع لمعيار حساس ، لا قدرة على التراجع عنه حتى الان.
اللجنة باختصار تحوي كل التناقضات الحادة والفارقة ، وغير القابلة للذوبان امام المهمة المطلوبة.
الدستور